تساءلت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية فى مقال لكاتب سورى يدعى "حسان حسان" من المنطقة الشرقية ويعمل بالإمارات، عن سبب كسب الجهاديين فى سوريا للقلوب والعقول، وقالت المجلة إن الخناق بدأ يضيق على نحو متزايد على الرئيس السوري "بشار الأسد"، وأنه بدأ يدرك ذلك. فبعد أسبوع شهد انتصارا للتحالف الوطني للمعارض، حيث كسب الاعتراف الدولي على نطاق واسع وتزامن ذلك مع أمر وزير الدفاع الامريكي "ليون بانيتا" بإرسال صواريخ باتريوت إلى الحدود بين تركيا وسوريا، قدم النظام في دمشق أول علامة على أنه بدأ يبحث عن مخرج. وفى يوم 17 ديسمبر، نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية مقابلة مع نائب الرئيس السوري "فاروق الشرع"، حيث قال إنه لا النظام ولا المتمردين سيحسمون المواجهة عسكريا ودعا الى "تسوية تاريخية" بين الأطراف المتحاربة، وتزامن ذلك مع كشف إيران، الحليف القوي للأسد، عن خطة من ست نقاط قالت إنها تعزز للمصالحة الوطنية. التسوية السياسية وأشارت المجلة إلى أن هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة سوف تنظر بعين العطف لمرحلة انتقالية عن طريق التفاوض، حيث تواجه واشنطن مشكلة، فهى تبحث عن طريقة لمنع المتطرفين من ملء فراغ السلطة في سوريا، وبالتالى صنفت "جماعة النصرة" الجهادية فى سوريا كمنظمة إرهابية الأسبوع الماضي، ويبدو أن تلك كانت خطوىة فى سبيل التوصل إلى تسوية سياسية. لكن الاتفاق الذي أبرم في دمشق ليس علاجا لكل أمراض سوريا، وحتى لو تم التوصل لاتفاق، فإن معظم جماعات المتمردين قد لا تترك عناصر الجيش السوري يعودون إلى مدنهم. جبهة النصرة فى دير الزور وقالت المجلة إن المنطقة الشرقية المترامية الاطراف فى محافظة "دير الزور"، أكبر منطقة ريفية على الحدود مع العراق، تقدم دراسة حالة لكيفية سعى الجماعات المسلحة - حتى تلك المتطرفة - للعمل على إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة. وفي حالة الجهاديين مثل "جبهة النصرة"، فإن ما يجرى على الارض يقدم بعض التلميحات عن الكيفية التي يمكن أن تدفع بها تلك الجماعة خارج اللعبة. ولذلك يعمل كوادر "جبهة النصرة" من اجل التعايش حاليا مع زعماء القبائل المحلية فى دير الزور، الذين حملوا المسؤولية عن الحفاظ على القانون والنظام في غياب الدولة، ومع ذلك، على المدى الطويل، ليس هناك ما يضمن أن هذه المجموعات تشترك في نفس الأيديولوجية أو المصالح طويلة الأجل. تطورات مهمة واشار الكاتب السورى إلى انه رغم احتدام القتال فى معظم انحاء سوريا، إلا أن الحرب ضد " الاسد" حققت انتصارات كبيرة فى دير الزور، حيث نشأت ( والكلام للكاتب السورى). فى يوم 17 نوفمبر الماضى، اضطرت قوات النظام للخروج من منطقة "أبو كمال"، بالقرب من الحدود العراقية، بعد ان هاجم المتمردون بنجاح قاعدة "حمدان" الجوية، آخر معقل للنظام هناك، كما تجمع المتمردين من مختلف القرى والبلدات واجتاحوا قاعدة للجيش في مدينة "الميادين"، وتم الاستيلاء على مخزونات من المدفعية. ويضيف الكاتب :" الناس تسير الآن فى دير الزور نحو العمل الجاد لوضع الأساس للحكم في المستقبل". التمويل من الخليج وأوضح الكاتب أن "جبهة النصرة" تسيطر حاليا على معظم القطاعات الحيوية في دير الزور، بما في ذلك النفط والغاز والسكر والدقيق، ومصدر تمويلها غير واضح، على الرغم من أنه قيل لي (الكاتب ) من قبل السكان المحليين، أن التمويل يأتى من مواطنين فى الخليج لهم صلات قبلية بسكان المنطقة، بهدف دعم معظم الجماعات التي تقاتل في المحافظة. ووفقا للسكان المحليين، فإن أمراء وقادة المجموعة عادة ما يكونوا من الأجانب، في حين أن الغالبية العظمى من العناصر المقاتلة فى تلك الجماعة من السوريين من أهل المنطقة، حيث انضم كثير من الناس إلى الجبهة بحكم فعاليتها في مكافحة النظام وتقديم الخدمات العامة. واوضح الكاتب أن دير الزور هي في معظمها منطقة زراعية، مع وجود بعض المراكز الحضرية القليلة، قوات النظام تتمركز في معظمها داخل المدن، وبسبب هذا، فإن المتمردين في المحافظة يميلون إلى محاربة النظام من خلال الكر والفر بدلا من المعارك الشاملة والمواجهة المباشرة، حيث يخرج المقاتلون من القرى للانضمام الى المتمردين فى مهاجمة قوات النظام، ومن ثم التراجع إلى ديارهم. وبالتالي يمكن لمجموعة صغيرة من المقاتلين الملتزمين أن يكون لها تأثير ضخم، وكسب الهيبة على نطاق واسع. الجهاديون والخدمات العامة وتعمل "جبهة النصرة" على بناء علاقات مع المجتمعات المحلية، فهى تحافظ على برنامج الإغاثة التي تعمل لكسب القلوب والعقول في أوساط السكان، جنبا إلى جنب مع العمليات العسكرية، كما أن مقاتليها ذوو سمعة احترافية، على الرغم من أن الجيش السوري الحر يميل إلى قبول المتطوعين بصرف النظر عن جدارتهم الشخصية، وينظر إلى كوادر جبهة النصرة على أنها الأكثر انضباطا ومعنية باحتياجات المجتمعات المحلية. ويحكى الكاتب أن أحد السكان الذين تحدث معهم عقد مقارنة حول سلوك مجموعتين من خلال موقفين مختلفين، حيث قال :" أنه عندما استولى مقاتلو الجيش الحر في يوليو الماضى، على مخازن علف حيوانى وأسمدة عضوية في مدينة البوكمال، قام قائد المقاتلين ببيع العلف الحيواني والأسمدة بأسعار زهيدة وتوزيع الأموال بين أفراد جماعته، وفي 22 نوفمبر الماضى عندما استولى المتمردين التابعين لجبهة النصرة على قاعدة للجيش في حي الميادين فى دير الزور، قاموا بتعيين حراسة على المخازن لمنع أعمال النهب وقاموا بتوزيع الغنائم على قدم المساواة في وقت لاحق للجمهور. وبعد سيطرتها على خط الغاز بالقرب من قرية "خوزام" ، وفرت جبهة النصرة ما يكفي من الانتاج لملء اسطوانات الغاز بما يقرب من 3500 اسطوانة يوميا، وحتى وقت قريب، كان السكان في دير الزور ينتظرون لمدة شهر ويدفعون حوالي 4000 ليرة سورية (حوالي 56 دولارا) لملء اسطوانة الغاز، وتحت المراقبة من جبهة النصرة، تراجع السعر الى 400 ليرة سورية، ويمكن ملء اسطوانة الغاز في غضون أيام قليلة. وكانت كفاءة توزيع اسطوانات الغاز للسكان بمثابة نصر كبير على مستوى العلاقات العامة للجبهة. العمل مع زعماء القبائل وقالت المجلة إن المفتاح لاحتواء جبهة النصرة هو العمل مع الزعماء المحليين الذين لديهم القدرة على التأثير على مجتمعاتهم. فسوريا عموما لديها مجتمعات محلية قوية - على أساس القبلية، والعلاقات الدينية والعرقية، أو التجارية - يمكن أن تساعد البلاد على البقاء أوقات الأزمات. وفي شرق سوريا، التي تشكل أكثر من 40 % من البلاد، فإن السكان قبليون إلى حد كبير، مع أقلية كردية. وفي دير الزور، زعماء القبائل هم عادة الذين يعاقبون الذين ينتهكون السلام. وقال أحد زعماء القبائل المؤثرة ان مقاتلى "النصرة" يتصرفون بشكل جيد حتى الان أما التجاوزات والفوضى فسيتم مواجهتها بحزم من جانب القبائل. ويتذكر سكان دير الزور جيدا سلوك الجهاديين في العراق، والخوف من أن المتطرفين في بلادهم يمكن أن ينتقلوا من القتال ضد "الأسد" لفرض أيديولوجيتهم على المنطقة. ويؤكد الزعيم القبلى أنه إذا كان هناك تجاوزات، سوف يتم مطاردتهم حتى اذا لزم الامر تسليح النساء". الهدف الاكبر للجهاديين ويبدو ان سكان دير الزور يبدو يجهلون إلى حد كبير الهدف الرئيسى لجماعات مثل جبهة النصرة ، ويحكمون عليهم بناء على خدماتهم وسلوكهم. الا ان إعادة إدماج المنشقين من الجيش في الجيش سيساعد في الحد من قوة المتطرفين، لأن المنشقين عادة ما يكونوا أكثر اعتدالا من المدنيين الذين انضموا إلى التمرد ، وأيضا لديهم خبرة القتال الى جانب الميليشيات المتطرفة، التي أعطت لهم الإلمام بتكتيكاتهم والأهداف. وقال أحد المنشقين العسكريين انهم كانوا ينسقون مع جبهة النصرة "من بعيد" ويقدرون فعاليتها، ولكنه وصف حكمها باعتباره "العدالة الغاشمة". المجالس المحلية وأخيرا، ينبغي أن تكون المجالس المحلية الحاكمة هى التي تقدم خدمات للسكان المحليين - وليس جبهة النصرة، ويجب أن تؤسس هذه المجالس على أساس توافق الآراء المجتمعية، التي أصبحت ممكنة من خلال التنسيق مع الزعماء المحليين. وفي "بو كمال"، على سبيل المثال، توفر المجالس المحلية الأدوية والاحتياجات المدرسية للطلاب، وبيع النفط ودفع رواتب للمعلمين - ونتيجة لذلك، أعيد فتح العديد من المدارس في القرى والبلدات من هذا الشهر، كما تم أيضا التأكد من استخدام الموارد الشحيحة بكفاءة، وبذلك تم خفض أسعار المواد الغذائية والوقود. واذا كان نظام "الأسد"ينهار، فإنه يجب التركيز فى السياسة السورية حاليا على المحليين، وإذا كان العالم يريد للتأكد من أن البلاد ليست أرضا خصبة للمتطرفين أو دكتاتورية أخرى، ينبغي الوصول إلى القادة المحليين لتحديد الأحداث على أرض الواقع ، لأن النصر في سوريا لا يعني فقط كسب المعركة في دمشق، ولكنه يعني إقامة الحكم الرشيد في مئات المدن والبلدات، مثل دير الزور.