أصدر الرئيس محمد مرسى قرارات، أقل ما توصف به هو، أنها عشوائية تضعه فوق سلطات الدولة، وتعصف باستقلاليتها، وتنسف مفهوم الدولة الشرعية. والذين أشاروا على الرئيس باتخاذ هذه القرارات أو الذين هللوا لصدورها، وأقاموا الاحتفالات، يريدون تحويله من رئيس يمارس دوره كحكم بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى ديكتاتور يجمع بيديه كل السلطات على حساب دولة المؤسسات. لا نختلف مع الأهداف النبيلة التى يريد الرئيس مرسى تحقيقها، وهى الانتصار لثورة 25 يناير، وتحقيق أهدافها، ونؤيده بشدة فى المطالبة بالقصاص من قتلة الثوار، ونرفض أن يفلت متهم تلوثت يداه بدمائهم مهما كان شأنه من العقاب، ونشد على يد الرئيس فى ضرورة توفير حياة كريمة لأسر ومصابى الشهداء ومنحهم معاشات استثنائية، وتوفير الرعاية الصحية للمصابين، وإيجاد فرص عمل لهم. ولكن اتفقنا على القيام بالثورة لإقامة دولة قانون ذات سيادة، والقضاء على الحكم المستبد ومنع أى فاشية جديدة، نختلف مع الرئيس الذى ألغى السلطة القضائية فى الإعلان الدستورى الذى أصدره يوم الأربعاء الماضى لتحصين قراراته عندما جعل جميع الإعلانات الدستورية والقرارات والقوانين التى صدرت منذ 30 يونيه الماضى وهو تاريخ توليه السلطة كرئيس منتخب للبلاد نهائية، ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن، أو وقف التنفيذ أو الإلغاء، وانقضاء جميع الدعاوى المتعلقة بها أمام المحاكم. كما حصن الرئيس الجمعية التأسيسية للدستور، ومجلس الشورى ضد الحل، من أى هيئة قضائية، وغل بذلك يد المحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الإدارية العليا وجميع محاكم القضاء الإدارى في الفصل فى القضايا المنظورة أمامها، وبالأخص التأسيسية ومجلس الشورى حيث يعتبر هذا المجلس باطلاً بالقياس إلى مجلس الشعب الذى تم حله، استناداً الى قانونه الذى لم يوازن بين حقوق المرشحين الحزبيين والمستقلين فى الانتخابات وهو نفس القانون الذى طبق فى انتخابات مجلس الشورى. كما فتحت هذه القرارات الباب أمام التفكير فى عودة مجلس الشعب المنحل! دخل الرئيس فى مواجهة جديدة مع القضاء باعتدائه على قانون السلطة القضائية الذى يحظر إقالة النائب العام، وكان يجب على الرئيس حتى فى حالة إصداره الإعلان الدستورى والمتضمن تحديد سن للنائب العام لاستبعاد عبدالمجيد محمود النائب العام الحالى، كان يجب أن يطلب الرئيس من مجلس القضاء الأعلى تعيين نائب عام آخر بدلاً من منح نفسه سلطة اختيار النائب العام بعد أن كان يتم ترشيحه من مجلس القضاء الأعلى. لقد تحركنا من الشرعية الثورية الى الشرعية القانونية، وحصل الرئيس مرسى على حق التشريع بموجب الإعلان الدستورى الصادر فى 11 أغسطس الماضى، وكان يستطيع بموجب اعلان أغسطس إصدار أى مراسيم بقوانين لتعويض أسر الشهداء بدلاً من إعلان دستورى جديد، لعلاج هذه القضية وتحصين قراراته ضد الطعن مما وضعه فوق السلطات بما فيها السلطة القضائية. الرئيس مرسى ألغى سلطة القانون وهيأ المناخ لصراع بين السلطات وكان من المفترض أن يهيئ البلاد للعبور من المرحلة الانتقالية الى المرحلة الطبيعية، ولكنه قرر مد عمل الجمعية التأسيسية لمدة شهرين وسد الطريق أمام القضاء ليقول كلمته فى وضعها الحالى، ولم يستمع الى مطالب المجتمع المدنى بإعادة تشكيلها. إن التحصين المطلق لقرارات الرئيس سلطة مطلقة والسلطة المطلقة مفسدة. الرئيس نفذ ما هدد به فى خطابه بأسيوط عندما قال لاأريد اتخاذ قرارات استثنائية، وهذه القرارات وراءها مستشارون وضعوا البلد والحكم على المحك.