دهس الزمن أفلام المقاولات واختفت ولكن مع بداية القرن الجديد وظهور القنوات والمحطات الفضائية وعودة حركة الانتاج السينمائي ظهر نظام جديد للتسويق في السينما معاناة حقيقية أن تكتب عن فيلم ردئ، لذلك يترفع بعض النقاد عن مشاهدة الأفلام الاستهلاكية والكتابة عنها، وهذا خطأ نقدي، لأن هذه الأفلام لها جمهور يجب تنبيهه إلي أن هناك من يضحك عليه ويخدعه.«البيه رومانسي» هو أحدث عنوان لهذه النوعية من الأفلام، ودعونا نعترف أولا أن تاريخنا السينمائي زاخر بمئات الأفلام الاستهلاكية التي لعب بطولتها نجوم كبار، ولكنها ظلت أفلاما تجارية مسلية، وعندما يتكرر عرضها الآن في القنوات الفضائية يصفها البعض بأنها من زمن الفن الجميل، رغم كل ماتحمله في حواديت ملفقة وأفكار تافهة، ولعل السر يرجع إلي أنها تحتفظ بالحد الأدني من قواعد الفن السينمائي، فالكاميرا لاتتحرك بعشوائية، وبناء الفيلم يحمل قدرا من التماسك، وليس هناك استخفاف بالمشاهدين، والابطال لهم خفة ظل وحضور.. وهذا النوع من الأفلام المعروف والمعترف به في أي صناعة سينما في الدنيا، تم ابتذاله ونزع «الفن» عنه في السينما المصرية في مرحلة الثمانييات مع ظهور ما عرف بسينما المقاولات، والتي كانت - في الأغلب- لايتم عرضها في قاعات العرض وتتسرب مباشرة إلي شرائط الفيديو، يوم كان «الفيديو» جهاز حديث له مستهلكيه في العالم العربي، ومنطقة الخليج بالتحديد. ودهس الزمن أفلام المقاولات واختفت، ولكن مع بداية القرن الجديد وظهور القنوات والمحطات الفضائية وعودة حركة الانتاج السينمائي التي تعثرت في مرحلة التسعينيات لاسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، ظهر نظام جديد للتسويق في السينما يتمثل في بيع الافلام في مجموعات، فيقوم الموزع ببيع خمسة أفلام معا: فيلم كبير وفيلمين متوسطين وفيلمين صغيرين، وعادت بالتالي سينما «المقاولة» بصيغة جديدة،وكان الهجوم الشديد علي هذه الأفلام الصغيرة الردئية وراء اتهام السينما المصرية كلها بالهبوط والتراجع. ولكن ما شأن فيلم مثل «البيه رومانسي» بهذه المقدمة التاريخية!..الحقيقة أن الفيلم كله يخضع لمفهوم «المقاولة» بداية من الحدوتة التي تقوم علي ولد يدرس بالجامعة «محمد عادل إمام» وهو زير نساء وطائش وغير اخلاقي ويسهر في الكباريهات أو مايسمي بلغة العصر «الديسكوهات» ويلتقط من يشاء من الفتيات، وهذا الشاب الضال يرث ثروة هائلة عن خاله، الذي يكتب وصية بالا يرث ابن اخته إلاإذا تزوج فتاة عذراء شريفة ورومانسية!!.. وهذا الولد مثله الأعلي في حياة اللهو والطيش هو والده شخصيا «حسن حسني» فالوالد- لامؤخذة- بتاع نسوان!.. أما والدته التي «خلعت» والده فهي استاذة جامعية في علم الاجتماع الاخلاقي «لبلبة».. وفي بداية الفيلم يقدم المخرج أحمد البدري مونتاجا متوازيا لكلمات الأم الاخلاقية في قاعة الجامعة، وفي المقابل عربدة الابن في الكباريهات ويستمر هذا التقطيع بين مشاهد الأم والابن حتي يجعلك كمشاهد تكره من اخترع فن المونتاج وتكره السينما نفسها التي جعلت هناك مخرجا يهدر فنياتها إلي هذه الدرجة من الاسفاف والتركيب العشوائي. ونعود للحدوتة التي كتبها سيد السبكي وهيثم وحيد، فلانجد لديهم حدوتة ولا يحزنون فالام تقرر أن تعيد ابنها إلي حظيرة الاخلاق فتتفق مع محام ريفي «باسم سمرة» أن يكون منفذا لوصية الخال «التي هي غير موجودة اصلا» وينتقل هذا المحامي إلي بيت الأسرة مع زوجته «دومنينك» ويتم تحويل حمام السباحة إلي ترعة لغسل الاواني وتربية البط، ثم يكتشف المحامي الريفي الأخلافي أن زوجته كانت راقصة في الموالد، ويغفر لهابعد أن ترقص له، والمهم أن الولد الذي هو« البيه الرومانسي» يجد الفتاة الاخلاقية التي سوف تجعله يرث «نهلة زكي» ويعرف أنهاتحب رومانسية وزمن عبدالحليم حافظ، فيغني لها اغنيات عبدالحليم باقتباس مشاهد من أفلامه.. ولكن سرعان ما يكتشف المنتج محمد السبكي أن وجود عبدالحليم حافظ في أفلامه خيانة لاكتشافه العبقري الذي هو سعد الصغير فيأتي بالصغير ليغني ودومينيك لابد من الاستفادة منها فلابد أن ترقص وتغني وتقدم مشهدي اغراء، ولاتعرف ما الذي أتي بلبلبة إلي هذا الفيلم، أماحسن حسني فهومعتاد علي تقديم «الحتتين بتوعه» في مثل هذه النوعية من الافلام أما باسم سمرة فهو كارثة هذا الفيلم، ولاتعرف ما هو الإغراء الذي قدم له ليهدر موهبته لهذه الدرجة. يبقي بطل الفيلم «محمد إمام» في أول بطولة له، وقد احاطه محمد السبكي بتوليفة تجارية سابقة التجهيز والنجاح من رقص وغناء وافيهات واغراء واسماء لممثلين معروفين، والحقيقة أنه ممثل مقبول وغير مزعج،ولكن لأنه مع مخرج ليس من بين اهتماماته فن أداء الممثل، فإن الاداء الانفعالي والحركي واللفظي عند محمد إمام كان يحتاج إلي تدريب وتوجيه، فقد ظهر بشكل أفضل بكثير في فيلمي «عمارة يعقوبيان» و«حسن ومرقص».. عموما تقديم أي رومانسية أو حتي فنيات فيلم سينمائي مع مخرج مثل أحمد البدري يتحول إلي شيء غريب كالذي شاهدناه علي شاشة «البيه رومانسي»!.