وزيرة التنمية المحلية: الانتهاء من مقابلات المتقدمين للوظائف القيادية خلال الأسبوع المقبل    أسعار الحديد والأسمنت مساء اليوم الخميس 15 مايو 2025    رئيس جهاز حماية المستهلك يشهد ختام برنامج "TOT" لتأهيل المدربين ورفع كفاءة الكوادر البشرية    رابطة العالم الإسلامي: رفع العقوبات عن سوريا انتصار للدبلوماسية السعودية    الخطة الأمريكية لتوزيع المساعدات.. ما قصة مؤسسة غزة الإنسانية؟ ومن أعضائها؟    عصام كامل يكشف عن تصريح مهين من ترامب لدول الخليج (فيديو)    تعادل سلبي بين نيجيريا وجنوب إفريقيا في نصف نهائي أمم أفريقيا للشباب    حادث ميكروباص يتسبب في تكدس مروري أعلى المحور    أحمد سعد يحيي حفلين خيريين في أستراليا لصالح مؤسسة راعي مصر    مصر تتصدر قائمة ال101 الأكثر تأثيراً في صناعة السينما العربية | صور    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على ذكرى النكبة    وزير الصحة يبحث مع وفد من الإمارات تطوير الخدمات الطبية بمستشفيي الشيخ زايد التخصصي وآل نهيان    ضبط سيدة تنتحل صفة طبيبة وتدير مركز تجميل في البحيرة    الإعدام شنقا لربة منزل والمؤبد لآخر بتهمة قتل زوجها فى التجمع الأول    استعدادًا للصيف.. وزير الكهرباء يراجع خطة تأمين واستدامة التغذية الكهربائية    محافظ الجيزة: عمال مصر الركيزة الأساسية لكل تقدم اقتصادي وتنموي    تحديد فترة غياب مهاجم الزمالك عن الفريق    أمام يسرا.. ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة فيلم «الست لما»    إحالة 3 مفتشين و17 إداريًا في أوقاف بني سويف للتحقيق    لن تفقد الوزن بدونها- 9 أطعمة أساسية في الرجيم    بوكيه ورد وصرف فوري.. التأمينات تعتذر عن إيقاف معاش عبد الرحمن أبو زهرة    جامعة حلوان تطلق ملتقى لتمكين طالبات علوم الرياضة وربطهن بسوق العمل    ملائكة الرحمة بالصفوف الأولى.. "أورام الأقصر" تحتفل بصنّاع الأمل في اليوم العالمي للتمريض    تصل ل42.. توقعات حالة الطقس غدا الجمعة 16 مايو.. الأرصاد تحذر: أجواء شديدة الحرارة نهارا    محافظ الجيزة يكرم 280 عاملا متميزا بمختلف القطاعات    الاحتلال الإسرائيلى يواصل حصار قريتين فلسطينيتين بعد مقتل مُستوطنة فى الضفة    ماريسكا: جيمس جاهز لقمة اليونايتد وجاكسون أعترف بخطأه    ضمن خطة تطوير الخط الأول للمترو.. تفاصيل وصول أول قطار مكيف من صفقة 55 قطارًا فرنسيًا    زيلينسكي: وفد التفاوض الروسى لا يمتلك صلاحيات وموسكو غير جادة بشأن السلام    فقدان السيطرة.. ما الذي يخشاه برج الجدي في حياته؟    موريتانيا.. فتوى رسمية بتحريم تناول الدجاج الوارد من الصين    وزير السياحة يبحث المنظومة الجديدة للحصول على التأشيرة الاضطرارية بمنافذ الوصول الجوية    محسن صالح يكشف لأول مرة تفاصيل الصدام بين حسام غالي وكولر    افتتاح جلسة "مستقبل المستشفيات الجامعية" ضمن فعاليات المؤتمر الدولي السنوي الثالث عشر لجامعة عين شمس    محافظ الإسكندرية يشهد ندوة توعوية موسعة حول الوقاية والعلاج بديوان المحافظة    "فشل في اغتصابها فقتلها".. تفاصيل قضية "فتاة البراجيل" ضحية ابن عمتها    "الصحة" تفتح تحقيقا عاجلا في واقعة سيارة الإسعاف    أشرف صبحي: توفير مجموعة من البرامج والمشروعات التي تدعم تطلعات الشباب    تحت رعاية السيدة انتصار السيسي.. وزير الثقافة يعتمد أسماء الفائزين بجائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الخامسة    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    رئيس إدارة منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع امتحانات شهادة القراءات    عامل بمغسلة يهتك عرض طفلة داخل عقار سكني في بولاق الدكرور    إزالة 44 حالة تعدٍ بأسوان ضمن المرحلة الأولى من الموجة ال26    مسئول تركي: نهاية حرب روسيا وأوكرانيا ستزيد حجم التجارة بالمنطقة    فرصة أخيرة قبل الغرامات.. مد مهلة التسوية الضريبية للممولين والمكلفين    كرة يد.. مجموعة مصر في بطولة أوروبا المفتوحة للناشئين    فتح باب المشاركة في مسابقتي «المقال النقدي» و«الدراسة النظرية» ب المهرجان القومي للمسرح المصري    شبانة: تحالف بين اتحاد الكرة والرابطة والأندية لإنقاذ الإسماعيلي من الهبوط    تشكيل منتخب مصر تحت 16 سنة أمام بولندا فى دورة الاتحاد الأوروبى للتطوير    جهود لاستخراج جثة ضحية التنقيب عن الآثار ببسيون    ترامب: الولايات المتحدة تجري مفاوضات جادة جدا مع إيران من أجل التوصل لسلام طويل الأمد    رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة «معلم مساعد» حتى 45 عامًا    تعديل قرار تعيين عدداً من القضاة لمحاكم استئناف أسيوط وقنا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    أمين الفتوى: لا يجوز صلاة المرأة خلف إمام المسجد وهي في منزلها    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي الجزائرى "واسينى الأعرج" يتحدث ل"بوابة الوفد" من باريس:
فى زمن الإرهاب.. نعيش لكتابة شهادة حقيقية عن العصر سعادتي غامرة بوصول "أصابع لوليتا" لجائزة البوكر العربية
نشر في الوفد يوم 29 - 12 - 2012

ثلاثون دقيقة عبر الأثير من خلال هاتفي المحمول جاءني صوت الكاتب الجزائري الكبير «واسيني الاعرج» من العاصمة الفرنسية «باريس» حيث يقيم ويٌدرس كأستاذ جامعي في السوربون قلقاً علي وطنه العربي الممزق بين ربيع ثوراته وشتائها القارس بوصول التيارات الإسلامية للحكم.
صوته المشحون بالحزن، كلماته السريعة المتلاحقة تجعلك تشعر من الوهلة الاولي بأن الوطن يسكن فيه وأن المسافات والبحار قد تفصلك بشكل وجودي وواقعي عن أرضك وناسك ولكن عند «واسيني الاعرج» تعيش بأزقتها وشوارعها وأزماتها الكبري.
والكاتب الجزائري «واسيني الأعرج» من أهم الأصوات الروائية في الوطن العربي فعلي خلاف الجيل التأسيسي الذي سبقه تنتمي أعمال «واسيني» الذي يكتب باللغتين العربية والفرنسية الي المدرسة الجديدة التي لاتستقر علي شكل سردي واحد بل تسعي دوماً الي المختلف عن طريق العمل الجاد علي اللغة وهز ثوابتها واللغة بهذا المعني ليست معطي جاهزاً ومستقراً بل سعي دائم ومستمر .
«واسيني الاعرج» ولد في 8 أغسطس 1954(بقرية سيدي بوجنان الحدودية تلمسان ) غزير الانتاج ففي عام 1980 نشرت اولي رواياته (البوابة الحمراء ... وقائع من اوجاع رجل) ثم توالت أعماله (طوق الياسمين)، (ما تبقي من سيرة لخضر حمروش)، (نوار اللوز)، (حارسة الظلال) (شرفات بحر الشمال). (مرايا الضرير)، (ذاكرة الماء)، (مضيق المعطوبين)، (الفضاء الحر)، (كتاب الأمير)، (البيت الاندلسي) واخر عمل كتبه هو رواية (أصابع لوليتا) عام2012 ووصل بها الي القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية.
في روايته المهمة (الليلة السابعة بعد الألف) بجزئيها: رمل الماية والمخطوطة الشرقية أثار حوله جدلاً نقدياً واسعاً في العديد من الجامعات في العالم وترجمت الرواية للعديد من اللغات حيث حاور فيها ألف ليلة وليلة من هاجس الرغبة في استرداد التقاليد السردية الضائعة وفهم نظمها الداخلية التي صنعت المخيلة العربية في أوج غناها وانفتاحها.
ترجمت أعماله الي اللغات الاجنبية كالفرنسية والانجليزية والايطالية والإسبانية وغيرها وحصل علي عدد كبير من الجوائز منها: جائزة الرواية الجزائرية عن مجمل أعماله وجائزة المكتبيين الكبري والتي تمنح عادة لأكثر الكتب رواجا واهتماماً نقدياً في السنة وجائزة الشيخ زايد للآداب.
في البداية أهنئك لوصول روايتك «أصابع لوليتا» إلي القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية والتي تعد من أهم الجوائز التي تمنح لعمل إبداعي عربي مميز ولكن أسأل عن شعورك خاصة أنها ليست المرة الاولي فمن قبل وصلت أيضاً روايتك «البيت الاندلسي» الي نفس قائمة البوكر ولكنها للاسف لم تفز؟
- بالطبع أشعر بسعادة غامرة فأن تجد قراء متخصصين يعكفون علي قراءة نص أدبي ويقيمونه ويحكمونه ويدخلونه ضمن جائزة مرموقة فهذه مسألة ايجابية ولكن بصراحة أنا أنظر الي أي جائزة بشكل نسبي لأن أي رهانات في نهاية المطاف هي رهانات الكتابة وإن تأتي الجائزة فمرحباً بها وإن لم تأت فلاتوجد مشكلة فالكاتب يكتب ويحاول فيما انتجه يمس القراء بشكل ما فإذا مانجح فهذه جائزته الكبري .
هذا شعورك بالجائزة فهي تأتي بعد استحسان القراء ومزاج حر للكاتب؟
- ليس بهذه الصورة فأن يتم اختيار نص أدبي لي من بين 133 نصاً آخر فهذا امر مهم جداً ولكن تبقي سعادتي الكبري بقرائي وأنا موجود علي كافة الوسائط الالكترونية وعندما أجد مقالات تكتب عن اعمالي واهتماماً نقدياً فهذا أمر جيد ثم قد يصطحب هذا الاهتمام جائزة لهذا اقول ان هذه الامور يجب أن تنظر بطريقة نسبية ففي عام 2009 اخذت جائزة الشيخ زايد وكنت سعيدا جداً ثم سألت نفسي : ماذا بعد ؟ فعلي الانسان ان يكون لديه تبصر وان ينظر الي الجائزة باعتبارها ليست رهاناً كلياً بل هناك أيضاً بجوار الجائزة رهان الكتابة الجديدة التي يكتشفها الكاتب ورهان القراءة عليها .
الكاتب الجزائري الكبير «واسيني الاعرج» أنت استاذ جامعي في كل من جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون بباريس وتعيش في فرنسا منذ سنوات .. هل تري أن العلاقة بين الانا العربي والآخر الغربي مازالت علاقة ملتبسة؟
- أتفق معكي تماماً فالعلاقة بين الأنا العربي والآخر الغربي مازالت ملتبسة علي المستوي الثقافي والسياسي والحضاري الي جانب تعقيداتها الكبيرة بحجم ما يعانيه العالم العربي من أزمات سياسية
وأنا رجل أشتغل في الثقافة ولدي أسئلة من بينها : هل مصير الحضارات أن تتقاتل، أي هل صراع وصدام الحضارات هو القاعدة ، أم الحوار؟ وفي هذا السياق أرى أن الحق ينتصر بين الأفراد أي أن هناك لحظات فيها حوار يصنعه أناس استثنائيون، ولفظ استثنائي لا نطلقه على أي كان فالرئيس الأمريكي الأسبق «بوش» ليس استثنائياً لأنه دمر بلاداً وشعباً، لكن الاستثنائية لا تكمن في ذلك وإنما في تعزيز الأهداف الإنسانية النبيلة.
علي الرغم من أن الشعوب العربية هي الأقل نسبة في ممارسة عادة القراءة نجد ان معظم روايتك تتجاوز صفحاتها 600 صفحة وتنفد فور صدورها.. كيف تفسر هذا النجاح الاستثنائي؟
- حينما يكتب الكاتب عن الشأن الإنساني والعاطفي يستشعر القارئ أن الكاتب كتب عن ما فيه فعندما كتبت روايتي «الأمير» وهي عن المناضل الجزائري الأمير عبد القادر تخيلت انه نص تاريخي وان من سيقرأها لديه هذا الشغف بالتاريخ ولكن رواية الأمير عبد القادر هي رحلة أدبية دخلت من خلالها للرواية التاريخية وضمن هذا النوع الأدبي لا أعيد إنتاج ما أنجزه «جورجي زيدان» علي سبيل المثال أو أكسر النمط لوجود اختلاف بيننا، فعند «زيدان» كانت أهدافها تعليمية من خلال قصة عاطفية يتم حشوها بالتاريخ، لكن ذلك كان فاشلا لأن المادة التاريخية أهملت، لكن بالنسبة لي أعدت قراءة التاريخ للإجابة عن أسئلة معاصرة من خلال الأمير عبد القادر المسلم الصوفي في مقابل شخصية مسيحية وهي أول قس جاء للجزائر سنة 1836 والقدر جمعهما وخلق محاورة بينهما على مستوى رفيع. أيضاً هناك أمر آخر يتعلق بعادة القراءة في الغرب ففي باريس حيث اقيم عادة دعينا نقول إن الكتاب الناجح يتم أول سحب منه يكون 200 ألف نسخة الي 500 ألف نسخة ودعيني أسالك: اين الكاتب العربي الذي تحظي أعماله بهذه النسبة فالكاتب العربي علي اقصي تقدير يتم سحب 3000 نسخة من عمله وهنا اتحدث عن الحالة الطبيعة لنسب القراءة العربية و لااتكلم عن المطبوعات وعن الكتاب الذين حظيت اعمالهم بحظ القراءة وتجاوز السحب علي اعمالهم 10000 نسخة وبالنسبة لي فقد حظيت روايتي «أصابع لوليتا» بسحب تجاوز 50000 نسخة وهو رقم ضخم بالقياس في عالمنا العربي ولكن أتساءل: هل هذا يكفي؟ أجيب بأنه لايكفي فالمفروض ان الوطن العربي سكانه اكثر من 300 مليون نسمة فيكون نصيب الكاتب العادي من بيع اعماله يتجاوز 100000 نسخة اما الكاتب المعروف فتتجاوز مبيعات اعماله المليون نسخة وسوف اعطي لك مثالاً علي ذلك ففي العام الماضي كنت في السويد ووجدت الكتب التي صدرت وقتها وكان لها طابع بوليسي تباع هذه النوعية في المطارات واكشاك الصحف وفي كل مكان وتم سحب ستة ملايين نسخة وهي مجمل سكان السويد!! وكأن كل سويدي يقرأ ويمتلك نسخة وبالمقارنة بعالمنا العربي مازالت المسائل لدينا معقدة ولا نعطي قيمة للقراءة من حيث انها تبدأ مع عادات الطفل الصغير لتصبح في ما بعد جزءاً أصيلاً من سلوكياته اليومية فنادراً ماتركبي مترو الانفاق او حافلة او طائرة في اي مدينة اوروبية او امريكية ولاتجدي في يد المواطن العادي كتاب يتصفحه!!
في روايتك «ذاكرة الماء» نجد ملمحاً من السيرة الذاتية .. هل السيرة الذاتية في عالمنا العربي مازالت فن مسكوت عنه؟
- نعيش في زمن صعب ففي بدايات القرن العشرين اي القرن الماضي جاءت الكاتبة اللبنانية المعروفة «مي زيادة» الي مصر واختلطت برجالات عصرها من المفكرين والكتاب ونشرت رسائلها المتبادلة مع الشاعر اللبناني أيضاً «جبران خليل جبران» ولم يكتب وقتها ان احدا منهما اساء الخلق او غير ذلك ولو افترضت ان مراسلات «جبران» ل«مي زيادة» أو مراسلات «العقاد» أو «مصطفي صادق الرافعي» او غيرهم مع «مي زيادة» تنشر اليوم سنكتشف ان هناك الكثيرين ممن سينتقدون صراحة «مي زيادة» او ينتقدون حبها لكاتب معين إلي آخره فزماننا كما قلت لك من قبل صعب ومنظومة القيم بدأت تتغير ولكن مع ذلك الكثير من الكتاب يخرجون عن السياق ويكتبون سيرهم أحياناً بشجاعة مثل كتاب «الخبز الحافي» للكاتب المغربي «محمد شكري» ولكن علي الرغم من ان هذا الكتاب تعرض للمطاردة والمنع ولم يسمح له بالطباعة باللغة العربية إلا في السنوات الاخيرة لكن «محمد شكري» قبل بالرهان ولكن اليوم هناك كثير من الكتاب يكتبون سيرتهم للأسف بشكل يتعلق بكل ما هو عام بمعني انه يكتب عن ثقافته وتكوينه العلمي وغير ذلك وعندما يصلون الي المسائل العاطفية والحساسة ينسحبون تماماً وكأن هؤلاء الكتاب لم يعيشوا أي تجربة عاطفية وانسانية اثرت في كتاباتهم واذا أشاروا الي هذه التجربة الإنسانية والعاطفية يعبرون فوقها وكأن الحديث عن الحب هو حديث محرم لذلك أري ان الكثير ممن يكتبون سيرتهم الذاتية ينقصهم الصراحة بل أقول إن ليس كل حياة تستحق أن تتحول الي سيرة ذاتية فكتابة السيرة الذاتية يجب أن يتوافر لها عنصر الاستثناء والصعوبة الي جانب الدهشة وأن تكون حياة غير مشابهة للآخرين ولكن في الوقت نفسه ممكن ان تحدث للآخرين وأعتقد أن هذه هي السيرة الذاتية من وجهة نظري ففي روايتي «ذاكرة الماء» تحدثت عن جزئية صغيرة وهي الحقبة الأولي في الجزائر في مواجهة الإرهاب بمعني كيف يواجه كاتب مهدد بالقتل يومياته وكيف ينزلق من شارع إلي شارع وكيف يهرب من مكان الي مكان ليس فقط حفاظاً علي حياته ولكن حفاظاً علي حياته لكتابة شهادة عن زمنه وعصره أي بمعني انه في نهاية المطاف هو الرهان كتابي علي ما أعتقد فالحياة عندما تكون بالغني والصعوبة وان الكاتب ليس علي يقين بأنه سيعيشها تستطيع ان تدخل هذه التفاصيل في السيرة الذاتية أما الحياة العادية فلااعتقد انها تفيد القارئ .
إذاً انت تعتقد ان السيرة الذاتية يجب أن تأتي بالجديد فليس كل سيرة يجب أن تكتب فمازال العالم العربي محكوم بقيود عديدة؟
- صحيح فالقيود كثيرة علي الكاتب ولكن في المقابل علي الكاتب ان يمتلك الشجاعة الكافية لكي يقول أولاً عن عصره وزمانه ولكي يقول عن ذاته فالذات مهمة جداً، فالتعالق الذي سيقع بين الكاتب والقارئ تعالق ذاتي بقدر ما يقتنع القارئ بهذه التجربة وبهذه الحالة الانسانية وبهذه الخصوصية سيندفع نحو حب هذه الكتابة وربما يفجر الكثير من القيود الموجودة فيه كقارئ وربما يرفض في البداية لأن هذا القارئ هو جزء وعينة من هذا المجتمع المحكوم بقيوده ولكن مع الزمن تصبح هذه الامور مقبولة ولهذا نحتاج الي السير القوية التي تقول الحقيقة الذاتية ليس كفخر وإنما كتجربة انسانية طبيعية وأنا عندما اقرأ حياة كتاب كثيرين «كجورج سو» أو «اندرية ميلر» الكاتب الأمريكي العظيم أو غيرهما وأري الشجاعة الكبيرة التي كتبوا بها سيرتهم يأخذني نوع من الغيرة ولكن في الوقت نفسه اقول ان هؤلاء الناس سعوا الي حريتهم واخرجوا مجتمعاتهم من التخلف نحن ايضا نحتاج الي زمن شبيه بذلك لكي تخرج مجتمعاتنا من التخلف، وتقبل الحياة الذاتية كتجربة إنسانية وليس اكثر من ذلك وان الأدب لم يقم بشىء سوي انه ثبت هذه اللحظة وأعطها معني الادبية فقط.
في النهاية أريد ان أعرف الجديد عند الكاتب الكبير واسيني الاعرج بعد «أصابع لوليتا»؟
- أتمني ان تصل «أصابع لوليتا» الي القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية فأنا اقول دوماً إن الرواية مثل الانسان قد يكون لديها حظ فتقع في يد قارئ يتقاسم نفس الحساسية مع شخصيات الرواية ويتقاسم نفس الحساسية ربما مع الكاتب ولهذا اقول إن أي جائزة في النهاية هي ضربة حظ قليلاً مع الجودة والكتابة الجيدة بالطبع، أما حالياً فأنا أعكف علي كتابة رواية عنوانها المؤقت «مملكة الفراشة» وهي قصة شابة تعيش أجواء الحرب الأهلية، تبقي في البيت وتحاول ان تخلق مدار حياة داخل البيت الذي لا تخرج منه من شدة الخوف لأن ابوها قتل وأمها أصابها الجنون وتبقي هي امامها فقط الفيس بوك وهي رواية تتعامل مع جهاز اللاب توب بشكل خاص فتتصل بطلة الرواية بأصدقائها عن طريق الشات ثم تصل عن طريق التواصل الالكتروني الي التعرف علي كاتب مسرحي يعيش في اسبانيا ويكتب مسرحية عن الشاعر الاسباني «جارثيا لوركا» الذي قتلته الفاشية الفرانكونية في عام 1936 وهذا الكاتب من أصول عربية ويأتي لمشاهدة عرض لمسرحيته تلك في البلد العربية الذي تقيم فيها بطلة روايتي ويتفقان علي ان يلتقيا بعد العرض المسرحي وتكون مبسوطة لان تجربة الحب بينهما عاشت ثلاث سنوات بشكل افتراضي وتريد ان تعيش هذا الحب بشكل ملموس وأن تشعر بهذا الشخص وأن تشم عطره وأن تشعر بوجوده وفي يوم العرض تحضر رغم الحرب الأهلية ورغم الخوف وبعد انتهاء العرض كان هناك الكثيرون حول هذا الكاتب المسرحي فتقترب منه وتقول له: أنا الفراشة والفراشة هي كلمة السر بينهما فيبدي عدم معرفته بها فتقول له: أنا من تتحدث اليها في الفيس بوك فينفي معرفته بها بل يقول لها: ان ليس له أي علاقة بالفيس بوك وأن كل ما يتعلق به من اخبار واحاديث يقوم بها بدلا منه ابن عمه وهو الذي يتتبع كل نشاطاته ويبدو أن الأمر اختلط عليكي بيني وبين ابن عمي فتندهش بطلة الرواية وتدرك إن ما عاشته طوال ثلاث سنوات كان حلماً كاذباً وكأنني أريد ان اقول ان هذه الوسائط التكنولوجية الحديثة رائعة ولكنها في الوقت نفسه قنبلة موقوتة بحسب نظراتنا اليها وبالطريقة التي نأخذها بها، أي هناك مخاطر فربما اختصرت هذه الوسائط التكنولوجية الأزمنة والأمكنة مع عشرات الأصدقاء ولكن هذا لا يعوض ما هو انساني ولا يخفف من ثقل الغياب بل تؤكد هذا الغياب وتعممه وتخلق حياة موازية ونظن بأنها الحياة الحقيقية ولكنها ليست بالضرورة هي الحياة الحقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.