لا أظن أن الفلاح المصري سوف يقبل بسياسة الإقصاء، ولن يرضى بأن يتولى مجموعة من الأفندية رسم خريطة حياته هو وأسرته، وأظن كذلك أن الفلاحين سوف يتمسكون بعدد مقاعدهم في البرلمان التي حصلوا عليها منذ أكثر من نصف قرن، فما الذي استجد لكي يتنازلوا عن هذه المقاعد لمجموعة من الذين يتبنون أجندات سياسية أو خطابات دينية لا تمثلهم ولا تعبر عنهم، وأتوقع أن تفاجأ النخبة بالموقف الرافض للفلاح المصري من الدستور ومن تشكيل الحكومة ومن كل ما يختص بشئون هذا الوطن، وأتوقع أيضا أن يلعب بعضهم دورا خطيرا في توجيه أصواتهم نحو سياسات بعينها، ومن غير المستبعد أن نرى ميدان التحرير يحتشد فيه أكثر من مليون فلاح يرفعون لافتات تقول: نرفض دستور النخب الدينية. الدستور المعطل ذكر الفلاح في ثلاث مواد: الأولى رقم «26» وتتناول تمثيل صغار الفلاحين بنسبة 80% بمجالس إدارة الجمعيات التعاونية: «... وتعمل الدولة على أن يكفل القانون لصغار الفلاحين ثمانين في المائة بعضوية مجالس إدارة الجمعيات التعاونية»، والمادة الثانية رقم «37» وتؤكد على حماية الفلاح من الاستغلال: «يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية، ويضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال»، المادة الثالثة وهى رقم «87» التي يسعى الأفندية لإلغائها لأنها تعطى للفلاحين نسبة 25% من عضوية البرلمان: «يحدد القانون الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة، وعدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين، على ألا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، ويكون انتخابهم عن طريق الانتخاب المباشر السري العام. ويبين القانون تعريف العامل والفلاح». قد يقال إن الأغلبية من المواطنين المصريين إبان وضع دستور عبدالناصر ومن بعده السادات كانت للعمال والفلاحين، وأن اليوم نسبة المتعلمين وخريجى الجامعات والمعاهد والمدارس المتوسطة أصبحت كبيرة، لهذا من المنطقي أن نعيد التفكير فى نسبة تمثيل الفلاحين والعمال فى البرلمان، وطرح فى الكواليس بين النخب السؤال التالى: هل نحذف النسبة كلها أم نخفضها؟، هل نلغى كوتة العمال والفلاحين بشكل عام أم نجعلها 10 أو 20% من مقاعد البرلمان؟. الفريق الأول طالب بإلغاء النسبة جميعها وحذف المادة الخاصة من الدستور الجديد، ومبرر هؤلاء منطقى جدا: الذى يجعلنا تخصيص كوتة للفلاحين والعمال فى مقاعد البرلمان يجعلنا نحدد نسبة أخرى للمرأة، ونسبة ثالثة للمسيحيين، ووصل هذا الفريق فى موقفه إلى حرمان جميع المواطنين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة من العملية السياسية، كانت التصويت او الترشح أو حتى العضوية بالأحزاب السياسية، لأن من لا يجيد القراءة لن يجيد المتابعة والتحليل للحياة السياسية. الفريق الثانى قال إن تعداد الفلاحين حوالى 12 مليوناً، وفى أقوال أخرى: حدد تعداداهم بأولادهم حوالي 55% من سكان مصر، وذكر أن تعداد العاملين بالزراعة كانوا من الملاك أو المستأجرين أو العمالة اليومية ما يقارب العشرين مليوناً، وبغض النظر عن الرقم الحقيقي فإن نسبة الفلاحين بالنساء والأولاد تشكل رقما كبيرا فى الحياة السياسية المصرية، خاصة الذين يحملون بطاقة رقم قومي ويمتلكون حق التصويت منهم «حدد ب 20 مليون فلاح وفلاحة فى المتوسط»، وهذه النسبة ليست بسيطة ومن حقها ان تحصل على فرصة بالبرلمان، لهذا اقترح هذا الفريق تخفيض النسبة للعمال والفلاحين بشكل عام من 50% إلى 10 أو 20% على الأكثر. بين الفريقين ظهر فريق ثالث أنا منهم، هذا الفريق اشترط إجادة من يرغب فى المشاركة السياسية للقراءة والكتابة، تماما مثل رخصة قيادة لا تتمكن من استخراجها بدون شهادة محو أمية، ونظن أن قيادة مصر أو المشاركة فى صناعة القرار بها ليست أقل من رخصة قيادة السيارة، لهذا نرى أن يدرج بالدستور الجديد مادة تشترط إجادة القراءة والكتابة للمشاركة السياسية، وهذه المشاركة والعمل العام، سواء كان عضوية أحزاب أو نقابات أو جمعيات أو أحزاباً أو البرلمان أو المحليات، أو كانت المشاركة متمثلة في التصويت، على أن يكون الراغب في المشاركة وصل إلى درجة من التعلم لا تقل عن المؤهل المتوسط، الثانوية العامة أو الفنية أو التجارية، ونظن أن هذا الشرط سوف يشجع على محو الأمية، كما سيساعد على التقدم فى العمل الديمقراطي بالبلاد.