الاخذ بالاسباب من صفات المتقين ومن الاعمال التى يحبها الله سبحانه وتعالى وقال بعض اهل العلم حيث أمر عباده بتفويض أمورهم إليه وحده في شؤون الدنيا والآخرة، فجاء أمره بالنص الصريح في غير آية منها قوله تعالى في سورة المائدة: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}. لكن توكّل العبد على ربه وتفويضه الكامل له لا يكون صحيحًا إلا إذا اقترن بالأخذ بالأسباب التي تستجلب المنفعة، وإلّا لكان الناس جالسون في بيوتهم ينتظرون المأكل والمشرب والملبس، وهذا عين البعد عن التوكّل والانتقال إلا التواكل، وهو ليس من صفات المؤمن الذي يباشر الأسباب ما استطاع، ويتحرّى ما فيه خير له كما أُمر في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}. وعلى المؤمن ألا يغفل عن أنّ نجاحه في الآخرة أيضا يحتاج إلى اتخاذ أسباب النجاة من الوقوع في براثن الشهوات والكبائر وجميع أنواع المعاصي، كما ورد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[4]، وفي هاتين الآيتين دليل على أن المؤمن لا يترك الأسباب ولا التوكّل، بل يهتدي بهما معًا في سبيل تحقيق المنفعة وطلب الخير في الدين والدنيا.[5] وعلى الإنسان لكي يكون مدركًا لقضية هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل أن يعرف أن التوكل موضعه في القلب؛ حيث الإيمان بالله وبالقضاء والقدر، على أن هذا الإيمان لا بدّ وأن يؤثّر في ما تبديه الجوارح، وهي مكان الأخذ بالسباب، وبهذا فإن من عطّل العمل والأخذ بالأسباب كان هناك لبس في توكّله، ومن ترك التوكّل واعتمد على الأسباب كان هناك لبس في إيمانه، والله يقول لرسوله :{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} . وفي هذه الآية قطع الشك باليقين في مسألة هل الأخذ بالأسباب ينافي التوكل، حيث يدرك الفطن من خلالها أن اقتران التوكل على الله مع اتخاذ الأسباب أمر ليس فيه أي تعارض، بل الواجب أن يجتمعا، فلا يتحقق التوكّل إذن إلّا بالعزم الصادق المؤسس على الأخذ بالأسباب، وفي إجابة النبي -عليه الصلاة والسلام- لرجلٍ حين سأله عن عقل الناقة أو تركها مع التوكل؟:"اعقِلْها و توكَّلْ"، أكبر دليل على أنّ الأخذ بالأسباب لا يترك، ولا يتنافى مع التوكّل، بل يقترنان.