ما زالت السينما المصرية لقيطة تتخبط فى أروقة الحياة منذ ما يزيد على نصف قرن لتتحول مع الزمن إلى ما يشبه أطفال الشوارع الذين يتعرضون للاستغلال من الجميع لتحقيق المكاسب وانتهى الأمر بالسينما أن تلقى نفس المصير بعد أن امتص الجميع دماءها ثم ألقوها بين أكوام القمامة حينما قاربت على مفارقة الحياة أو انتهت الاستفادة منها. وهو الأمر الذى قامت به الدولة والمنتجون تجاه صناعة السينما التى انتزعها النظام الناصرى من صناعها الحقيقيين تحت شعار «التأميم» واستغل معظم انتاجها لتجميل صورته وتحويل انقلاب يوليو العسكرى الى حركة بيضاء ثم مباركة ثم استقر رأى الضباط على أن تكون ثورة ودارت بوبينات السينما لتقدم أفلاماً جيدة ولكن بعضها لا يخلو من دعاية مجانية من نوعية زواج «إنجى بنت الباشا من على ابن الجناينى» فى إشارة إلى ما حققته الثورة من إلغاء للفوارق الطبقية التى لم تنته حتى الآن ولكن على الرغم من تحكم النظام الناصرى فى الإبداع والوصاية عليه سواء بوضع قانون رقابى مازال معمولاً به حتى الآن أو بالإمساك بزمام جميع عناصر الإنتاج السينمائى من إنتاج وتوزيع ودور عرض ومعامل طبع وتحميض واستوديوهات تصوير سينمائى إلا أن مؤسسة السينما أضافت العديد من الأفلام المهمة لتاريخ السينما المصرية ولكنها فى الوقت نفسه اغتالت العديد من صناع السينما الحقيقيين، ومع بداية حكم السادات أغلقت مؤسسة السينما أبوابها بعد أن احتفظت بكل ميراث التأميم لتترك السينما يتيمة بلا مورد رزق وهو ما فتح الباب أمام ما يعرف بسينما المقاولات التى انتعشت فى نهاية السبعينيات وانتعشت فى الثمانينات لتسيطر على السوق السينمائى بعد انسحاب الدولة من الانتاج واستمرار بسط سيطرتها على ما انتزعته من صناع السينما المصريين والأجانب وهو ما لا ينفى دعمها لبعض الأعمال التى ظهرت فى فترة السبعينيات والتى تنتقد ممارسات النظام الناصرى، والتأكيد على التخلص من مراكز القوى فى إشارة لما تبقى من ضباط عبد الناصر ليكرر السادات سيناريو استغلال السينما قبل أن تتركها الدولة تغرق نهائياً. وكثير من المهتمين بالشأن السينمائى ممن عاصروا هذه الفترة ضاقوا ذرعاً بأفلام المقاولات التى ظهرت كبديل لهجرة نجوم السينما للعالم العربى واجتذاب منتجين جدد لصناعة الأفلام التى بدأت كاستثمار لرأس المال لرجال المقاولات وانتهت بإفراز منتجين غير متخصصين فى فن السينما بعد أن اكتشفوا أنها تجاره رابحة وغير مكلفة حتى أن بعض المنتجين كانوا يصورون ثلاثة أفلام فى شهر واحد بنفس فريق العمل ليرتفع الإنتاج من عدة أفلام فى العام الواحد ليصل إلى 63 فيلماً فى بداية الثمانينيات وزاد عدد الأفلام لتضرب الرقم القياسى فى عام 1986 بتقديم 95 فيلماً أغلبها ردىء يعرض لأسبوع واحد فى دور العرض قبل أن يحمل على شرائط فيديو، ويصدر لدول الخليج التى تراجع إقبالها على هذه النوعية مع اشتعال حرب الخليج الاولى فى بداية التسعينيات مما دفع منتجى هذه النوعية للانسحاب من ملعب السينما بعد أن حققوا مكاسب طائلة من ورائها فى حلقة أخرى من مسلسل استغلال السينما. ومع ما تعانيه السينما المصرية الآن من بطالة بعد انسحاب الكيانات الإنتاجية الكبيرة التى حققت مكاسب طائلة من السينما منذ بداية الموجة الجديدة من السينما فى نهاية التسعينيات نجد شبهاً بين ما سبق ذكره وما تعانيه صناعة السينما الآن، وهو ما يجعلنا نبحث عن سينما المقاولات لتنعش صناعة السينما وتساهم فى القضاء على البطالة بين السينمائيين والبحث عن سينما المقاولات لا يعنى تقديم النوعيات نفسها التى أنعشت تجارة الفيديو ولكن استقطاب رأس مال يسهم فى دفع عجلة الإنتاج مثل دخول مستثمرين كنجيب ساويرس وكامل أبو على وغيرهم ومحاولة تقليم أظافر محتكرى السينما لإتاحة الفرصة أمام المنتجين الأفراد فى تسويق إنتاجهم خاصة أن السينما تقوم فى السنوات الثلاث الاخيرة على اكتاف صغار المنتجين فلولا اجتهاد الأخوين السبكى فى الحرص على تقديم أعمال سينمائية جديدة خاصة أحمد السبكى الذى يقدم أعمال جادة الى جانب الأعمال التجارية كذلك جهد نيو سينشرى الذراع الإنتاجية لشركة دولار العريقة والتى عادت للحياة مرة أخرى لتساهم فى التخفيف من وقع مأساة السينما المصرية بالاضافة لشركة السيناريست محمد حفظى وغيره من الأسماء الجديدة التى بدأت تتردد على الساحة السينمائية مؤخراً ويحسب لهم ممارسة فعل الإنتاج فى هذا الوقت العصيب الذى انسحب فيه الكبار بمليارات السينما فى انتظار أموال الخليج التى طالما مولت إنتاجهم فهم لا ينفقون على السينما ولكنهم يربحون منها فقط ويجب أن تقوم وزارة الثقافة بدورها فى الإشراف على صناعة السينما بدفع غرفة صناعة السينما لتوقيع عقوبات على المنتجين الذين لا يمارسون المهنة بسحب التراخيص منهم خاصة أن لوزارة الثقافة عضواً معيناً فى مجلس إدارة غرفة صناعة السينما التى تعمل ضد مصلحة السينما مع تربع الكبار على مقاعد مجلس إدارتها.