بعد هبوط الأخضر الأمريكي.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري السبت 18-10-2025    ترامب لا ينوي تقديم أسلحة طويلة المدى لأوكرانيا في الوقت الحالي    أمواج بشرية تملأ ساحة السيد البدوي للاستماع ل ياسين التهامي في الليلة الختامية (فيديو)    بعد تحريك أسعار البنزين والسولار.. تعرف على آخر تحديث لأسعار الخضروات والفاكهة في الأسواق اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    انخفاض كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة    صرف المرتب والمعاش معًا.. قرارات جديدة لتنظيم عمل المعلمين بعد سن التقاعد    نادي نجيب: الفضة تحقق أرباحًا.. لكنها تحتاج إلى الصبر    تفكك أسري ومحتوى عنيف.. خبير تربوي يكشف عوامل الخطر وراء جرائم الأطفال    مرغ سمعة العيلة المالكة، الأمير آندرو يتخلى عن لقبه الملكي بعد سلسلة من الفضائح    بعد اللقاء مع ترامب.. زيلينسكي يجري مكالمة هاتفية مع القادة الأوروبيين    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال صحفى بشأن قمة ترامب وبوتين    شلل حكومي يضرب أمريكا وخسائر بالمليارات    عبد الرحمن عيسى: طاهر محمد طاهر من أكثر اللاعبين إفادة في الكرة المصرية    المصري هيثم حسن يقود تشكيل ريال أوفييدو أمام إسبانيول في الليجا    إمام عاشور ينشر صورة ذبح العجل تعبيرًا عن الشكر والفضل    مذاعة مجانًا.. موعد مباراة الأهلي وإيجل نوار اليوم في دوري أبطال أفريقيا والقنوات الناقلة    غرس أسنانه في رقبته، كلب ضال ينهش جسد طفل أثناء لهوه بالبحيرة    التصريح بدفن ضحايا حادث طريق شبرا بنها الحر بالقليوبية    شاروخان وسلمان وعامر خان في لحظة تاريخية على مسرح «جوي فوروم 2025» الرياض    من مصر إلى فلسطين والمجر.. «القاهرة السينمائي» يحتفي بروح الإبداع والإنسانية    نجوى إبراهيم تتعرض لحادث في أمريكا وتجري عملية جراحية    عبد البصير: المتحف المصري الكبير سيفتح أبوابه في توقيت مثالي لتعزيز السياحة    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    ِشارك صحافة من وإلى المواطن    الآلاف فى ختام مولد السيد البدوى «شىء لله يا شيخ العرب»    شراكة استراتيجية لتعزيز التعاون الأمنى بين «القاهرة» و«نيودلهى»    «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم وتُعلن عن ظاهرة جوية «مؤثرة»: توخوا الحذر    ملوك الدولة الحديثة ذروة المجد الفرعونى    عمرو أديب: ما يحدث في مولد السيد البدوي غير مفهوم    سقوط 3 متهمين بالنصب على راغبي شراء الشقق السكنية    عاتبه على سوء سلوكه فقتله.. تشييع جثمان ضحية شقيقه بالدقهلية    «بمكونات سحرية».. تحضير شوربة العدس للاستمتاع ب أجواء شتوية ومناعة أقوي (الطريقة والخطوات)    استعد ل الشتاء بنظافة تامة.. الطريقة الصحيحة لغسيل البطاطين قبل قدوم البرد    «فطور بتاع المطاعم».. طريقة عمل الفول الإسكندراني بخطوات سهلة ونكهة لا تُنسى    مكتبة الإسكندرية القديمة.. ذاكرة الإنسانية بين التنوير والإقصاء    مباراة ال6 أهداف.. التعادل يحسم مواجهة باريس سان جيرمان وستراسبورج    فوز أسامة أبو زيد برئاسة نادى الشمس للمرة الثالثة على التوالى.. رسميا    مواقيت الصلاة فى أسيوط السبت 19102025    اسعار الحديد فى أسيوط السبت 18102025    تفاصيل ضبط طرفي مشاجرة داخل مقر أحد الأحزاب بالجيزة    «السياحة» تشارك في رعاية الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي 2025    اليوم.. محاكمة 7 متهمين في قضية «داعش التجمع»    حمزة نمرة لبرنامج معكم: الفن بالنسبة لي تعبير عن إحساسي    نقاط ضوء على وقف حرب غزة.. وما يجب الانتباه إليه    الجيش الإسرائيلى يعلن تصفية عنصر من حزب الله في غارة جنوب لبنان    20 لاعبا فى قائمة الإسماعيلى لمواجهة حرس الحدود بالدورى    تعرف على طاقم حكام مباريات الأحد فى الدورى الممتاز    رئيس البنك الدولى: إعادة إعمار غزة أولوية وننسق مع شركاء المنطقة    قرار هام بشأن المتهم بقتل طفلته وتعذيب شقيقها بأطفيح    أخبار 24 ساعة.. وزارة التضامن تطلق المرحلة الرابعة من تدريبات برنامج مودة    نائب وزير الصحة تناقش "صحة المرأة والولادة" في المؤتمر الدولي ال39 بجامعة الإسكندرية (صور)    الإثنين، آخر مهلة لسداد اشتراكات المحامين حاملي كارنيه 2022    اللواء بحرى أركان حرب أيمن عادل الدالى: هدفنا إعداد مقاتلين قادرين على حماية الوطن بثقة وكفاءة    «الوطنية للانتخابات»: قاعدة بيانات محدثة للناخبين لتيسير عملية التصويت    ينافس نفسه.. على نور المرشح الوحيد بدائرة حلايب وشلاتين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-10-2025 في محافظة الأقصر    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإيمان بالله واليوم الآخر وأثره في السلوك
نشر في الوفد يوم 23 - 12 - 2020

الإسلام معناه: الاستسلام والخضوع والانقياد لأوامر الله تبارك وتعالى، فهو الانقياد الظاهري.
وأما الإيمان فمعناه: التصديق بالقلب؛ فهو الانقياد الباطني؛ فخص الإسلام بالأعمال الظاهرة؛ والإيمان بالأعمال القلبية التي لا يطلع عليها إلا الله. ففي حديث جبريل عليه السلام؛ لما سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: " وَقَالَ يَا: مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ؛ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ؛ وَتَصُومَ رَمَضَانَ؛ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؛ قَالَ صَدَقْتَ: قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ" (مسلم)؛ فنحن نرى أن أعمال الإسلام كلها ظاهرة؛ وتؤدى وتحس بإحدى الحواس الخمسة؛ كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها؛ أما أعمال الإيمان فكلها أعمال قلبية لا يطلع عليها إلا الله؛ كالإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر بما فيه من حساب وصراط وجنة ونار وغير ذلك؛ لذلك قيد الله الإيمان بأنه لا يكون إلا بالغيب؛ فقال: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } . (البقرة: 3).
بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول الايمان بالله واليوم الاخر واثره في السلوك :واضاف :
فالعبد بنطقه الشهادتين يكون مسلما أمام الجميع؛ أما دخول الإيمان قلبه فلا يعلم به إلا الله ؛ ولهذا يكتب في البطاقة ( مسلم )؛ ولا يكتب (مؤمن)؛ لأن الإيمان في القلب ولا يعلمه إلا الله!!
فالإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ فهو شعب؛ وكلما ارتقيت في العمل بهذه الشعب ارتفعت درجة إيمانك؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ (البخاري ومسلم).
فعليكم أن تعملوا جاهدين من أجل زيادة إيمانكم قبل أن يأتي أحدكم الأجل فجأة؛ وقتها لا ينفعه إيمانه؛ لأن الإيمان وقت خروج الروح أو وقت ظهور علامات الساعة الكبرى لا ينفع؛ لماذا؟ لأن الموت وعلامات الساعة غيب؛ وقد أمرت أن تؤمن بذلك في حالة غيبه عنك؛ أما إذا أصبح في حال المشاهدة والرؤية فلا ينفعك إيمانٌ؛ قال تعالى: { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (158)؛ ولذلك لم يقبل الله إيمان فرعون لأنه رأى الغيب أمامه؛ قال تعالي: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }(يونس: 90 – 93).
وكذلك لا يقبل الله توبة العبد عند الغرغرة لأنه رأى الغيب؛ فَعَن ابْنِ عُمَرَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ."( ابن ماجه والترمذي وحسنه)؛ قال تعالى: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء: 17 ؛ 18).
و نخلص من ذلك أن الإيمان لا يكون إلا الغيب؛ والإسلام يكون بالاستسلام الظاهري؛ هذا إذا اجتمعا؛ أما إذا افترقا فكلٌ منهما يحمل معنى الآخر؛ ولذلك يقول العلماء في الإسلام والإيمان: إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
فكلاهما ينوب عن الآخر ويقوم مقامه إذا ذكر وحده، فإذا قيل: هذا الشخص مؤمن فمعناه أنه مسلم، وإذا قيل مسلم فمعناه أنه مؤمن، وهذا معنى إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، أي: إذا ذكرا معاً فإن لكل منهما معناه الخاص، كما في حديث جبريل، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فإنه يتضمن الآخر غير المذكور؛ وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى ، فبينهما عموم وخصوص؛ فالإسلام أعم؛ والإيمان أخص؛ فكل مؤمن مسلم ولا عكس !! ومثله: الفقير والمسكين؛ فإذا ذكر أحدهما يحمل معنى الآخر؛ تقول: أقوم بتوزيع هذا المال على الفقراء؛ أو أقوم بتوزيع هذا المال على المساكين. أما ذكرا معا افترقا؛ كما في آية الصدقات في قوله تعالي: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ........}الآية (النساء: 60).
واوضح الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب:ان للأيمان درجات ثلاثة: درجة علم اليقين؛ ودرجة عين اليقين؛ ودرجة حق اليقين.
فالأولى: علم اليقين؛ أي أن الله أعلمنا عن
طريق الوحي بالغيبيات كالموت والبعث والجنة والنار وغير ذلك مما هو غيب.
والثانية : درجة العين؛ وهي أن ترى ذلك أمامك بالعين المجردة.
والثالثة: درجة الحق؛ وهي أن تجرب ذلك بنفسك وتتنعم بنعيم الجنة وتأكل من ثمارها؛ أو تُعذب في النار بصور العذاب. والدرجات الثلاث قد وردت في القرآن الكريم؛ فدرجة علم اليقين وردت في قوله تعالي:{ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} (التكاثر: 5)؛ ودرجة الرؤية ( عين اليقين) وردت في قوله تعالى:{ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} (التكاثر: 6 ؛ 7)؛ ودرجة حق اليقين وردت في قوله تعالي: { وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} (الحاقة: 51) أي أن الموت حق وكلٌ سيجربه؛ وكأس وكل الناس شاربه.
ولو ضربنا مثالاً توضيحياً من أرض الواقع؛ وقال أحدهم لك: إن فاكهة العنب نزلت في السوق؛ فهذه هي الدرجة الأولى وهو حصول العلم بذلك؛ فلو ذهبت إلى السوق ورأيت العنب؛ فقد انتقلت إلى الدرجة الثانية وهي درجة العين والرؤية والمشاهدة؛ ولو اشتريته وأكلت قطفاً من العنب فقد وصلت إلى الدرجة العليا وهي درجة الحق واليقين بذلك؛ وكلما ارتقيت من درجةٍ إلى أخرى ازداد يقينك بالأمر واطمأن قلبك؛ فليس الخبر كالمعاينة؛ وليست المعاينة كالتجربة!!
ولهذا طلب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام من ربه رؤية الغيب أمامه ليزداد اطمئنان قلبه بالإيمان؛ قال تعالي: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: 260). "
ذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن، ثم قطعهن ونتف ريشهن، ومزقهن وخلط بعضهن في بعض، ثم جزأهن أجزاءً، وجعل على كل جبل منهن جزءًا، قيل: أربعة جبال .
وقيل: سبعة. قال ابن عباس: وأخذ رؤوسهن بيده، ثم أمره الله عز وجل، أن يدعوهن، فدعاهن كما أمره الله عز وجل، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعياً بدون رأس ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم عليه السلام، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله وقوته؛ ولهذا قال: { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي: عزيز لا يغلبه شيء، ولا يمتنع منه شيء، وما شاء كان بلا ممانع لأنه العظيم القاهر لكل شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره." ( تفسير ابن كثير ).
فإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ يعلم يقيناً أن الله يحي الموتى؛ ولكنه أحب أن يترقى إلى درجة العين والمشاهدة ليطمئن قلبه بالإيمان؛ ولكن الله الكريم قال: يا إبراهيم طلبت منا الدرجة الثانية وهي درجة العين والمشاهدة؛ ليزداد إيمانك ويقينك ويطمئن قلبك؛ ونحن أعطيناك الدرجة الثالثة والأخيرة وهي درجة الحق والتجربة!! قال الإمام الطاهر بن عاشور: " وقوله : { ليطمئن قلبي } معناه لينبت ويتحقّق علمي وينتقل من معالجة الفكر والنظر إلى بساطة الضرورة بيقين المشاهدة وانكشاف المعلوم انكشافاً لا يحتاج إلى معاودة الاستدلال ودفع الشُبه عن العقل"(التحرير والتنوير).
فإذا كان أنبياء الله مع قدرهم وورعهم ومكانتهم عند ربهم يسعون جاهدين في الوصول إلى الدرجة العليا من درجات الإيمان واطمئنان القلب!! فحري بنا نحن المسلمين أن نجتهد في كل السبل والطرق التي ترفعنا إلى الدرجة العليا من درجات الإيمان بالغيب؛ ليزداد يقيننا بالله؛ وهذا ماثلٌ في الامتثال لأوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه!!
والإيمان إذا استقر في القلب ظهرت آثاره على تصرفات العبد وسلوكه تجاه خالقه ونفسه ومجتمعه، لذلك تجده يتمتع بصفات الصلاح والإصلاح لنفسه وأسرته ومجتمعه كله؛ ومن ذلك :
فالقلب التقي المملوء بالإيمان لا يحسد ولا يمقت أحداً ولا يقترف إثماً ولا معصية، ويتمتع بالحياء الذي يساعده على عفة اليد عن السرقة؛ وعفة اللسان عن الكذب؛ وعفة العين فلا ينظر إلى المحرمات...إلخ.
ومنها حب الله : فالمؤمن بالله ربا أدرك سرّ الوجود، فأحبّ الله، لأنه رأى في الكون أثر الإبداع والإتقان، فأحبّه
حبًا يفوق حبّ الإنسان لأبويه وأولاده، بل وحتى لنفسه، وأحب كل ما يجيء من قِبَله وكل ما يحبُّه سبحانه، { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } . ( البقرة: 165).
وأحبّ الناس ويحبّونه، فيوضع له القبول في الأرض؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ؛ قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ؛ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ؛ قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ؛ قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ؛ قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ؛ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ".( متفق عليه ) . فعلينا أن نكثر من الدعاء المأثور عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في حب الله ؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ " ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه).
فالإيمان هو الذي يجعل الإنسان ثابتًا في وجه المشكلات.. لأنّ المؤمن لمّا تحلّ به نكبات أو مشكلات أو مصائب يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فإذا قلبه عامرٌ بالطمأنينة والسّكينة. لذلك ترى المؤمنين هم أصبر الناس على البلاء، وأثبتهم في الشدائد، لأنهم عرفوا من لطف ربِّهم أن هذه الشدائد دروس قيّمة لهم، وتجارب نافعة لدينهم ودنياهم. والذين تخلو قلوبهم من الإيمان هم أشد الناس جزعًا، وأسرعهم انهيارًا أمام شدائد الحياة، فتجدهم عند نزول الشدائد والمصائب أشد جزعاً وهلعاً وضجراً ونقماً ؛ وقد وصف القرآن هذا النموذج من الناس.
فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } .( الحج: 11). فقد خسر دنياه وآخرته؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ :" عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ ". (ابن ماجة والترمذي وحسنه). وقد عزَّى الإمام علي رضي الله عنه رجلاً في ابن له مات فرآه جزعاً ، فقال له الإمام على: " يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير ولك الأجر ، وإن جزعت نفذت فيك المقادير وعليك الوزر".
لذلك نجد الجزع والهلع والسخط والانتحار أكثر ما يكون في البيئات التي ضعف التدين والإيمان في أبنائها أو فقدوه.
فالدين والأخلاق عنصران متلازمان متماسكان، لذلك عد حسن الخلق من كمال الإيمان؛ فعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ؛ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ ". ( أحمد وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح). قال المباركفوري: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ): لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان، ( وخياركم خياركم لنسائهم ): لأنهن محل الرحمة لضعفهن."
فقد علق الله عز وجل البركة في الرزق ورغد العيش وتحقيق الأمن الغذائي على الإيمان والتقوى فقال تعالى:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96). فكما أن الإيمان وتقوى الله مجلبة للرزق؛ فترك التقوى وضعف الإيمان مجلبة للفقر ، فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي؛ ويدل على ذلك قَول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ "( أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه ).
وما أجمل مقولة عبد الله بن عباس: " إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القبر والقلب ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق . وقال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي ، وامرأتي ". ( انظر كتاب: الداء والدواء لابن القيم ).
ومنها الاستعداد والعمل لليوم الآخر: فالعبد المؤمن الذي امتلأ قلبه إيمانًا ويقينًا وتقى يعلم أنه راجع إلى الله وموقوف بين يديه فليعد الزاد للقاء الله تعالى؛ " روي أن الفضيل بن عياض لقي رجلًا فقال له الفضيل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تبلغ، فقال الرجل: يا أبا علي إنا لله وإنا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلم ما تقول؟ قال الرجل: قلت إنا لله وإنا اليه راجعون.
قال الفضيل تعلم ما تفسيره؟ قال الرجل: فسره لنا يا أبا علي، قال قولك إنا لله، تقول: أنا لله عبد وأنا إلى الله راجع، فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع، فليعلم بأنه موقوف ومن علم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسئول، ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: تستره، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقى يغفر لك ما مضى وما بقى، فإنك أن أسأت فيما بقى أخذت بما مضى وما بقى. (حلية الأولياء).
وقيل للحسن البصرى - رحمه الله - : ما سر زهدك فى الدنيا ؟ فقال: علمت بأن رزقي لن يأخذه غيرى فاطمأن قلبي له , وعلمت بأن عملي لا يقوم به غيرى فاشتغلت به , وعلمت أن الله مطلع على فاستحييت أن أقابله على معصية , وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله.
فالعبد المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان تزداد ثقته ويزداد يقينه بالله؛ ويعلم أن النفع والضر والرزق بيد الله ؛ وأن جميع المخلوقات لا تملك نفعاً ولا ضراً ؛ وهذا ما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس صحابته الكرام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.