عاشت سنوات طويلة تحلم بوليد جديد بعد أن شاخ كل أبنائها الشرفاء في الهم واليأس والفقر، وليد يعيد لها روح الشباب والحياة، يعيد لها الحق المنهوب ويحميها من تكرار أزمنة مضت، أزمنة انتهاك حريتها وحقوقها، وإهدار كرامتها وتغييب إرادتها وإفساد أرضها.. مياهها.. هوائها، تحملت فوق طاقتها وهي تحلم بالوليد، حتي جاء إليها كهبة من السماء، هبة إلهية كالمسيح، شعرت به يتحرك في أحشائها بعد أن أريقت علي جوانبه الدم.. دم أبنائها الذين استلهموا بأرواحهم ثورة الحياة في 25 يناير واستلهموا ميلاد الوليد، لكن بغتة امتدت أيادي لصوص الحياة لتنتزع الوليد وهو بعد لم يكتمل النمو المطلوب، انتزعوه بالقوة ليستحوذوا عليه ويزعموا أبوتهم له، وما كانوا أباءه، انتزعوا الوليد.. الدستور من أحشاء مصر، فولد بين أيديهم ميتاً، واعتقدوا أنه بأسلحتهم وترهيبهم يمكن أن يبعثوا أو يفرضوا عليه الحياة، ولد الدستور ميتاً، مشوهاً وهم به فرحون، وهيأ لهم خيالهم المريض أن مصر قد أصيبت بعد هذا الاستيلاء القهري بعقم.. عقم سياسي، وأنها لن تنجب أبداً المزيد وستموت علي عقمها أو تنزوي خوفاً خلف الجدران.. لا والله.. لا والله هيهات لما أردتم أن يكون. مصر لن تصاب بالعقم السياسي، ولن تنزوي أو تموت حزناً علي تشويه وقتل الوليد، مصر ولادة الرجال ذوي الهامات والقامات مرفوعة الرأس، ستضمد جرحها وتلملم أحشاءها، وأبداً لن تموت، ولن تسكت، ولن يسكت أبناؤها الأشراف الأبرياء عما حدث أو ما سيكون، الثورة الجديدة قادمة نعم قادمة، ولتفرحوا أنتم بالوليد الميت، لأن الجديد القادم سيحيا وسيكتمل النمو شئتم أم أبيتم، افرحوا بالوليد الميت الذي ألغي بنوداً للحق والحرية والحياة والمساواة والعدل، وصاغ بنوداً هي قيود للظلم والمصادرة وتكميم الأفواه، وحين تجتمعوا علي جثته للاحتفال وأكل الثريد الذي تعشقونه ككل شهوات الدنيا الرخيصة، حتي تزداد بطونكم انتفاخاً وأكتافكم سمنة ولحاكم المزيفة طولاً، تلك التي شوهت الإسلام ومسخت السنة، حين تجتمعون لتوزيع المناصب والمقاعد التي لا تدوم، تذكروا بضمائركم أن كانت لا تزال تنبض بالحياة في وليمتكم، تذكروا أنكم تحتفلون بميلاد ميت، بدستور يرفضه أكثر من نصف الشعب المصري وقد ادعيتم زوراً وبهتاناً أنكم الأغلبية. تذكروا ببقايا ضمائركم أن وجدت، إنكم زورتم الاستفتاء، دخلتم لجانه، تلاعبتم بصناديقه، أنتحلتم صفة القضاة، وأهنتم القضاة، أهنتم ذلك الصرح المنيع الذي كنا نلجأ إليه في الملمات، نلجأ إليه حين تحاصرنا سراديب الظلم والقهر، وأقسم بالله العظيم، إلهنا، إله العدل والحق والعدل والسلام، إلهنا الواحد الأحد الجبار، أن أحداً من رجالكم قال لي بالحرف قبل الليلة الأخيرة من الاستفتاء: «إن النتيجة ستظهر بنسبة موافقة تبلغ 64 أو 65%»، فهل علم الغيب لأنه منكم، أم أن النتيجة كانت معدة سلفاً، ولو فرضنا، فبلغة الأرقام خرج أقل من نصف من لهم حق التصويت في الاستفتاء، وبحسبة بسيطة ستجدون أن أقل من 25% من الشعب المصري هو الذي وافق علي الدستور، هل هذه نسبة الأغلبية التي تتشدقون بها وتتمسحون؟.. ألا تستحون من قول رسول الله صلوات الله عليه وسلامه من «غش أمتي ليس مني». والآن ثورة حتي النهاية، حتي استرداد مصر من أيديكم الملوثة بدماء الشهداء، ثورة حتي الحرية والعدالة والمساواة الحقيقية لا الممسوخة في شعاراتكم، ولن تخدعنا مجدداً أي مناورات ستحاولون لعبها في المرحلة القادمة سعياً لتمرير دستوركم الميت، أو اختطاف الانتخابات البرلمانية القادمة، فقد تسربت جوانب من مناورتكم القادمة، التي تخططون من خلالها للتهدئة الوهمية لامتصاص غضب الشارع تمهيداً لاختطاف البرلمان، خطتكم تم تسريبها من ألسنة بعضكم، وتتمثل في إلهاء قوي المعارضة في اتهامات قانونية وهمية لشغلهم في دهاليز قانونية للدفاع عن أنفسهم، وتفويت الفرصة عليهم في حربهم السياسية، كما تشمل خطتكم الانسحاب التدريجي من الشوارع ووقف العنف، كنوع من التخدير للغضب، وتتضمن خطتكم أيضاً مواصلة دفع الرئيس مرسي للقيام بدور «حمامة السلام» مع القوي المعارضة تحت شعار الحوار الوطني، بزعم إبداء حسن النوايا لإمكانية التعديل المستقبلي في الدستور، وتحريك الإدارات والشعب التابعة لتقسيمات الاخوان من الداخل، لتعمل كل مجموعة من هذه الشعب بنشاط وقوة في المناطق التابعة لها بالقري والمحافظات لتهئية الأجواء لحشد التأييد لجماعة الإخوان، مع التركيز أيضاً علي الجانب الديني من تكفير المعارضين خاصة بين الفئات الأمية والفقيرة بمحافظات مصر، بجانب البحث عن تحالفات يمكن استقطابها من صفوف القوي الشعبية والمعارضة، مع محاولة إغرائها بدعمها بالمال في الحملة الانتخابية البرلمانية بصورة سرية، من أجل الحصول علي أكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية، وبذلك تضمنون المزيد من أصوات أعضاء المجلس لإبقاء الدستور علي حاله دون المساس به من خلال هذه التحالفات. لن تخيل علينا مناوراتكم، نحن خارجون للميدان، وثورة حتي النصر لغالبية الشعب ولمصر، وعليكم التعجيل بدفن الدستور لأن إكرام الميت دفنه.