سأل الحسيني أبو ضيف صديقه سامح بعد أن أديا صلاة العصر أمام قصر الاتحادية: وبعدين يا صاحبي؟، فأجابه سامح بتلقائية: مكملين يا صاحبي، وافترقا ليجد سامح مدرعات الأمن تتقدم إليهم وتطلق قنابل الغاز بكثافة ومن خلفها مجموعات من الإخوان، لم يدم الأمر بسامح سوي دقيقتين على حد تقديره، لينقل مغشيا عليه إلى المستشفى الميداني، وبعد أن أفاق علم أن هناك عددا من القتلى، وصبيحة اليوم التالي وصله اتصال بأن الحسيني استشهد، كان الفارق دقيقتين بينهما، ولكن الفارق بين السؤال: "وبعدين؟" والإجابة "مكملين" ليس زمن ولكنه وعي وتنظيم وحركة محددة الاتجاه والمهام ملتزمة بهدفها. هناك ارتباك وتداخل في الحوار الدائر بين عناصر تنتمي إلى شباب وهب نفسه للثورة، ودون الإمساك بالوعي لن يتمكن الشباب من تكملة الطريق، ستنحرف البوصلة، وستستبدل الخصومات، وسيظل الشباب يقدم الشهداء ويجني غيره النتائج. كلما لاح شبح تهديد لكيان الدولة المصرية، كان الارتكان إلى أن القوات المسلحة هي العصب الصلب الذي يحول دون ذلك ويضمن بنيان الدولة مهما كان حجم التهديد، وخلال الفترة الانتقالية أهدر المجلس العسكري أمرين أساسيين: الأول: هو استيعاب أن ما جرى في مصر ثورة ضد نظام بأكمله، وليس انتفاضة تطالب بتعديلات دستورية، ولكن المجلس العسكري تحرك وفق رؤية نظام مبارك التي عبر عنها عمر سليمان وتشبثت بها جماعة الإخوان، وصار هناك تناغم بين المجلس العسكري والإخوان وهو ما أنتج الواقع الذي نعيشه، رغم محاولات متكررة من المجلس العسكري لإعادة التوازن سواء بإنشاء المجلس الاستشاري أو بالإعلان الدستوري المكمل، إلا أن الفرصة الذهبية للثورة الشعبية لإتمام التغيير السلمي أضاعها إدراك غير مكتمل لحقائق الحدث. الثاني: أن المجلس وقع في أخطاء ترقى إلى حد الخطايا عندما استباح دم الشباب، ولا يستطيع أحد من الشباب حتى اللحظة تجاوز ما رأته عيناه وما عاشه بنفسه من اعتقال أو محاكمات أو شهداء وإصابات، ولم تكن الخطورة في القتل فقط، ولكنها كانت الخشية من أن تصاب العقيدة القتالية للجيش المصري بالتشويه، فيرى الشعب عدوا بديلا عن العدو الحقيقي، وأن يستبدل الوطن والشعب بذات العسكرية المصرية فيرى نفسه طرفا ضد الشعب، رغم أن المجلس العسكري تحمل مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية، وهو ذاته الذي كان يقول إنه لا يقبل أن يأتي بالإخوان إلى الحكم، ولكنه غاب عنه أن الحياة السياسية في مصر تصحرت، وغاب عنه أن المواجهة مع طموحات الإخوان غير المبررة قادمة، خاصة وأنه يملك كل معلومات فترة الثورة ومتغيراتها، وجرت مناقشة في حضور المشير وعنان بين المستشارة تهاني الجبالي ود.محمد مرسي كشفت فيها تهاني مواقف الإخوان، مما استدعى حالة العداء منه ومن جماعته معها شخصيا. وشهدت الأيام القليلة الماضية موقفان يبدو أنهما مقدمات لقادم لم يتحدد بعد: الأول: قرارات وزير الدفاع المصري وكان المعلن منها ثلاث: 1. قرار عدم تمليك أراضي سيناء لغير المصريين. وهو قرار يعلن أنه الحاكم العسكري لهذه المناطق. 2. قرار بالترقيات لضباط الجيش وحركة تنقلاتهم. 3. قرار بإسناد ملف سيناء إلى اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة السابق والذي أقاله مرسي بعد الهجوم على رفح الذي راح ضحيته 16 شهيدا من ضباط وجنود، بينما صرح يومها مراد موافي أنه قدم تقرير معلومات عن هذا الاحتمال بما كان ينطوي على أن إهمالا في التعامل مع تقريره هو سبب ما حدث. ويضاف إلى تلك القرارات خطاب لعقيد بالقوات المسلحة مسؤول عن تأمين إحدى لجان الاستفتاء إلى المواطنين الحاضرين باللجنة وجرى تداوله على شبكة الإنترنت، أقل ما يوصف به أنه خطاب يتجاوز بوضوحه السياسي والوطني خطابات السلطة الحاكمة الركيكة لغويا وسياسيا، وكان خطابا يعود إلى الوطنية المصرية بكافة أبعادها الثقافية والدينية، وأعلن في نهايته رسالة إلى مرشد الإخوان قال فيها " ولكل من يحاول التدخل في شؤون القوات المسلحة نقول، لا تتدخل فيما لا يعنيك حتى لا تلقى ما لا يرضيك"، وكان ذلك تعليقا أوضحه العقيد المقاتل أن الجيش يحترم قياداته السابقين والحاليين ومن سيأتي في المستقبل، حيث كان المرشد قد اتهم قيادات الجيش بالفساد. الثاني: دعوة خرجت من عصام العريان إلى اليهود الذين خرجوا من مصر إلى إسرائيل بالعودة إلى مصر، وبعد يومين من صدور هذا التصريح يختار حزب الإخوان العريان رئيسا لكتلته البرلمانية بمجلس الشورى. دعوة من غير ذي صفة في أمر يمس الأمن القومي المصري وكأنها دعوة إلى الموساد وكافة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن ترسل عملاءها ليحصلوا على حق المواطنة المصرية برعاية إخوانية. وزاد الطين بلة بادعائه أن عبد الناصر أخرجهم من مصر، وهو ما ينافي التاريخ، وكأن الجيل الحالي من الإخوان يسعى لاغتيال عبد الناصر وهو في رحاب ربه على مذبح الولاء والطاعة للإرادة الأمريكية والصهيونية، كما حاول جيل الخمسينيات اغتيال عبد الناصر في المنشية بالإسكندرية، وكأن هذا الجيل نسوا شعارا كانوا يرفعونه بمزايدة لا حق لهم فيها ويقولون "حررها صلاح الدين فمن لها الآن"، ولم نرصد وثيقة تقول بأن صلاح الدين كان إخوانيا. ويضاف إلى هذا الموقف أيضا ما نشرته بوابة الأهرام الإلكترونية في 18 أكتوبر الماضي بأن أجهزة الأمن المصرية ضبطت 13 طردا جرى إعدادها لإرسالهم للخارج في إحدى المكاتب المخصصة لذلك، وتحتوي الطرود وثائق تخص ممتلكات كانت لليهود في مصر قبل رحيلهم وكأن المصادفات تحدث اعتباطا، فهل يتحرك العريان في منظومة عمل تتكامل بين تصريحاته ومستندات جرى ضبطها؟ ويسود الشارع المصري حالة من الوجوم وليس الصمت، بعد إقرار مشروع الدستور وكافة الأفعال التي حصنت عرض أمر الجمعية التأسيسية على المحكمة الدستورية سواء بالإعلان الدستوري الذي أعلنه مرسي أو بحصار عناصر الإخوان للمحكمة ومنع أعضائها من الدخول إليها، ثم الاستفتاء الذي تم رغم كافة النصائح للرئيس المنتخب بتأجيله والسعي إلى توافق وطني، وهو ما دفع بالأستاذ محمد حسنين هيكل أن يطلق عليه "دستورا بالإكراه". ما يجري في مصر يستدعي الخروج من حالة الارتباك والتمترس خلف خصومات مشوهة إلى الإمساك بالحقائق المجردة وإعادة تقدير الموقف وترتيب القوى المتاحة داخل المجتمع. الجيش المصري ليس محل مناورة، ودوره الوطني يجب دعمه والتأكيد عليه، واستعادته إلى خندق الشعب واجب بقاء حتى يمكن مواجهة حملة تزييف الوعي بالجيش ودوره وانتمائه، ومواجهة حملة إهدار الأمن القومي المصري. والجيش المصري مطالب أن يسترد سيطرته على أركان الأمن القومي، واستعادة السيطرة صارت أكثر إلحاحا، كما أن البحث عن مصادر جديدة للسلاح صارت ضرورة قوة يجب استكمال أركانها. حقيقة الأمر الآن هو بحث كيف يمكن استمرار الثورة وتحقيق أهدافها وعدم القبول باقتناصها من أي فصيل كان، ويجب إدراك أن أداء الطليعة لم ينل يوما في التاريخ إجماعا شعبيا، وأن الولاية على الثورة من أشخاص أو أسماء ليست قيدا على إرادة الشعب والصناديق ليست على الإطلاق تعبيرا عن إرادة الوعي الشعبي، وما يرفضه ضمير الشعب لا تجديه شرعية الصناديق. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية