المصائب التي نعيشها الآن والفرقة والانقسام والتشرذم للأمة المصرية، والاختلاف حول أبجديات العمل الديمقراطي، هي المطلوب لمصر في هذا التوقيت بالذات من أعداء الأمة الذين يتربصون لها كل الدوائر.. ما يحدث الآن من كوارث في مصر هو الهدف المنشود الذي تسعي إليه الصهيونية العالمية، لمنع التحول الديمقراطي بالبلاد وبالتالي منع وصول مصر إلي بر الأمان والاستقرار المنشود، وكل المظاهر الواقعة بالفعل هي ما كانت تسعي إليه الدول الغربية والصهيونية العالمية، وتشرذم التيار الديني المتأسلم وفرقه المختلفة تقدم خدمة جليلة علي طبق من ذهب إلي أعداء مصر.. والتسلط الذي تقوم به هذه التيارات والمظاهر العلنية لافعالهم وتصرفاتهم تنذر بنذير شؤم علي البلاد.. فبدلاً من اتحاد الأمة وترابطها والعمل علي توحيد الكلمة، ولم الشمل، تخرج علينا كل فرقة دينية بأفعال وتصرفات لا يرضي بها دين ولا خلق.. الصراعات العنيفة التي تحدث والحصار الذي تفرضه الجماعات الدينية علي مفاصل الدولة بزعم حماية الشرعية والشريعة، هما الكارثة بعينها، بل هما المصيبة الأعظم التي تواجه مصر، ولو استمر الحال علي هذه الشاكلة فعلي الدنيا السلام، ويرحم الله مصر وثورتها وطموحاتها في أن تعود إليها ريادتها بالمنطقة وتتبوأ مكانتها التي نحلم بها.. المصريون الذين قاموا بأعظم ثورة في التاريخ الحديث وخلعوا نظاماً كان من المستحيل زحزحته عن حكم البلاد، تسود بينهم الان الفرقة ويقودها مع عظيم الاسف وشديد الأسي التيار الديني.. فلمصلحة من هذا كله؟ ومن المستفيد من هذه التصرفات الحمقاء؟!.. لا إجابة عن ذلك سوي أن اسرائيل والصهيونية العالمية هما المستفيد الأول والأخير من هذه الفرقة وهذا التناحر الذي بات علنياً في شوارع وميادين مصر، بل إن المنزل الواحد الذي يضم أسرة واحدة تفرق شمل أفرادها بسبب هذا الخلاف، ولن أقول إنه خلاف سياسي، بل هو بالدرجة الأولي خلاف أصيل بين التيارات الدينية.. فكل تيار له منهجية تتناقض مع الآخر. مثلاً في الوقت الذي تنادي فيه القوي الدينية باحترام الأمة المصرية ولابد أن يكون الدستور معبراً عن جميع طوائف الشعب، نسمع أصواتاً أشبه بأصوات الجاهلية الأولي عندما يقول من يسمون أنفسهم الجهاديين السلفيين أنهم سيستخدمون كل وسائل العنف علي حد قولهم من أجل الحفاظ علي الشريعة، بل وسمعنا شعارات وهتافات شاذة، عندما يردد أصحابها نحن حماة الاسلام، وآخرون يقولون أن المجتمع المسلم يشبه جاهلية قريش وإن هؤلاء أرسلهم الله لاعادة فتح البلاد!!.. ولا يعرف المرء بماذا يرد علي هؤلاء الذين غابت عقولهم وحصلوا من أمور الدين القشور، ولم يقرأوا كتب الأصول والتفاسير والفقه وأصول الشريعة وغيرها.. وكأن هؤلاء أصبحوا أوصياء علي البشر، في حين أن الله سبحانه العلي القدير يقول: «ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمعتدين»، «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».. والله نزل هذا علي الرسول «ص» ليخاطب به أهل الجاهلية الحقيقية لا المسلمين. الذي يفعله هؤلاء وأفسدوا به المجتمع المصري وعطلوا مؤسساته وحاصروا وسائل إعلامه بالميليشيات، ويصرون علي دستور مشوه، ويؤصلون لولاية الفقيه، إنما يقدمون خدمات جليلة للصهيونية.. إغفال هؤلاء ومزاعمهم بشأن الشريعة الاسلامية وتطبيقها يذكراني بالعروس التي اشترت فقط تاجاً من فستان الزفاف ولم تشتر الفستان أصلاً ولا حتي العريس موجود في الاساس بمعني أن هؤلاء يتأسدون علي أهلهم وإخوانهم في الداخل ويثيرون الفتن والقلاقل، ولا يفعلون ذلك مع أعداء الأمة المصرية والعربية والاسلامية، وبذلك يخدمون مصالح الغرب والمتربصين بمصر خدمات جليلة سواء عن قصد أو بدون قصد. من هذا الأساس فإنهم يضحكون علي أنفسهم وعلنياً، وبدلاً من إعداد القوة لمواجهة أعداء الأمة ينفذون لهم ما يرمون إليه من خلافات وتناحر وصل إلي حد الاشتباك، والله يدعونا لأن نعد للأعداء القوة، وهؤلاء يقدمون التناحر والخلاف والتشرذم وهدم الدولة من أساسها.. الآن تعطلت كل وسائل الانتاج ورحنا نتسول من هؤلاء اللئام ما يسد الشعب به رمقه، وزدنا علي ذلك ان هؤلاء يفعلون بالأمة المصرية ما لم يجرؤ الاعداء أنفسهم علي فعله.. فهل هذه هي مصر التي كنا نحلم بها بعد الثورة العظيمة؟!.. هل هذه هي مصر التي نحلم أن تكون دولة حديثة وديمقراطية تعبر إلي بر الأمان وتستعيد ريادتها كما كانت؟!.. فهل هذه مصر التي وحدها الفرعون مينا منذ سبعة آلاف سنة، ويخرج بها اليوم فريقان الأول يزعم أنه يدافع عن الشريعة، والثاني يواجه الاستبداد والمتاجرة بأسم الدين؟!.. هل هذه هي مصر التي تستعد لأن تقود الأمة العربية وتقف في وجه الصهيونية؟!