في إطار عملية «سلق الدستور» كانت قضايا إحالة المدنيين إلي المحاكم العسكرية وحرية الصحافة ضمن المواد التي هبطت «بالباراشوت» علي مسودة الدستور. ولم يتم مناقشة هاتين المادتين بشكلهما اللذين صدرتا بهما في اللجان النوعية وفوجئ أعضاء التأسيسية بهاتين المادتين حين التصويت عليهم والذي لم يستغرق أكثر من 5 دقائق، وتمت الموافقة عليهما ضمن المواد التي تم تفصيلها لتكبيل حرية الصحافة وغلق الصحف وتهديد الإعلاميين ضمن سياسة تكميم الأفواه لكافة المعارضين أو من يفكر في نقد هذا التيار الذي هيمن علي تشكيل التأسيسية ويريد أن يحول الدولة إلي عزبة، وبالنسبة لقضية إحالة المدنيين إلي المحاكم العسكرية فإنها المرة الأولي التي يتم وضع بند خاص بها في الدستور، وقد جاءت، وحسب رأي الكثير، لإرضاء العسكريين وهذا ما وضح من المواد المتعلقة بالقضاء العسكري. وتسود حالة من الإستياء والغضب الشديدين تسيطر علي فئات عديدة بسبب ما تضمنته مسودة الدستور من عوار شديد وتعسف وتكميم للأفواة وسيطرة علي كل مفاصل الدولة، بدءاً من المواد الخاصة بحرية الرأي والتعبير وإصدار الصحف، فالمواد (48 و49) التي تحمل في طياتها الكثير من الكلمات المطاطة التي تقيد حرية الرأي والتعبير ؛ علي الرغم من أن حرية الصحافة والإعلام تحتاج منظومة متكاملة من المقومات الاساسية لنجاحها وإذا غاب أحد عناصر هذه المنظومة أصبحت مهددة بالانهيار وهذه المنظومة تتمثل في حرية الحصول علي المعلومات وتداولها وحق الأفراد والجماعات فى إصدار الصحف والوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية وتيسير وسائل الاتصال المختلفة وحرية التنظيم المهنى والنقابى للعاملين فى الصحافة والإعلام، ووجود ضمانات دستورية وقانونية ومؤسسية لحماية حرية التعبير عن الرأى من ترصد وعنت وتجاوزات الحكومات وأصحاب المصالح وسطوة رأس المال؛ وانتهاء بالمواد الخاصة بإحالة المدنيين للمحاكم العسكرية في جرائم لم يحددها الدستور وذلك لأول مرة وبشكل صريح ينص الدستور علي هذه المواد الموجودة في الفصل الخاص بالقضاء العسكري أرقام (198 و199).. «الوفد» استطلعت آراء أصحاب الشأن في هذه القضايا الهامة .. الدكتور حسن عماد مكاوي - وكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة ؛ أكد أنه غير راض عن معظم ما ورد في باب حرية الصحافة بمسودة الدستور الجديد؛ حيث إنها تحمل الكثير من العبارات المطاطة التي تحتمل تأويلات عديدة؛ كما أنه لا يوجد ضمانات كافية فيما يتعلق بحرية وسائل الإعلام سواء بالنسبة للوسائل المقروءة (الصحافة) أو الوسائل المسموعة والمرئية. مضيفاً أن ما أثير بشأن غلق الصحف أو مصادرتها عن طريق أحكام قضائية يبدو ظاهرياً أنه جذاب وجيد؛ بينما هو للأسف الشديد يعد تجولاً علي حرية التعبير وحرية الصحافة لأنه يمكن للقضاء وضع قواعد تتحكم في وجود الصحف بوقفها أو إغلاقها وذلك بشكل قضائي. وحيد الأقصري – رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي؛ أكد أن المادة (49) تدل علي الاستبداد الفكري في عملية عدم السماح بحرية الرأي والتعبير خاصة بالنسبة لإنشاء المحطات الإذاعية والتليفزيونية لأن تلك الوسائل ستكون بموجب قانون سيتم تشريعه من خلال مجلس النواب والشوري لأن بحكم الواقع ستكون الأغلبية للتيار الإسلامي وهو الأمر الذي يؤدي إلي تقويض حرية الإعلام في هذه الوسائل؛ وهو ما حدث فعلاً في السابق مع قناة دريم وقناة الفراعين بما يؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين ومعها التيار السلفي لن يسمحوا بمهاجمتهم بعد وضع هذا الدستور وأنهم سيتخذون من المكايدة والإرهاب والقمع الفكري وسيلة لطمس معالم حرية الرأي والتعبير؛ وهي سياسة جماعة الأخوان المسلمين مع الإعلام التي كانت واضحاً تماماً منذ اللحظة الأولي، ولا يمكن لنا أن ننسي ما رأيناه سابقاً من وجود لافتة بصور لكبار الإعلاميين مكتوب عليها بما لا يليق بالدعوة الإسلامية أو برجال الإعلام أوالقيم المصرية الأصيلة. مضيفاً إلي أن المادة السابق ذكرها ستستغل لتكميم أفواه الإعلاميين وستستغل أيضاً لغلق القنوات التي ستعمل علي معارضة هذه الجماعة. وأضاف «الأقصري» أن هذا الدستور ولد ميتاً وإكرام الميت دفنه لو كانوا يفقهون.. الدكتور أحمد يحيي – استاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة قناة السويس؛ قال: إنه يجب إبعاد الصحافة عن الأغراض السياسية التي تتغير وتتبدل وفق هوي ومصالح قادة المجتمع الذين تتبدل آراؤهم وأفكارهم من وقت لآخر؛ ومن هنا جاء الدستور لكي يحمل في طياته تهديداً غير مباشر للصحفيين بغلق الصحيفة في حالة مخالفتهم القانونية وذلك بترك القضاء لتحديد هذا الإجراء؛ رغم أنه من المعروف أن يحاسب الكاتب الصحفي أو رئيس التحرير أو مجلس الإدارة علي أي خطأ مهني فيما ينشر ولا يجوز أن يشمل العقاب كل من في الجريدة بإغلاقها. وأوضح الدكتور «يحيي» أن أهل المهنة هم أقدر الناس فهماً بخباياها وقد بعثوا بهذه الآراء في سبع نقاط إلي اللجنة التأسيسية وأهمها هو أنه يحظر غلق أو مصادرة أي صحيفة مهما كانت الأسباب؛ لكنهم للأسف الشديد لم يأخذوا بهذه النقاط. ووجه للقائمين علي وضع مسودة الدستور رسالة واضحة حول هذا الشأن.. قائلاً: الرجوع إلي الحق فضيلة وأهل مكة أعلم بشعابها ولا يجوز صدور دستور يحمل في طياته عقاباً جماعياً نتيجة خطأ فردي؛ فالأمر يحتاج إلي إعادة نظر بشكل أو بآخر. إما فيما يتعلق بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية فيطالب اللواء محمد عادل العبودي – مساعد وزير الداخلية الأسبق؛ القائمين علي إعداد مسودة الدستور بإعداد ما يسمي بالمذكرات التفسيرية التي توضح أو تحدد ما هي الجرائم التي يحددها القانون العسكري فيما يخص بالتعدي علي أفراد القوات المسلحة وإزالة الجزء المنصوص عليه في المادة «198» وتحديداً مقولة «غير قابلين للعزل» لأننا لم نر ضابطاً عزل من قبل فإما أن تنتهي خدمته أو ينقل إلي مكان آخر.. ومن الخطأ هنا أن يتدخل رئيس الدولة في ترأس تلك الجهتين العسكرية والقضائية ومن ثم يتحكم في تشكيلهما. موضحاً أن أي تعد يحدث علي ضابط القوات المسلحة داخل الثكنات أو المنشآت العسكرية يحال المتعدي عليه إلي المحكمة العسكرية لكونه له حصانة كاملة وذلك منصوص عليه طبقاً للقانون العسكري؛ بينما إذا صدر عن ضابط الجيش خطأ أو فعل ما داخل منشآت القوات المسلحة ولم يشكل في جوهره جريمة جنائية فيحال الضابط إلي المحاكمة العسكرية ويخضع لمجلس تأديب للجهة التي يتبع لها ؛ لكنه يعامل كمواطن عادي ويكون له جميع الحقوق التي تمنح للمواطن العادي ولا حصانة له وذلك إذا صدر عنه أي مشاغبات في الطريق العام ويحاكم هنا أمام المحاكم القضائية. وأضاف اللواء «العبودي» أنه فيما يتعلق بجهاز الشرطة هناك العديد من الجرائم التي ترتكب داخل جهاز الشرطة في الوزارات ومنشآتها وتكون في مجملها أعمالاً غير سليمة كشبه شائبة مثل إساءة استعمال سلطته في سب رئيسه أوضرب عسكرياً.. إلخ؛ وتكون هنا المخالفات إجرائية ويحال أفراد الشرطة للتحقيق في الجرائم التي يرتكبونها إلي المحاكم العادية أو المدنية وأحياناً ما يطلب الضابط المخالف للقانون أن تتولي هيئة القضاء العسكري الدفاع عنه بدلاً من المحامين المدنيين ومن الممكن أن يقضي ضابط الشرطة فترة الحبس الاحتياطي في إحدي الثكنات التابعة للشرطة لحين الانتهاء مدة هذا الحبس السابق ذكره ويسلم بعدها للنيابة العامة لإجراء اللازم بشأنه. الدكتور صفوت جرجس – مدير مركز حقوق الإنسان؛ أكد أنه غير راض علي هذه المواد المنصوص عليها في القضاء العسكري أرقام (198 و199) فهي تحمل كلمات فضفاضة وغير محددة قانونياً ؛ كما أنها تفتقد للمعايير التي علي أساسها يمكن أن تطبق علي الأشخاص العاديين لعدم ذكرها لهذه الجرائم. ويضيف «جرجس» أن تلك المواد تعتبر بدائل يمكن عن طريقها أن تحل محل قانون الطوارئ بما يتضمنه من إجراءات تعسفية ومهينة للبشر؛ وهم يتركونها في الدستور الحالي الباطل بغرض تفصيلها علي الأشحاص الذين يرون لهم ذلك .. ولكننا نطالب بأن تجري محاكمة أي شخص يحمل الجنسية المصرية أمام القاضي الطبيعي وهو مطلب نادت به كافة القوي الوطنية والثورية منذ وقت ثورة 25 يناير وحتي الآن؛ فالدستور الحالي مفصل وباطل وتمتلئ مواده بالكثير من العوار التي لا تتناسب مع مبادئ الديمقراطية أو المدنية الحديثة؛ وكنا نتمني أن يحقق الدستور مطالب الشعب المصري والنص علي حرية النقابات والهيئات والمؤسسات العاملة في مختلف المجالات. المستشار محمد البغدادي رئيس محكمة شمال القاهرة يقول: تعليقا علي شرعية الاستفتاء علي الدستور في ظل امتناع القضاة عن الإشراف عليه، أن الإعلان الدستوري الصادر في 19 مارس 2011 ينص علي إجراء الاستفتاء خلال يوم واحد فقط وفي وجود الإشراف القضائي الكامل عليه. وأضاف البغدادي لن يكون هناك استفتاء، فعدد كبير من رجال القضاء العادي يؤيدون قرار نادي القضاة الصادر قبل يومين بالامتناع عن الإشراف علي الاستفتاء، مشيراً إلي أنه في حال إشراف أي جهة أخري غير الهيئات القضائية علي الاستفتاء سيصبح باطلاً. وأضاف هناك تناقض غريب في موقف المستشار حسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، موضحاً أن الغرياني طالب بإعادة الانتخابات في دائرة زكريا عزمي لإشراف هيئة قضايا الدولة علي الانتخابات واليوم يطالبهم بالإشراف علي الانتخابات. ويتساءل البغدادي كيف يثق الشعب في استفتاء دون إشراف قضائي علي الرغم من أن مصر عانت طويلا في ظل عدم إشراف القضاة علي انتخابات واستفتاءات النظام السابق. المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة قال خلال اجتماع نادى القضاه الأخير إن امتناع القضاة عن الإشراف علي الاستفتاء يأتى تعبيراً عن موقف القضاة في الدفاع عن دولة القانون وردها العدوان الواقع علي السلطة القضائية، مضيفا، أن المستشار حسام الغرياني قال إن من حق القضاة أن يعلنوا للعالم أجمع غضبهم إذا اعتدى عليهم أحدا وأضاف الزند وإن من يخون الأمانة التي يحملها من القضاة أو يتلاعب بنتائج الانتخابات أن يشطب من عضوية النادي، ولا يجامله القضاة في أي شيء ولا يصافحونه. المستشار عمرو جمعة نائب رئيس مجلس الدولة يري ان مفهوم الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات أو الاستفتاءات مفهوم غير دقيق في الواقع لان النص الذي أورده الاعلان الدستوري الصادر في30 من مارس2011 جعل عمليات الاقتراع و الفرز فيما يتعلق بالانتخاب أو الاستفتاء تجري تحت إشراف القضاة وأعضاء من هيئات قضائية ترشحهم مجالسهم العليا مع ان ذات المادة قررت ان تتولي لجنة عليا ذات تشكيل قضائي كامل الاشراف علي الانتخاب أو الاستفتاء لذلك جاء التغاير الذي أراده المشرع الدستوري في التفرقة بين كون اللجنة العليا جميعها من القضاة واللجان الفرعية أضاف اليهم أعضاء من هيئات قضائية. ويقول جمعة إن فكرة امتناع القضاة عن الاشراف القضائي علي الاستفتاء الدستوري القادم هي قرار يجب أن يتوافق حوله أندية القضاء ويتم تصعيد الأمر علي مستوي الجمعيات العمومية للمحاكم حتي يكون قرارا رسميا بأي الخيارين بدلا من الاكتفاء بتوصيات الأندية القضائية، ويجب ان تلتزم بهذا القرار هيئة قضايا الدولة وهيئة النيابة الإدارية حرصا علي توحيد الصفوف، وأري ان الأمر كله يجب ان يبرز مدي توافق المجالس العليا للقضاء مع الرغبات الملحة لنسبة غير قليلة من القضاة في رفضهم الإشراف علي الدستور. وأضاف جمعة ان كل ما أدي إلي ذلك الاحتقان بين القضاة هو القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس مرسي وأطلق عليه ومن حوله بالاعلان الدستوري, ولا يجوز مطلقا في مسألة الاستفتاء طبقا للاعلان الدستوري الصادر في مارس2011 ان يتولي الإشراف عليه أعضاء من خارج الهيئات القضائية, وما يقال من إعداد الرئاسة لقرار جمهوري خاص ببدائل الاشراف القضائي قول غير سليم دستوريا وقانونيا. وبما أن الضبابية أصبحت السمة المميزة للمشهد السياسي المصري عقب أزمة الإعلان الدستورى وما تبعها من انشقاق مصر إلي فصيلين تبادلا المظاهرات المليونية فإن الانشقاق وصل إلي القضاة أنفسهم، فالمستشار محمد رفعت رئيس محكمة استئناف القاهرة عارض قرار امتناع القضاه عن الإشراف علي الاستفتاء مضيفا القضاة لن يتأخروا عن أداء واجبهم الوطنى تجاه مصر لانهاء المرحلة الإنتقالية، مضيفا أن علي القضاة ان يتحملوا مسئوليتهم تجاه البلاد حتى يمهدوا للاستقرار. قائلا القضاة ليسوا طرفا وإنما حكم ومشرف فهم يتركون الدستور للشعب، وأضاف ان قرارات الامتناع تمثل من اطلقوا الدعوة واتخذوا القرار فهم لا يمثلون القضاه طالما انه لم يكن قرار جمعية عمومية للقضاة.