12 مليون سيدة راجل فى بيتها وقصص النساء ملاحم كفاح «صفية أبوالعزم» اسم أصبح أشهر من نار على علم، يتردد على كل الألسنة، فهى سيدة القطار التى انبرت للدفاع عن ابن من أبناء مصر، ولذلك كرمتها الدولة مؤسسات وأفراد، ولكن هذا النموذج المشرف ليس الأول من نوعه، ولن يكون الأخير، فالمرأة المصرية دائما معطاءة، تهب لنصرة مجتمعها، ورفع الظلم عن المظلوم، وهى عماد المجتمع كله، ست ب100 راجل، كما يقول المثل الدارج. ففى مصر نساء معجزات كثيرات، منهن من تحملت مشاق الحياة، ومارسن مهن الرجال من أجل الكسب الحلال، ومنهن من تحملت مسئولية أسرتها من الألف للياء بعد أن تركها الزوج لتصبح هى الأم والأب والسند، وتخرج لنا أبطالاً فى كل المجالات، ويكفى أن نذكر أن هناك 12 مليون سيدة معيلة فى مصر، قمن بدور الرجل والمرأة فى آن واحد لحماية أبنائهن، ومنهن من وقفت مع زوجها فى محنته وكانت خير معين له، وصورة السيدة التى كانت تحمل زوجها ذهابا وعودة لتلقى العلاج لن تنمحى من ذاكرة المصريين أبدا. بطولات فريدة من نوعها تحسب لصاحباتها، فهى نماذج تشع لنا نورًا لتؤكد الحكمة التى تقول إن «عقل المرأة إذا ذبل ومات، ذبل عقل الأمة»، وخلال هذا التحقيق نسطر لكم نماذج من السيدات اللاتى استطعن بعقولهن تخليد صورة المرأة المصرية التى تساوى ألف رجل. أنوار .. بائعة الأنابيب صباحاً.. ورافعة أثقال مساء برغم نحافة جسدها، تحمل «أنوار» أسطوانة البوتاجاز على كتفيها لساعات طويلة، تتجول بها فى منطقة مصر القديمة، حتى أصبح الرجال والسيدات يشيرون إليها ويقولون «أهى دى ستات مصر اللى بمليون راجل». أنوار، جاءت إلى القاهرة منذ 15 عاماً من محافظة المنيا، وأقامت فى مصر القديمة، بصحبة زوجها، وبعد عدة سنوات توفى زوجها، لتصبح هى المسئولة عن تربية أبنائها وإعالتهم، خاصة أنها مغتربة عن أهلها، وقالت: «حسيت أن الدنيا جت عليا أوى أول ما جوزى أتوفى، بس مكنش قدامى إلا أنى استرجل علشان أعيش ولادى من الحلال». يوم «أنوار» يبدأ من الساعة الرابعة فجرًا، تحضر فى عجالة وجبة الإفطار لأبنائها، ثم تخرج مسرعة وتحمل على كتفيها الأنابيب، وتتجول مترجلة فى شوارع مصر القديمة منادية: «أنابيب»، تحمل فى يدها مفتاحا أصبح هو صديقها الدائم، تطرق به على أنبوبة معلنة عن قدومها إلى الحى، وتستخدمه أيضا لتركيب الأنابيب. وما بين الإشادة بسيدة تعمل فى نشاط الرجال من أجل أبنائها، وبين الاندهاش من قدرتها على حمل أسطوانة البوتاجاز والصعود بها للطوابق المرتفعة، تختلف ردود فعل كل من شاهد «أنوار» وهى تمارس عملها، ولكن الجميع لا يمتلك فى النهاية سوى الانبهار بذلك النموذج المصرى الرائع. وتقول «أنوار» ربنا بيقوى علشان العيال.. وجوزى كان بيبيع أنابيب ومش بعرف حاجة غيرها، علشان كدة اشتغلت فيها، والحمد لله مستورة. تعود بائعة الأنابيب لمنزلها فى وقت الظهيرة من أجل تناول وجبة الغداء مع أبنائها، وسرعان ما تخرج مرة أخرى لتمارس عملها حتى الساعة السادسة مساءً. «أنا مش بس ببيع الأنابيب لا لو حد عاوز ينقل عفش بنقل وبرفع أثقال لكذا دور».. تكمل «أنوار» قصتها وقالت إنها بعد مرور فترة من بيع الأنابيب شعرت بقوتها وكانت البداية مع تغيير عفش منزلها، وحينها شعرت بقدرتها على حمل الأثاث الثقيل والصعود به لعدة أدوار، وجاءت منها فكرة عامل رفع الأثاث ليكون باب رزق جديداً لها وتابعت: «من كتر ما بشيل الأنابيب بقى عندى عضلات». تصمت السيدة للحظات لتتذكر موقف حدث لها قائلة: «كنت مرة بطلع أنبوبة لناس ساكنين فى الدور السادس ولما شافتنى الست.. قالت الله أكبر عليكى عندى رجالة ميقدروش يعملوا ربع اللى بتعمليه». وأشارت بائعة الأنابيب إلى أن تلك الجملة كانت بمثابة تاج على رأسها ليجدد لها طاقة حياتها مرة أخرى، وقالت: «شهادات الناس لى بالفخر بمثابة نور لحياتى وسط ظلام المآسى». كما تذكرت السيدة موقف آخر وقالت: «مقدرش أنسى لما كنت بطلع عفش عريس للدور السابع.. ولما شافنى قالى إنتى المفروض يتعمل لك تمثال، دى عروستى لو شافتك هتعايرنى بقوتك»، وتشير بائعة الأنابيب إلى أن كثيراً من مدربى كمال الأجسام عرضوا عليها التدريب فى صالاتهم لأن لديها إمكانيات عالية فى حمل الأثقال. «كبرت الفكرة فى مخى وقولت ليه لأ؟».. استكملت «أنوار» حديثها وقالت إنها تمارس لعبة رفع الأثقال ليلاً فى صالة قريبة من منزلها كنوع من التدريب الذى يؤهلها لعملها نهارًا، وتابعت: «بصراحة من ساعة ما بقيت بدرب حسيت بفرق كبير فى شغلى الصبح، ولياقة مكّنتنى من ممارسة العمل لساعات أطول». واستطردت: «كنت بشتغل لحد الساعة 6 برفع أنابيب، بس مع العضلات بقيت بشتغل نص اليوم فى بيع الأنابيب، والنصف الثانى فى رفع العفش للشقق وطبعاً الرزق زاد ودخلى زاد معاه والحمد لله». وحول موقف سيدة القطار قالت بائعة الأنابيب: «لما شوفتها على التليفزيون عرفت قد إيه الست قوية من يومها وبميت راجل»، وعبرت السيدة عن اندهاشها من ردود أفعال المواطنين بشأن سيدة القطار وقالت إن سيدة القطار كغيرها من ملايين السيدات الشرفاء ولكن المواطنين اعتادوا على نماذج مسيئة لصورة المرأة المصرية ولهذا كانت سيدة القطار بالنسبة لهم معجزة. عريفة: جوزت 3 من عيالى والخامس كسرنى بموته بابتسامة صافية تستقبل زبائنها، وعلى أحد الأرصفة بمنطقة حدائق القبة، تجلس لساعات طويلة أمام بعض الخضراوات، بالرغم من تجاوز عمرها ال65 عامًا، إلا أنها «تعافر» مع الحياة بحماس قلما نجده فى «شباب اليومين دول». الحاجة عريفة، قضت سنوات عمرها فى كفاح لتربية أبنائها الخمسة بعد وفاة زوجها، فكانت تساعده فى بيع الخضراوات، وبعد وفاته لم تجد سوى هذا النشاط، وبالقروش القليلة التى تأتيها من بيع الخضراوات استطاعت أن تربى أبناءها الخمسة، وتزوج ثلاثة منهم. «مكنتش مصدقة إنى هعمل ده كله لوحدى».. بفخر شديد قالتها السيدة العجوز، وأشارت إلى أن بيع الخضراوات كان مصدرها الأساسى وحتى الآن لسد احتياجات منزلها، وتابعت: «ربنا بيبارك لى فى القرش اللى بجيبه على عكس ناس بيقبضوا بالآلاف ومش عارفين يربوا عيالهم». 21 عامًا قضتها السيدة العجوز على الرصيف أمام الخضراوات، خاضت خلال تلك الفترة العديد من المعارك الحياتية واستطاعت النجاح بجدارة، لتكون نموذجًا من نماذج نجاح السيدات ب«100 راجل». تصمت السيدة للحظات وتعود باكية وبصوت منخفض تقول: «ابنى الخامس مات قدام عينى ومقدرتش أعمل له حاجة»، ومن بين دموعها تقول: إن ابنها توفى إثر مرض عانى منه، لتكون ضربة قوية لها عانت منها لشهور طويلة، لم تستطع خلالها ممارسة نشاطها حتى عادت من جديد وقالت: «الحياة مش هتقف ومكنش قدامى غير إنى أطلع تانى وأشتغل علشان عيالى». أم بدرية : ستات مصر جدعان وفى شارع سليمان جوهر بالدقى، تجد نموذجا آخر لسيدات مصر «الجدعان» تجلس فى سكون، وبابتسامتها الصافية تصافح قلوب المقبلين عليها، وبطابع الأمومة تشعرك بحنية قلبها فور أن تبدأ الحديث معها لشراء الخضراوات.. هكذا «أم بدرية» التى قالت: «ستات مصر جدعان، ومنهم ملايين ب100 راجل». وتشير بائعة الخضار إلى أن سيدة القطار نموذج للمرأة المصرية الأصيلة، ولكن كثرة مآسى المواطنين فى حياتهم، والصدمات التى يواجهونها فى الحوادث اليومية، جعلت هذه النماذج مصدر فخر، ولذلك أصبحت سيدة القطار حديث الساعة، لكن مصر مليانة بالستات الجدعان. وتابعت: «أول ما شوفت فيديو سيدة القطار حسيت إن الدنيا لسه بخير، وإن فيه ستات غيرى كتير أوى عندهم الشجاعة لعمل مواقف يعجز عنها الرجال». بجلبابها الأسود، تجلس بائعة الخضار قرابة 10 ساعات يوميًا، وقالت إنها تعانى من حالة الركود فى البيع والشراء، الأمر الذى صعب عليها يومها الذى تعيشه بمفردها بعدما استطاعت أن تجهز بناتها ال3 وتزوجن منذ سنوات، وتابعت: «أنا جوزت بناتى من الخضار وحاليا البيع والشراء مش زى الأول وده مخلينى خايفة مقدرش أكمل حياتى». «الرزق بيد الله ومفيش حد بيبات من غير عشا».. تكمل بائعة الخضار حديثها قائلة: أنا ورثت بيع الخضار من والدى الذى كان يعمل خضريا،وكان أشهر خضرى فى الدقى وبعد وفاته أكملت مشواره لكى أستطيع أن أعول بناتى الثلاث. تصمت بائعة الخضار قليلاً وتدخل فى نوبة بكاء قائلة: «خايفة أموت لوحدى فى البيت ومحدش ينقذنى، لكن الحمد لله أنا أديت رسالتى وجوزت البنات».