هناك هجمة شرسة علي حرية الرأي والتعبير، لا تجد من يوقفها رغم أن المتصدين لها كثيرون.. هناك إصرار شديد جداً علي تكميم الأفواه واختراع أسباب واهية للنيل من كل صاحب رأي حر أو وجهة نظر تتعارض مع أصحاب المصالح والمنافع.. مؤخراً تم إغلاق قناة «دريم» لتكون في القائمة الثانية بعد اغلاق «الفراعين»، وحتي لا يتهمني أحد من الذين تسببوا في إغلاق القناتين فإنني لا أعمل في هذه أو تلك أو أي قناة فضائية أخري لأن لدي تحفظات علي أداء البعض منها وما تقدمه من برامج، واعتماد البعض الآخر علي إنتاج الصحف في عملها وأدائها!!! لم تشهد حرية التعبير وإبداء الرأي قصفاً متواصلاً بهذا الشكل منذ حقبة وجود الرقيب الذي كان يتم تعيينه داخل الصحف، ليمنع نشر ما لا يرضي النظام، وإحالة من تجرأ علي الخوض في الممنوع إلي التحقيق أو صدور أمر اعتقال له، الآن تتعرض حرية الصحافة لضغوط من كل نوع إما بالملاحقة القانونية وإما بكسر أقلام الأحرار أو العزل كما حدث مع الزميل جمال عبدالرحيم، رئيس تحرير جريدة الجمهورية الذي حصل علي حكم قضائي بالعودة إلي عمله ولا يستطيع تنفيذ هذا الحكم... أصحاب الأقلام الحرة في وسائل الإعلام المصرية المقروءة أو المرئية أو المسموعة، يتعرضون للأذي الشديد، وأبسط هذا الأذي هو الإبعاد وأحياناً استخدام سلاح التخوين والملاحقة القانونية التي لا يستطيع صاحب أي قلم حر أن يجاريها لقلة ذات الحيلة وضعف ما يتقاضاه من راتب، يكفي بالكاد للصرف علي أسرته!!! لقد انتابني الحزن الشديد والآلام المبرحة عندما قرأت مآسي عن الزملاء الذين يعملون بإحدي القنوات الفضائية التي تم اغلاقها، وكيف ان هناك أسراً تشردت بسبب توقف رواتب العاملين بها.... والكارثة الحقيقية التي تلاحق الأمة لو استمر فعلاً إغلاق وسائل الإعلام بهذا الشكل المستفز فكلما لا يتم الرضاء عن وسيلة إعلامية أو صحيفة ما يتم إغلاقها بالضبة والمفتاح، لو استمر هذا الوضع بهذا الشكل المزري سيأتي اليوم الذي لا نجد فيه قناة فضائية ولا صحيفة.. أما إذا كانت هذه وسيلة «اضرب المربوط يخاف السايب»، فهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلا، ولا أكون جانحاً في الرأي لو قلت إن هذه سياسة الضعفاء الذين لا يتحملون نقداً أو وجهة نظر معارضة.. حرية الرأي والتعبير المفروض أن تكون الشغل الشاغل لنقابة الصحفيين ومجلس نقابتها، وألا تتواني النقابة أبداً عن الدفاع عن ذلك لكن يبدو ان النقابة شغلت نفسها بأشياء أخري غير وظيفتها الرئيسية.. ويوم ان كان صحفي يتعرض للأذي كانت النقابة تنتفض لهذا الصحفي، وتغير الحال وأصبح هناك العديد من الصحفيين وقيادات صحفية تتعرض للمر بسبب ملاحقات قانونية وآراء، ولا يجدون العون الكافي من نقابتهم. وتكتفي النقابة فقط بإصدار بيانات الشجب والاستنكار دون الوصول إلي حلول عملية مع المضارين من أصحاب الرأي والفكر!!.. وحتي كتابة هذه السطور لا أجد موقفاً صلباً تجاه الهجمة الشرسة التي تتعرض لها وسائل الإعلام وأصبح من السهل جداً أن يتم التنكيل بالصحفيين ولا أحد يرد لهم اعتبارهم.. في المقابل لا يجب أن يترك الحبل علي الغارب لأي صفحي ليكون شتاماً أو لعاناً، فلا أحد يقبل علي الإطلاق أن يقف مع هؤلاء الذين يفترون علي أحد بالباطل والبهتان.. وعندما يخطئ الصحفي فهناك نقابة يجب أن تحاسبه طبقاً للقانون وميثاق الشرف الصحفي المعطل الذي لم يتم تفعيله.. وليس معني ذلك أنه عندما يخطئ صاحب رأي أو فكر يتم اغلاق المؤسسة التي يعمل بها، وكأن هذا العقاب بمثابة رادع للجميع وزرع الخوف في نفوس الكل حتي يتحولوا الي مستأنسين كما يريد النظام... إذا كانت البلاد تسعي بالفعل لأن تكون دولة عصرية ديمقراطية فأول خطوة علي هذا الطريق هي إطلاق حرية الرأي والتعبير، وترك حرية الإبداع للمفكرين والصحفيين ومن علي شاكلتهم، طالما أن هذا الإبداع في سبيل الصالح العام.. أما إذا تم وأد حرية الفكر والتعبير فعلي الدنيا السلام، وبقدرة قادر تتحول الدولة إلي ديكتاتورية ظالمة، وهذا ما سعي الشعب المصري وجاهد حتي تخلص منه بثورة يناير العظيمة. إهدار حرية التعبير والفكر يعني القضاء الكامل علي أية ديمقراطية يتم التفكير فيها، والمعارضة القوية تصنع الدولة القوية، والمعارضة الهشة تخلق نظام حكم الفرد الذي تخلصنا منه، والمعارضة القوية تأتي من حرية الفكر لأصحاب الأقلام الأحرار الذين لا يشغلهم شاغل عن مصلحة الوطن والمواطن بالدرجة الأولي، ولذلك أتعجب من الهجمة الشرسة علي حرية الرأي والتعبير، وتعلن الدولة أنها مع الحرية والديمقراطية!!!.. أليس في ذلك عجب العجاب؟!!