أخبار مصر اليوم: إعلان مواعيد جولة الإعادة بالمرحلة الثانية بانتخابات النواب.. تفعيل خدمة الدفع الإلكتروني بالفيزا في المترو.. ورئيس الوزراء: لا تهاون مع البناء العشوائي في جزيرة الوراق    رئيس شئون البيئة ل الشروق: نسعى لاستقطاب أكبر حجم من التمويلات التنموية لدعم حماية السواحل وتحويل الموانئ إلى خضراء    رئيس شعبة الدواجن بالجيزة يحذر من الفراخ السردة: اعدموها فورا    رئيس بولندا يعارض فكرة توسك بدفع وارسو تعويضات لضحايا الحرب بدلا من ألمانيا    أسامة كمال لمنتقدي تسليح الدولة: لولا السلاح لما كان هناك طعام    استمرار تعثر خطة الصين لبناء سفارة عملاقة في لندن    الدوري الإنجليزي، نيوكاسل يتعادل 2-2 أمام توتنهام في مباراة مثيرة    مجموعة مصر: موعد مباراة الأردن والإمارات في كأس العرب والقنوات الناقلة    بحضور البطل الأوليمبي كرم جابر..وكيل الشباب بالدقهلية يشهد تدريبات المصارعة بالمشروع القومي للموهبة    ارتفاع عدد ضحايا حريق سوق الخواجات بالمنصورة إلى 5 وفيات و13 مصابا (صور)    بينهم أطفال وسيدات.. 9 مصابين في حادث تصادم مروع بمركز إطسا بالفيوم    إخلاء سبيل النائبة السابقة منى جاب الله بكفالة 30 ألف جنيه في قضية دهس شاب    محافظ الدقهلية يتابع جهود السيطرة على حريق في سوق الخواجات بالمنصورة    نقيب الإعلاميين يستعرض رؤية تحليلية ونقدية لرواية "السرشجي" بنقابة الصحفيين    فيروز تتصدر تريند مواقع التواصل الاجتماعي.. والسبب غريب    تراث وسط البلد رؤية جديدة.. ندوة في صالون برسباي الثقافي 7 ديسمبر الجاري    1247 مستفيدًا من قوافل صحة دمياط بكفر المرابعين رغم سوء الطقس    بنك التعمير والإسكان يوقع مذكرة تفاهم مع مدرسة فرانكفورت    بابا الفاتيكان يعرب عن أمله في أن تكون رحلته الخارجية المقبلة إلى إفريقيا    «القومى للمرأة» ينظم الاجتماع التنسيقي لشركاء الدعم النفسي لبحث التعاون    أحمد فهمي يحسم الجدل حول ارتباطه بأسماء جلال    أجواء حماسية والمنافسة تشتعل يين المرشحين في انتخابات النواب بقنا    بعد فرض ارتدائها في بعض المدارس.. الصحة: الكمامات تقتصر على الطلاب المصابين بالفيروسات التنفسية    القطاع الخاص يعرض تجربته في تحقيق الاستدامة البيئية والحياد الكربوني    واشنطن تكثّف حربها على تهريب المخدرات: "بدأنا للتو"    غياب الكرتي ومروان.. قائمة بيراميدز لمواجهة كهرباء الإسماعيلية في الدوري    متسابقة بكاستنج تبكى من الاندماج فى المشهد واللجنة تصفق لها    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    لميس الحديدي بعد واقعة "سيدز": لازم الكاميرات تُعمم على كل المدارس    القانون يحسم جواز بقاء الأيتام رغم بلوغهم السن القانونية.. تفاصيل    السعودية تتفوق على عمان 2-1 في افتتاح مشوارها بكأس العرب 2025    كارمن يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي 2026    تعرف على التفاصيل الكاملة لألبوم رامي جمال الجديد "مطر ودموع"    تشكيل أتلتيكو مدريد أمام برشلونة في الدوري الإسباني    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    مرموش على مقاعد بدلاء مانشستر سيتي أمام فولهام في البريميرليج    استثمارات فى الطريق مصانع إنجليزية لإنتاج الأسمدة والفواكه المُبردة    بشكل مفاجئ .. ترامب يصدر عفوا رئاسيا عن رئيس هندوراس السابق    وزير خارجية ألمانيا: كييف ستضطر إلى تقديم "تنازلات مؤلمة" من أجل السلام    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    إحلال وتجديد طريق ترعة الرشيدية بالمحمودية بتكلفة 2.7 مليون جنيه    مكتبة مصر العامة تنظم معرض بيع الكتب الشهري بأسعار رمزية يومي 5 و6 ديسمبر    وزير الري: تنسيق مستمر بين مصر والسنغال في مختلف فعاليات المياه والمناخ    الصحة: استراتيجية توطين اللقاحات تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    بالصور.. الوطنية للانتخابات: المرحلة الثانية من انتخابات النواب أجريت وسط متابعة دقيقة لكشف أي مخالفة    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    وزير الصحة يبحث مع وزير المالية انتظام سلاسل توريد الأدوية والمستلزمات الطبية    الإحصاء: 37.1 مليار متر مكعب كمية المياه المستخدمة فى رى المحاصيل الزراعية 2024    يلا شوووت.. هنا القنوات الناقلة المفتوحة تشكيل المغرب المتوقع أمام جزر القمر في كأس العرب 2025.. هجوم ناري يقوده حمد الله    سامح حسين: لم يتم تعيينى عضوًا بهيئة تدريس جامعة حلوان    بث مباشر الآن.. متابعة لحظة بلحظة لمباراة السعودية وعُمان في افتتاح مواجهات كأس العرب 2025    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإيمان بالله واليوم الآخر وأثره في السلوك
نشر في الوفد يوم 23 - 12 - 2020

الإسلام معناه: الاستسلام والخضوع والانقياد لأوامر الله تبارك وتعالى، فهو الانقياد الظاهري.
وأما الإيمان فمعناه: التصديق بالقلب؛ فهو الانقياد الباطني؛ فخص الإسلام بالأعمال الظاهرة؛ والإيمان بالأعمال القلبية التي لا يطلع عليها إلا الله. ففي حديث جبريل عليه السلام؛ لما سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: " وَقَالَ يَا: مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ؛ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ؛ وَتَصُومَ رَمَضَانَ؛ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؛ قَالَ صَدَقْتَ: قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ" (مسلم)؛ فنحن نرى أن أعمال الإسلام كلها ظاهرة؛ وتؤدى وتحس بإحدى الحواس الخمسة؛ كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها؛ أما أعمال الإيمان فكلها أعمال قلبية لا يطلع عليها إلا الله؛ كالإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر بما فيه من حساب وصراط وجنة ونار وغير ذلك؛ لذلك قيد الله الإيمان بأنه لا يكون إلا بالغيب؛ فقال: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } . (البقرة: 3).
بهذا بدأ الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه حول الايمان بالله واليوم الاخر واثره في السلوك :واضاف :
فالعبد بنطقه الشهادتين يكون مسلما أمام الجميع؛ أما دخول الإيمان قلبه فلا يعلم به إلا الله ؛ ولهذا يكتب في البطاقة ( مسلم )؛ ولا يكتب (مؤمن)؛ لأن الإيمان في القلب ولا يعلمه إلا الله!!
فالإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية؛ فهو شعب؛ وكلما ارتقيت في العمل بهذه الشعب ارتفعت درجة إيمانك؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ (البخاري ومسلم).
فعليكم أن تعملوا جاهدين من أجل زيادة إيمانكم قبل أن يأتي أحدكم الأجل فجأة؛ وقتها لا ينفعه إيمانه؛ لأن الإيمان وقت خروج الروح أو وقت ظهور علامات الساعة الكبرى لا ينفع؛ لماذا؟ لأن الموت وعلامات الساعة غيب؛ وقد أمرت أن تؤمن بذلك في حالة غيبه عنك؛ أما إذا أصبح في حال المشاهدة والرؤية فلا ينفعك إيمانٌ؛ قال تعالى: { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (158)؛ ولذلك لم يقبل الله إيمان فرعون لأنه رأى الغيب أمامه؛ قال تعالي: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }(يونس: 90 – 93).
وكذلك لا يقبل الله توبة العبد عند الغرغرة لأنه رأى الغيب؛ فَعَن ابْنِ عُمَرَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ."( ابن ماجه والترمذي وحسنه)؛ قال تعالى: { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء: 17 ؛ 18).
و نخلص من ذلك أن الإيمان لا يكون إلا الغيب؛ والإسلام يكون بالاستسلام الظاهري؛ هذا إذا اجتمعا؛ أما إذا افترقا فكلٌ منهما يحمل معنى الآخر؛ ولذلك يقول العلماء في الإسلام والإيمان: إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
فكلاهما ينوب عن الآخر ويقوم مقامه إذا ذكر وحده، فإذا قيل: هذا الشخص مؤمن فمعناه أنه مسلم، وإذا قيل مسلم فمعناه أنه مؤمن، وهذا معنى إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، أي: إذا ذكرا معاً فإن لكل منهما معناه الخاص، كما في حديث جبريل، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فإنه يتضمن الآخر غير المذكور؛ وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى ، فبينهما عموم وخصوص؛ فالإسلام أعم؛ والإيمان أخص؛ فكل مؤمن مسلم ولا عكس !! ومثله: الفقير والمسكين؛ فإذا ذكر أحدهما يحمل معنى الآخر؛ تقول: أقوم بتوزيع هذا المال على الفقراء؛ أو أقوم بتوزيع هذا المال على المساكين. أما ذكرا معا افترقا؛ كما في آية الصدقات في قوله تعالي: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ........}الآية (النساء: 60).
واوضح الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب:ان للأيمان درجات ثلاثة: درجة علم اليقين؛ ودرجة عين اليقين؛ ودرجة حق اليقين.
فالأولى: علم اليقين؛ أي أن الله أعلمنا عن
طريق الوحي بالغيبيات كالموت والبعث والجنة والنار وغير ذلك مما هو غيب.
والثانية : درجة العين؛ وهي أن ترى ذلك أمامك بالعين المجردة.
والثالثة: درجة الحق؛ وهي أن تجرب ذلك بنفسك وتتنعم بنعيم الجنة وتأكل من ثمارها؛ أو تُعذب في النار بصور العذاب. والدرجات الثلاث قد وردت في القرآن الكريم؛ فدرجة علم اليقين وردت في قوله تعالي:{ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} (التكاثر: 5)؛ ودرجة الرؤية ( عين اليقين) وردت في قوله تعالى:{ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} (التكاثر: 6 ؛ 7)؛ ودرجة حق اليقين وردت في قوله تعالي: { وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} (الحاقة: 51) أي أن الموت حق وكلٌ سيجربه؛ وكأس وكل الناس شاربه.
ولو ضربنا مثالاً توضيحياً من أرض الواقع؛ وقال أحدهم لك: إن فاكهة العنب نزلت في السوق؛ فهذه هي الدرجة الأولى وهو حصول العلم بذلك؛ فلو ذهبت إلى السوق ورأيت العنب؛ فقد انتقلت إلى الدرجة الثانية وهي درجة العين والرؤية والمشاهدة؛ ولو اشتريته وأكلت قطفاً من العنب فقد وصلت إلى الدرجة العليا وهي درجة الحق واليقين بذلك؛ وكلما ارتقيت من درجةٍ إلى أخرى ازداد يقينك بالأمر واطمأن قلبك؛ فليس الخبر كالمعاينة؛ وليست المعاينة كالتجربة!!
ولهذا طلب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام من ربه رؤية الغيب أمامه ليزداد اطمئنان قلبه بالإيمان؛ قال تعالي: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: 260). "
ذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن، ثم قطعهن ونتف ريشهن، ومزقهن وخلط بعضهن في بعض، ثم جزأهن أجزاءً، وجعل على كل جبل منهن جزءًا، قيل: أربعة جبال .
وقيل: سبعة. قال ابن عباس: وأخذ رؤوسهن بيده، ثم أمره الله عز وجل، أن يدعوهن، فدعاهن كما أمره الله عز وجل، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعياً بدون رأس ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم عليه السلام، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله وقوته؛ ولهذا قال: { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي: عزيز لا يغلبه شيء، ولا يمتنع منه شيء، وما شاء كان بلا ممانع لأنه العظيم القاهر لكل شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره." ( تفسير ابن كثير ).
فإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ يعلم يقيناً أن الله يحي الموتى؛ ولكنه أحب أن يترقى إلى درجة العين والمشاهدة ليطمئن قلبه بالإيمان؛ ولكن الله الكريم قال: يا إبراهيم طلبت منا الدرجة الثانية وهي درجة العين والمشاهدة؛ ليزداد إيمانك ويقينك ويطمئن قلبك؛ ونحن أعطيناك الدرجة الثالثة والأخيرة وهي درجة الحق والتجربة!! قال الإمام الطاهر بن عاشور: " وقوله : { ليطمئن قلبي } معناه لينبت ويتحقّق علمي وينتقل من معالجة الفكر والنظر إلى بساطة الضرورة بيقين المشاهدة وانكشاف المعلوم انكشافاً لا يحتاج إلى معاودة الاستدلال ودفع الشُبه عن العقل"(التحرير والتنوير).
فإذا كان أنبياء الله مع قدرهم وورعهم ومكانتهم عند ربهم يسعون جاهدين في الوصول إلى الدرجة العليا من درجات الإيمان واطمئنان القلب!! فحري بنا نحن المسلمين أن نجتهد في كل السبل والطرق التي ترفعنا إلى الدرجة العليا من درجات الإيمان بالغيب؛ ليزداد يقيننا بالله؛ وهذا ماثلٌ في الامتثال لأوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه!!
والإيمان إذا استقر في القلب ظهرت آثاره على تصرفات العبد وسلوكه تجاه خالقه ونفسه ومجتمعه، لذلك تجده يتمتع بصفات الصلاح والإصلاح لنفسه وأسرته ومجتمعه كله؛ ومن ذلك :
فالقلب التقي المملوء بالإيمان لا يحسد ولا يمقت أحداً ولا يقترف إثماً ولا معصية، ويتمتع بالحياء الذي يساعده على عفة اليد عن السرقة؛ وعفة اللسان عن الكذب؛ وعفة العين فلا ينظر إلى المحرمات...إلخ.
ومنها حب الله : فالمؤمن بالله ربا أدرك سرّ الوجود، فأحبّ الله، لأنه رأى في الكون أثر الإبداع والإتقان، فأحبّه
حبًا يفوق حبّ الإنسان لأبويه وأولاده، بل وحتى لنفسه، وأحب كل ما يجيء من قِبَله وكل ما يحبُّه سبحانه، { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } . ( البقرة: 165).
وأحبّ الناس ويحبّونه، فيوضع له القبول في الأرض؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ؛ قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ؛ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ؛ قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ؛ قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ؛ قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ؛ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ".( متفق عليه ) . فعلينا أن نكثر من الدعاء المأثور عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في حب الله ؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ " ( أحمد والترمذي والحاكم وصححه).
فالإيمان هو الذي يجعل الإنسان ثابتًا في وجه المشكلات.. لأنّ المؤمن لمّا تحلّ به نكبات أو مشكلات أو مصائب يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فإذا قلبه عامرٌ بالطمأنينة والسّكينة. لذلك ترى المؤمنين هم أصبر الناس على البلاء، وأثبتهم في الشدائد، لأنهم عرفوا من لطف ربِّهم أن هذه الشدائد دروس قيّمة لهم، وتجارب نافعة لدينهم ودنياهم. والذين تخلو قلوبهم من الإيمان هم أشد الناس جزعًا، وأسرعهم انهيارًا أمام شدائد الحياة، فتجدهم عند نزول الشدائد والمصائب أشد جزعاً وهلعاً وضجراً ونقماً ؛ وقد وصف القرآن هذا النموذج من الناس.
فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } .( الحج: 11). فقد خسر دنياه وآخرته؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ :" عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ ". (ابن ماجة والترمذي وحسنه). وقد عزَّى الإمام علي رضي الله عنه رجلاً في ابن له مات فرآه جزعاً ، فقال له الإمام على: " يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير ولك الأجر ، وإن جزعت نفذت فيك المقادير وعليك الوزر".
لذلك نجد الجزع والهلع والسخط والانتحار أكثر ما يكون في البيئات التي ضعف التدين والإيمان في أبنائها أو فقدوه.
فالدين والأخلاق عنصران متلازمان متماسكان، لذلك عد حسن الخلق من كمال الإيمان؛ فعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ؛ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِكُمْ ". ( أحمد وأبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح). قال المباركفوري: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ): لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان، ( وخياركم خياركم لنسائهم ): لأنهن محل الرحمة لضعفهن."
فقد علق الله عز وجل البركة في الرزق ورغد العيش وتحقيق الأمن الغذائي على الإيمان والتقوى فقال تعالى:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96). فكما أن الإيمان وتقوى الله مجلبة للرزق؛ فترك التقوى وضعف الإيمان مجلبة للفقر ، فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي؛ ويدل على ذلك قَول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ "( أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه ).
وما أجمل مقولة عبد الله بن عباس: " إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القبر والقلب ، ووهناً في البدن ، ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق . وقال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي ، وامرأتي ". ( انظر كتاب: الداء والدواء لابن القيم ).
ومنها الاستعداد والعمل لليوم الآخر: فالعبد المؤمن الذي امتلأ قلبه إيمانًا ويقينًا وتقى يعلم أنه راجع إلى الله وموقوف بين يديه فليعد الزاد للقاء الله تعالى؛ " روي أن الفضيل بن عياض لقي رجلًا فقال له الفضيل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك توشك أن تبلغ، فقال الرجل: يا أبا علي إنا لله وإنا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلم ما تقول؟ قال الرجل: قلت إنا لله وإنا اليه راجعون.
قال الفضيل تعلم ما تفسيره؟ قال الرجل: فسره لنا يا أبا علي، قال قولك إنا لله، تقول: أنا لله عبد وأنا إلى الله راجع، فمن علم أنه عبد الله وأنه إليه راجع، فليعلم بأنه موقوف ومن علم بأنه موقوف فليعلم بأنه مسئول، ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: تستره، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقى يغفر لك ما مضى وما بقى، فإنك أن أسأت فيما بقى أخذت بما مضى وما بقى. (حلية الأولياء).
وقيل للحسن البصرى - رحمه الله - : ما سر زهدك فى الدنيا ؟ فقال: علمت بأن رزقي لن يأخذه غيرى فاطمأن قلبي له , وعلمت بأن عملي لا يقوم به غيرى فاشتغلت به , وعلمت أن الله مطلع على فاستحييت أن أقابله على معصية , وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله.
فالعبد المؤمن المطمئن قلبه بالإيمان تزداد ثقته ويزداد يقينه بالله؛ ويعلم أن النفع والضر والرزق بيد الله ؛ وأن جميع المخلوقات لا تملك نفعاً ولا ضراً ؛ وهذا ما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس صحابته الكرام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.