عشرات الشباب يفترشون طرقات مستشفى القصر العينى، فتيات يبكين وشباب يرتلون أيات قرأنية وأخرون منشغلون بتصفح مواقع التواصل الاجتماعى وبث صور وأخبار صديقهم المسجى فى غرفة العناية المركزة وعلى بعد خطوات منهم، سيدة مصرية بخمار أبيض كمعظم أمهاتنا تبكى بحرقة وأب ملكوم يصغى ولا يتحدث إلا قليلاً يستغفر ويتمتم بصوت مجروح "النصيب" والسمة الغالبة على المكان ووجوه الحاضرين هى الحزن، وشبح الموت يخيم على كل شيء وقليلون جداً من استطاعوا كبح جماح دموعهم حزنا على وردة أخرى فتحت فى جناين مصر. أطباء يدخلون ويخرجون لحجرة العناية المركزة وينظرون إلى الاب المقهور والأم الثكلى ولا ينطقون فما تقوله الأعين تعجز الألسن عنه، والأم تتساءل بل تتمنى "هيعيش" ؟ وشباب من حزب الدستور و6 ابريل تتلاقى نظراتهم فى أسى على رفيق دربهم الذى ينتظرون خروج جثمانه، فهم يدركون جيدا أن الوفاة اكلينيكياً هى موت بطعم الانتظار . المشهد فى مستشفى القصر العينى يلخص رحلة نضال للشاب محمد جابر الشهير ب"جيكا" بن ال17 ربيعاً الذى انضم لحركة شباب 6 ابريل ثم حزب الدستور، وتعرف طرقات ميدان التحرير وقع خطواته، وسلالم دار القضاء العالى ونقابة الصحفيين باتت تفتقد هتافاته، ورفاقه يتساءلون بأى ذنب قتل؟! تلقى "جيكا" سبعة طلقات خرطوش فى الصدر والبطن صباح يوم الثلاثاء بشارع محمد محمود فى الاحتفال بذكرى عيون حرية نقل على أثرها لمستشفى القصر العينى ليعلن الأطباء بعد 10 ساعات تقريبا من دخوله للعناية المركزة عن وفاته اكلينيكياً. فيما يتداول نشطاء ال"فيس بوك" مقطع له وهو يحتفل بفوز محمد مرسى فى انتخابات رئاسة الجمهورية محمولاُ على الاعناق يهتف بحياة الثورة، وكيف له أن يدرى وقتها أن من فرح بفوزه .. سيشهد عصره على قتله فى فض تظاهرة برصاص الخرطوش. والدة "جيكا" تجلس فى صمت وتبكى فى صمت وتتساءل "هيعيش" وتدرى مسبقا أن الامر خرج عن القدرة البشرية، وتؤكد أنه قتل عمداً باعتباره مؤسس صفحة "معا ضد الإخوان المسلمون" التى دأبت على نشر فضائح جماعة الاخوان المسلمين، وتضيف والدته أنه تلقى اتصالا هاتفيا من أحد أصدقائه نزل بعده على الفور ولم يذهب للمدرسة بل توجه إلى حتفه، منبهة إلى أن خروجه من المنزل وإصابته لم تستغرق أكثر من نصف ساعة . شاب يقترب من والد "جيكا" ليقول له سنصلى على الجثمان فى عمر مكرم ونقيم العزاء بمحمد محمود فيرد والده فى يأس بعينين ذائغتين.. لما يموت، فيصمت الشاب ويصمت الأب فكلاهما موجوع ومفجوع. وفتاة تنتحب فى حياء وتبكى فى قهر وصمت يخبرنى أصدقاء "جيكا" أنها حبيبته، صبية ودعت حبيبها قبل المعركة والآن تنتظر تشيع جنازته مع أحلامها فى نعش واحد، تأكيدا تتذكر فى قرارة نفسها لحظات باسمة جمعتها فى طريق النضال بحبيبها الراحل حيث هتفا سوياً وحلما سوياً .. ثم فارقها فى منتصف طريق، وإذا رأيت ثم رأيت دمعاً تحجر فى مقلتيها .. فأعلم أن الزمان الذى ماذال يضحكها أنساً بقربه قد بات يبكيها. وفى الثانية من صباح الأربعاء يعلن أطباء عنبر 5 بالعناية المركزة فى مستشفى القصر العينى القديم عن وفاة محمد جابر وانتقال روحه لبارئها تاركا لهيب ثورة يخبو تارة ويشتعل أخرى ليكون أيقونة أخرى كخالد سعيد ومينا دانيال. تابعونا من جديد على فيس بوك: بوابة الوفد الإلكترونية