سعيد بن المسيب هو سيد التابعين ومحدث دار الهجرة، اجتهد في حفظ الحديث منذ أن كان صغيرًا، عاصر كبار الصحابة مثل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبا موسى وسعدا وعائشة وأبا هريرة وابن عباس ومحمد بن سلمة وأم سلمة، عاش ابن المسيب محنة قاسية مع الأمويين. فقد عاش عهد الخلفاء الراشدين عثمان وعلي _رضي الله عنهما-، وعاصر عهد معاوية بن أبي سفيان _رضي الله عنه-، لم يرض ما رآه من اقتتال على الملك في عهد بني أمية، ولم يسكت عن قول الحق في ذاك الشأن، ورفض أن يأخذ الأعطيات من بيت مال المسلمين، فلم يخف في الحق لومة لائم، غير أنه كان زاهدًا عابدًا، قيل عنه أنه لم يفوت صلاة في المسجد طوال أربعين عامًا. جيل التابعين له فضل عظيم على الأمة الإسلامية جمعاء، فقد كانوا خيرَ متلقٍ للإسلام من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- وخير داعٍ ومعلمٍ للدين الإسلامي لمن جاء بعدهم، وقد أشارَ القرآن الكريم إليهم، وذلك في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وقد احتوت هذه الآية على الثناء على صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وعلى من جاء بعده أي التابعون، ونجد ذكر التابعين في أحاديث لرسول -عليه الصلاة والسلام، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. قَالَ عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا _ ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ" [3] ، وقد قال الحافظ بن حجر في هذا الحديث أن قرن النبي هم الصحابة، والذين يلونهم هم التابعون، فكانوا خير موثق وحافظ ومعلم، ومن قصص التابعين تستلهم كلُّ المعاني الإسلامية السامية والأخلاق الحميدة.