قال لي صديق لا يؤمن بثورة 25 يناير: سأراكم في شارع عبدالعزيز آل سعود لابسين بيچامات وشباشب وشعركم منكوش .. وأنا أركب سيارة فخمة وأترككم وأرحل! ذهبت إليه في الموعد المحدد, ضربت جرس الباب ففتح لي بنفس قائلا: «أهلا اتفضل»، في بداية الحوار كان داخلي إحساس بعدم السعادة, فلم يكن فتحي عبدالوهاب الذي أراه الآن كالصورة التي رسمتها له في خيالي. كان الهدوء والغموض والكلمات القليلة هي السمة المسيطرة علي اللحظات الاولي لهذا اللقاء. لم أكتشفه إلا في اللحظات الأخيرة من الحوار, كنت في البداية معتقدا أنه شخص «معقد» يحاول أن يرسم لنفسه دورا غير دوره لكي يؤديه أمامي إلا أنني عرفت أنني كنت مخطئا تماما. لم أستطع أن أحدد ملامح شخصية فتحي عبدالوهاب إلا بعد أكثر من ساعة من لقائى معه, فهو ذو ثقافة عميقة ويتمتع بأدب شديد, خجول, الي درجة تجعله لا يجيد التعامل سريعا مع من لا يعرفهم. كان جالسا علي كنبته السوداء واضعا قدما علي قدم منتظرا أسلئي فقلت له: كان لك موقف سياسي واضح منذ البداية في نظام مبارك فهل تغير؟ - موقفي السياسي لم و لن يتغير لأنني لم أكونه بناء علي عداوة أو خصومة شخصية مع مبارك او نظامه إنما كونته بناء علي مطالب شعبية أؤمن بها. هل تحققت تلك المطالب بعد رحيل مبارك؟ - هذه المطالب لم تتحقق حتي الآن وأري أننا لا نستطيع أن نفكر في تنمية اجتماعية أو اقتصادية أو أي شىء إلا بعد تحقيق هذه المطالب... فما شاهدناه من مبارك هو ما شاهدناه من العسكر هو ما نراه الآن من الإخوان، أين مطالب الثورة التي خرج من أجلها الملايين.. أين مطالب الثورة التي مات من أجلها مئات الشباب!! لم تشعر بالندم إطلاقا علي مواقفك السياسية؟ - رد منفعلا: -إطلاقا, إطلاقا, إطلاقا وأخذ يعيد هذه الكلمة عدة مرات وكأنه يفكر فيما سيقوله بعدها, ثم أكمل: «مفيش الكلام ده أبدا» نحن اليوم نجني ثمار ما يقرب من أربعين عاما من الفساد والفشل, لذلك ما نحن فيه الآن هو أمر طبيعي وثمار تلك السنوات الطويلة وأي حد يقولك نادم أو ما شابه ذلك فهو لم يكن لديه قضية منذ البداية. هل تعتقد أن النظام السابق مازال يعبث بالمجتمع المصري؟ - هنا وقف ببطء وهو يفكر في الإجابة ثم توجه الي مكتبه وأشعل سيجارة وقال: لو كنت تقصد الكلام الذي يقال كثيرا من البعض بأنه مازال هناك رجال أعمال ينفقون الملايين من أجل إعادة النظام السابق فهذا من وجهة نظري كلام فارغ ولا أوافق عليه, فلا أعتقد ان هناك من يهدر طاقته وماله لإعادة مبارك او نظامه ,فمبارك «خلاص» انتهي والزمن قد تخطاه و هو الآن رجل سجين يدفع ثمن ما فعل بالشعب المصري علي مدار 30 عاما. وأكمل قائلا: ثم إنه لا يوجد نظام قديم أصلا... فلو كان هناك نظام قديم ما كان سقط في 18 يوما.. نحن ندفع سلبيات العصر دون تدخل من النظام القديم, فهناك تراكمات طويلة سنظل ندفع ثمنها طويلا و لكن لا احد يعلم إلي متي.. كيف تري المشهد السياسي الآن؟ - أجاب سريعا بلا تفكير: أري أنها خناقة لا فائز فيها ولا مهزوم ولا حل لها إلا أن يبدأ الجميع في ترك ملابس الآخر والجلوس معه من أجل الحوار وإلا سيخسر الجميع. هل تري أن الوطن قد خطف؟ -محدش يقدر يخطف مصر.. كل هذا مجرد وهم وجهل.. من يستطيع أن يخطف مصر؟ ألا تري أنها خطفت و لو بشكل مؤقت؟ - ما يحدث الآن ليس من اختراع مصر إنما هو شيء متعارف عليه في كل مكان بعد الثورات والتي يأتي بعدها دائما أكثر فصيل انتهازية. أصبح الانقسام في كل بيت فهل وصل داخل الوسط الفني؟ - جاء رده وكأنه هروب أو عدم رغبة في الحديث عن أي انقسامات داخل أسرته الفنية والتي شعرت ان غيرته عليها تفوق العقل، البلد دي مش هتهدي إلا لما نوصل لأهداف الثورة و يجب علي التيار الحاكم الآن أن يفهم ذلك. قرأت لك دعابة في صفحتك علي «تويتر» أن هناك الكثيرين من الذين اتصلوا بك للحصول علي رقم «برايز» وهو شخصية اشتهرت في فيلمك «فيلم ثقافي» فماذا كنت تقصد بهذه الدعابة؟ - أجاب ضاحكا: كما قلت أنت هذه دعابة قلتها بعد أن طالب أحد نواب مجلس الشعب المنحل بغلق المواقع الإباحية, لان المشكلة ليست في المواقع الإباحية إنما العيب كما قال محمد أمين في الفيلم «العيب في النظام يا كاوركات»... أنت أعلنت أنك تريد بعد وفاتك التبرع بقرنية عينيك لأحد مصابي الثورة فما المغزي من هذا التصريح؟ - الهدف من هذه الفكرة هو فتح هذا الباب في مصر، فهناك الملايين الذين يحتاجون تقنين هذا الأمر خاصة أن علماء الأزهر أفتوا بعدم حرمانيته مادام عن طريق التبرع. وهنا توقف قليلا عن الحديث وبدأ يقرأ شريط الأخبار الذي يمر أسفل شاشة التليفزيون، الذي كان مفتوحا منذ بداية الحوار بدون صوت, حيث كان يتابع أحداث الاستفتاء علي الدستور وسألني «هما هيمدوا الاستفتاء»؟ فأجبت: نعم, حتي الحادية عشرة فبدا وكأنه يتحدث إلي نفسه: نفس الفكرة «شفيق» و لا «مرسي».. نفس الاختيار.. النار أو الرمضاء. سألته ماذا تقصد؟ فأجاب منفعلا: - لو قلنا نعم فنحن نرسخ لدولة استبداد جديدة و لو قلنا لا سنصبح لا نريد استقرارا و أكمل: هم دائما يخيروننا ما بين السيئ و الأسوأ, ما بين البلوي والبلوي الاخري.. دانت مش سايبلي اختيار بقي.. المفروض تخيرني بين «اللحمة» و «الفراخ» ولكنك تخيرني ما بين « الطوب» و«الزلط». سألته مقاطعاً لحديثة هل تري أن المؤمنين بالثورة قد يصابو باكتئاب؟ - قال لي صديق من الذين لا يؤمنون بما يحدث منذ 25 يناير حتي الآن سيأتي يوم اراك فيه انت واللي زيك لابسين بيچامات وشباشب بصباع وماشيين في شارع عبدالعزيز آل سعود شعركم منكوش وملابسكم قذرة بينما أنا أركب سيارة فخمة أنظر إليكم من خلف زجاجها من فوق لتحت ثم أترككم وارحل.. وأكمل في صوت مخنوق بالدموع: أنا بقول له أن هذه الثورة لن يكن لها دراويش لأن من شارك فيها قد تعرض لأشياء تحصنه من ذلك لأنه رأي الحقيقة الوحيدة حتي الآن بعينيه وهي الشهداء ودمهم. من رأي الحقيقة ورأي الموت بعينيه ولمس الدم المصري الذي كان يسيل في شوارع مصر مستحيل أن يصبح من الدراويش. داحنا شوفنا الدم ولمسناه, شوفنا الولاد والبنات بتموت فكيف نصبح دراويش؟! لماذا نزلت إلي الميادين أثناء الثورة.. هل كنت في احتياج لثورة لكي تعيش حياة كريمة؟ - ما استحق الحياة من عاش لنفسه فقط.... أنت مش عايش لوحدك في المجتمع.. كيف نعيش سعداء و نحن نري الأب يحمل ابنه الرضيع و يبحث له عن الطعام داخل صناديق «الزبالة»!! ده حتي عار علينا وعلي إنسانيتنا.. دي إهانة لنا جميعا. و أكمل : إلي متي سنظل نري دائما في التليفزيون إعلانات التبرعات.. اكفل يتيما.. اكفل طفلا ثم اكفل قرية كاملة, قرية كاملة لا يوجد بها ماء ولا كهرباء ولا طعام «ربنا ما قالش كده أبدا». ده ظلم وكفالة القرية ليست دور الأفراد وإنما دور الدولة.. كفانا نقول ما شربتش من نيلها وجربت تغنيلها وكفانا نغني ما تقولش إيه أديتنا مصر... لأننا نريد ان نسأل ماذا أعطت لنا مصر.. هل تري أن الفنان المصري خذل الجمهور منذ اندلاع الثورة؟ هل كشفت الثورة وجها قبيحا للفنان الذي ظهر وكأنه يبحث عن مصالحه الشخصية فقط ولا يلتفت إلي الآخرين؟ - هذا الكلام غير صحيح ولكن هذه الفكرة تم ترسيخها أيام السادات في الأفلام السينمائية حيث تم ربط الفنان أو المثقف بالشيوعية والرائحة الكريهة والتخلي عن المبادئ بحيث إنه من الممكن أن يتنازل عن كل مبادئه مقابل جنيه, لقد أظهرت السينما في عصر السادات الفنان علي أنه إنسان أناني, انتهازي وكأنها كانت سخرية متعمدة من الفنان والمثقف المصري.. كيف تقول ذلك ويقال إن السادات كان يعشق السينما ويرعاها؟ - هذا الكلام غير حقيقي وحكاية راعي الفن والفنانين والكلام الفارغ ده عشان الكاميرات والتصوير وبس, أما الحقيقة فغير ذلك تماما... وهنا أمسكت الكاميرا وبدأت تصويره فتوقف عن الحوار وسألني أنت تصور فيديو ولا عادي؟ فقلت له فيديو, فطلب مني أن أتوقف فورا وشعرت أنه ارتبك وغضب فسألته: هل تكره التصوير؟ فجاءت إجابته مفاجئة وهي انه لا يحب التصوير! خرجت عن سياق الحوار قليلا وقلت له: إنني فوجئت بشخصيته الغريبة والتي لم اكن أتخيلها بهذا الشكل وقلت له أنت بعيد تماما عن الذي نراك فيه من خلال شاشة السينما. - فأجاب سريعا: هناك تراكمات تتكون بناء عليها صورة لدي المشاهد من خلال الشخصيات التي يري فيها الممثل في السينما أو التليفزيون ولكن أريد أن أؤكد لك أنه منذ فيلمي الأول «سارق الفرح» مع داود عبد السيد عام 1997 إلي الآن لا يوجد شخصية واحدة قمت بها تمثل أكثر من 5٪ من شخصيتي الحقيقية. عدت به إلي سؤالي عن موقف الفنانين من الثورة, فقد أحسست أن إجابته لم تكن واضحة فسألته من جديد: هل الفنان المصري خذل جمهوره؟ - أجاب بشكل مباشر: يجب أن تعرف أن الفنان بطبعه طيب, يتخوف جدا علي مهنته, لأن مهنتنا من أكثر الصناعات هشاشة وبها الآلاف من الذين يأكلون من ورائها وأنا أري أن تضارب التصاريح في الإعلام في هذه الفترة كان وراء إخفاق البعض في آرائه و هذا ليس دفاعا عن أحد.. وأكمل: لا نستطيع ان نحاسب أحدا علي رعبه وخوفه.. لماذا لا نفترض أن هذا الرعب كان حقيقيا، فالكل يحب هذه البلد ولكن علي طريقته. أنت قلت منذ فترة إن زمن النجم الواحد انتهي.. ماذا تقصد؟ - نعم هذا صحيح وقد أثبتت الأيام كلامي, فزمن الزعامات انتهي في كل شىء والسينما لا تنفصل عن الواقع, فالكاتب يستلهم ما يكتبه من الواقع. وأكمل: النجم الذي كان يظهر في فيلمه يضرب عشرة رجال دون أن تهتز له شعرة واحدة أصبح من غير المتصور أن يفعل هذا الآن. ألم تفكر في فيلم عن الثورة؟ - لا... لأنها لم تنته ولا توجد رؤية واضحة لما يحدث حتي الآن فلكي يكتب أحد عن الثورة عليه ان يعرف أولا كل الامور الخفية وراءها وهذا ما لم يحدث حتي الآن. هل لديك مشكلة مع صعود الإسلاميين إلي الحكم؟ - لا... ماداموا جاءوا بإرادة شعبية, لكنني لدي مشكلة في استمرارهم. من أكثر الشخصيات السياسية التي تنال احترام عندك؟ - بلا شك البرادعي. لماذا؟ -لأنه ثابت علي موقفه منذ أول ظهور له ومواقفه تلائم مواقفي, فأنا أري أنه سياسي من الطراز الأول بل أراه شخصا ملهما, ملهما في أفكاره, ملهما في صراحته, ملهما في شفافيته.. وهنا بدأت ألملم أوراقي فسألني: ماذا تفعل؟ - فأجبت انني انتهيت من حواري، فتعجب قائلا: بسرعة كده؟ الحوار ممتع وجعلني أتحدث وأخرج ما بداخلي. بطاقة شخصية ولد فتحي عبدالوهاب مرسي سليمان يوم 21 أغسطس 1971 لأسرة متوسطة الحال في القاهرة، حصل علي بكالوريوس التجارة ودبلومة تذوق فني من أكاديمية الفنون. كما حصل علي ليسانس الآداب في التمثيل والإخراج من قسم المسرح، وهو متزوج ولديه ابن يدعي عمر. بدأ مسيرته الفنية وهو لايزال طالبا في كلية التجارة حيث اتخذ من التمثيل هواية له وعندما وصل للسنة النهاية بالكلية ذهب أحد أصدقائه وقدم أوراقهما الي لينين الرملي ومحمد صبحي وبالفعل نجح في اختبار التمثيل لينطلق نحو مسيرته الفني كممثل محترف من خلال مسرحية «بالعربي الفصيح» التي عرضت ثلاثة مواسم متتالية. لم يسع فتحي مطلقا الي أدوار البطولة كالعديد من شباب جيله، ولكن موهبته الفنية فرضت نفسها بقوة علي الساحة فتوالي تقديمه للأدوار المختلفة والمتنوعة بالسينما والتليفزيون والمسرح ومن أبرز أعماله السينمائية «عصافير النيل - زهايمر - عزبة آدم - خلطة فوزية - البلياتشو - قص ولصق - أحلام حقيقية - عودة الندلة - سهر الليالي - كباريه». كما قدم عددا من الأعمال التليفزيونية المتميزة منها «كليوباترا - سنوات الحب والملح - هيما - أيام الضحك والدموع - عائلة مجنونة جدا - قلب حبيبة - ريا وسكينة - والدم والنار - الناس في كفر عسكر - أميرة في عابدين - حلقت الطيور» الي جانب مسرحيات «النافذة - اللي بني مصر - هاملت - الحب والغضب - أبناء وملاعيب». نال فتحي عبدالوهاب خلال مشواره الفني العديد من الجوائز حيث حصل علي جائزة التميز من مهرجان الإسكندرية السينمائي وجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «خلطة فوزية» من المهرجان الدولي الثالث لفيلم المرأة بالإضافة الي جائزة أحسن ممثل عن فيلم «عصافير النيل» من مهرجان القاهرة السينمائي.