وكيل زراعة بني سويف يتفقد مطحن بوهلر لمتابعة أعمال توريد القمح    محافظ الغربية يتابع الأعمال الجارية بمشروع محطة إنتاج البيض    وزير الإسكان: استرداد مساحة 17990 مترًا بالسويس الجديدة..وقرار بإزالة مخالفات بناء ببني سويف    ننشر حركة تداول السفن والحاويات في ميناء دمياط    مباحثات قطرية تركية تتناول أوضاع غزة على وقع التطورات في رفح    مصادر: إخلاء معبر رفح الفلسطيني من الشاحنات    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    كالتشيو ميركاتو: لاعب روما مهدد بالإيقاف بسبب التقاط الكاميرات تلفظه بعبارات غير لائقة أمام يوفنتوس    سكاي: بايرن يدرس التعاقد مع تين هاج    غرق طفل في مياه النيل بأسوان    بدءا من الأربعاء.. 6 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بروض الفرج    ختام فعاليات المؤتمر الرابع لجراحة العظام بطب قنا    الدفاع الروسية: إسقاط مقاتلة سو-27 وتدمير 5 زوارق مسيرة تابعة للقوات الأوكرانية    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    وزير الشباب يشهد "المعسكر المجمع" لأبناء المحافظات الحدودية بمطروح    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    5 ملفات تصدرت زيارة وفد العاملين بالنيابات والمحاكم إلى أنقرة    زيادة قوائم المُحكمين.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    برلماني يطالب بزيادة مخصصات المشروعات و الإنشاءات في موازنة وزارة الصحة    استياء في الزمالك بعد المشاركة الأولى للصفقة الجديدة    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    النادي الاجتماعي بالغردقة يستقبل 9 آلاف زائر خلال شم النسيم والاستعانة ب 25 منقذًا    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    «يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    الرئيس الصيني: نعتبر أوروبا شريكًا وتمثل أولوية في سياستنا الخارجية    تضر بصحتك- أطعمة ومشروبات لا يجب تناولها مع الفسيخ    بالليمون والعيش المحمص.. طريقة عمل فتة الرنجة مع الشيف سارة سمير    7 نصائح مهمة عند تناول الفسيخ والرنجة.. وتحذير من المشروبات الغازية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    رئيس مدينة مطاي يتفقد سير العمل بمعدية الشيخ حسن    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    رئيس لجنة الدينية بمجلس النواب: طلب المدد من ال البيت أمر شرعي    الأوقاف تحدد رابط للإبلاغ عن مخالفات صناديق التبرعات في المساجد    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. يمنى طريف الخولى : «المركزية الغربية».. انتهت
نشر في الوفد يوم 03 - 06 - 2020

نعيش فى عصر تعدد الثقافات.. ودول كثيرة تقدم نماذج للنهضة
لا نزال غارقين فى مشكلة «الأصالة والمعاصرة» منذ القرن الثامن عشر
طه حسين كان مفتونًا بالغرب.. وأراد خروجنا من الثقافة العربية الإسلامية
نحن شعب لا يقرأ.. وثقافتنا تفتقر إلى الرأى والرأى الآخر
الشيخ أمين الخولى.. أبرز أقطاب التيار الإصلاحى فى القرن العشرين
ولدت الدكتورة يمنى طريف الخولى أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1955، حصلت على درجة الماجستير فى الفلسفة عن موضوع فلسفة العلوم عند «كارل بوبر» ثم نالت درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عن موضوع «مبدأ اللاحتمية فى العلم المعاصر ومشكلة الحرية».
عملت «الخولى» زميلا زائرا بمركز الأبحاث للدراسات اليابانية فى «كيوتو» وأستاذ دراسات عليا لتأسيس قسم الفلسفة بجامعة أحمدو بيلو بنيجيريا ثانى أكبر جامعة فى أفريقيا بعد جامعة القاهرة عام 2014. وهى حفيدة الشيخ أمين الخولى صاحب مدرسة الأمناء الفكرية التى كان لها إسهاماتها الفعالة ودورها التنويرى فى المجتمع، وهى صاحبة رؤية رصينة فى قضايا الفكر الإنسانى والعقل العربى والفلسفة الإسلامية.
«الخولى» مثلت نموذجاً فذاً للمفكر الموسوعى الذى يتعامل مع العالم المحيط به بحرفية شديدة ويسايره فى تطوره، وهى إحدى رائدات الفكر النسوى فى النصف الثانى من القرن العشرين، حيث صدر كتابها الأشهر «النسوية وفلسفة العلم»، إضافة إلى ترجمتها لكتاب «أنثوية العلم من منظور الفلسفة النسوية» ضمن سلسلة «عالم المعرفة». كما لها العديد من الكتب العلمية ومنها «فلسفة كارل بوبر» و«الحرية الإنسانية والعلم.. مشكلة فلسفية» و«الوجودية الدينية» و«أمين الخولى والأبعاد الفلسفية للتجديد» و«فلسفة العلم فى القرن العشرين». شاركت بأبحاث فلسفية فى العديد من المؤتمرات الدولية فى القاهرة والكويت ودمشق ولبنان والأردن واليابان وتونس والجزائر والرياض وكوالامبور والمغرب والولايات المتحدة وزيارات لجامعات عربية وجامعات آيوا وهيوستن وهاواى بأمريكا. كما نالت عضوية لجنة التاريخ وفلسفة العلوم بأكاديمية البحث العلمى، والجمعية الفلسفية المصرية، والجمعية المصرية لتاريخ العلوم، ولجنة الفلسفة بالمجلس الأعلى للثقافة.
حصلت «الخولى» على العديد من الجوائز أبرزها جائزة الدولة للتفوق والشيخ مصطفى عبدالرازق من جامعة القاهرة وجائزتى نجيب محمود للتفوق العلمى، وشهادة تقدير من رئيس الجمهورية لأفضل كتاب عام 1999.
«الوفد» التقت حفيدة شيخ المجددين فى الأصولية بمنزلها وكان هذا الحوار.
بداية.. أنت حفيدة شيخ المجددين أمين الخولى أحد رواد التجديد فى الإصلاح الدينى.. كيف تأثرت بهذه البيئة الفكرية والدينية خلال دراستك للفلسفة؟
قضيت طفولتى فى لندن، وقد توفى جدى وأنا مازلت طفلة صغيرة، وكانت لدى فكرة واضحة عن أمين الخولى كواحد من كبار الرواد، أو كما أقول دائما شيخ المجددين فى الأصولية وشيخ الأصوليين فى التجديد، وأنه من الرواد العظام الذين قاموا بتمصير الجامعة وأنشأوا الشخصية الأكاديمية المهيبة لجامعة فؤاد الأول أو جامعة القاهرة الآن، إلا أن تأثرى بأمين الخولى انبثق فى عقليتى فى أوائل التسعينيات حين تعاملت مع الهيئة العامة للكتاب فى إصدار مجموعة أعماله الكاملة، وقد بهرت بالمنهجية الشاملة والرؤية العميقة لواقعنا وبإشكالية الأصالة والمعاصرة والعلاقة بالغرب ومكنونات فكر وتراث أمين الخولى، وكان اتصالى بتراث «الخولى» فى مرحلة كنت فيها أستاذا مساعدا، وقد تدربت على التلقى واستقطاب إيجابيات النصوص، وأدركت أن أمين الخولى الذى استفاد من خبراته فى أوروبا وألمانيا وإيطاليا ومن الفكر الغربى والفكر الحداثى ومن إعطائه التنظير الحقيقى لإشكالية الأصالة والمعاصرة التى هى الإشكالية الأم فى ثقافتنا، وأصبح أمين الخولى من محاور تفكيرى بالتعاون مع أستاذى العظيم حسن حنفى ومع كل المعنيين بتفعيل الفلسفة فى واقعنا وفى حل مشكلة الأصالة والمعاصرة وفى تحقيق الحداثة والتقدم إلى آخر الأهداف المطلوبة إلى آخر التوظيف الفعلى للفكر والفلسفة فى الواقع، وأصدرت كتابى الشهير «أمين الخولى والأبعاد الفلسفية للتجديد»، وسيظل والدى دائما صاحب الفضل الأعظم فى تكوينى، فقد كان طبيبا جراحا رائدا لكنه غرس فى نفسى عشق الكتاب والفلسفة وجعلنى أختار دراسة الفلسفة عن يقين رغم أننى كنت من الأوائل، وكنت أستطيع اختيار أى دراسة، لكن والدى هو الذى شكلنى وهو الابن البكر لأمين الخولى، فقد عشت فى بيئة فكرية قبل أن تكون دينية.
ماذا عن أمين الخولى والأزهر الشريف خاصة أنه درس لطلابه فلسفة الأخلاق؟
عثرت فى مكتبة والدى -رحمه الله- على مخطوطة محاضرات لأمين الخولى فى تاريخ فلسفة الأخلاق ألقاها فور عودته من ألمانيا 1927، وكان الأزهر قد طلب منه أن يدرس لطلابه مقررا شاملا عن فلسفة الأخلاق ضمن قيامه بعملية تحديث للمقررات والدراسة، وعندما قرأت هذه المخطوطة ذهلت لأننى وجدته فى قلب الأزهر يعلم لطلابه مفهوم المادية والتجريبية والواقعية ويدافع بيقين عن التطورية كتفسير للحضارة وكتفسير للحياة وتفسير لفعل الخلق نفسه، آمن أمين الخولى بالتطورية والهرمنيوطيقا، كما أوضحت دراسات عبدالجبار الرفاعى المفكر العراقى الكبير، أن أمين الخولى هو رائد الهرمنيوطيقا فى الفكر العربى الحديث وفى موسوعة الهرمنيوطيقا التى ترجمها شيخ المترجمين الأكبر الدكتور محمد عنانى، وهى من 3 أجزاء مذكور بها أن أمين الخولى وبنت الشاطئ هما اللذان أدخلا الهرمنيوطيقا الثقافة العربية المعاصرة، أمين الخولى أدخل النظرية الهرمنيوطيقا بمدرسته فى تفسير أدبى للقرآن، وبنت الشاطئ أدخلت التطبيق الهرمنيوطيقى فى دراستها لدراسة «الغفران» لأبى العلاء المعرى، التطورية والهرمنيوطيقا هما محور تجديد وفلسفة أمين الخولى، وقد قدمت لهذه المخطوطة، وأصدرها المجلس الأعلى للثقافة 1995 فى إطار الاحتفال بمرور مائة عام على ميلاد الشيخ أمين الخولى.
وماذا عن منهجه فى التجديد وكتابه «المجددون فى الإسلام»؟
كما أكدت مرارا أن أمين الخولى شيخ المجددين فى الأصولية وشيخ الأصوليين فى التجديد، فقد رفع شعاره الشهير والسديد «أول التجديد قتل القديم فهمًا وبحثًا ودراسة»، فقد كان يبث أصول التجديد فى كل المجالات المتصلة بإسهامه، ولقد تأتت إسهامات «الخولى» جهوده الأصولية التجديدية فى مجالات تجعلها بنية حضارتنا فى موقع ثقافى محورى، فضلا عن ارتكازها على الثابت البنيوى فيها النص الدينى «القرآن الكريم» فلم يكن للتجديد فى هذه المجالات عند الخولى إلا طريق واحد هو النظر العلمى الذى لا يستقيم بغير الفهم العميق للقرآن
الكريم، فأمين الخولى وريث التيار الإصلاحى، الذى بدأ مع بداية الفكر العربى الحديث، بدأ ببداية رد الفعل على الحملة الفرنسية، وهذا التيار بدأ برائدنا الأول رفاعة الطهطاوى، ولذلك يعد أمين الخولى هو قطب التيار الإصلاحى فى القرن العشرين.
ما الفارق بين أمين الخولى وعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين؟
طه حسن كان حداثيا تنويريا يدور فى إطار المركزية الغربية، فقد كان مفتونا بالحضارة الغربية، وتمنى أن يقطع أصولنا لدرجة أنه أراد أن يخرجنا من دائرة الثقافة العربية الإسلامية ويضعنا فى إطار ثقافة البحر المتوسط وأنشأ الأصول الكلاسيكية للحضارة الغربية فى كلية الآداب بوصفها أصول حضارة البحر المتوسط، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن طه حسين مجدد عظيم على الرغم من أنه كان من فريق المنبهرين بالحضارة الغربية وهى نفس مرحلة الطفولة الفكرية لزكى نجيب محمود الذى كان يقول قبل أن ينفتح على التراث الإسلامى: كنت أتصور أن حل كل مشكلة الأصالة والمعاصرة فى السير وراء الغرب باعا بباع وذراعا بذراع وشبرا بشبر، حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلناه وراءهم، وهذا حل غير سليم، فحتى منتصف القرن العشرين كان هناك عصر الحداثة، عصر الاستعمارية، عصر المركزية الغربية، أوروبا هى نموذج للتقدم الحضارى وحولها دوائر من التخلف يزداد نصيبك من التقدم بقدر ازدياد اقترابك من المركز ويزداد نصيبك من التخلف بقدر ابتعادك عن المركز، وهذا هو الوضع الحداثى، وهذا هو حلم ما يسمون أنفسهم بالعقلانيين العلميين التنويريين، وهم فى الواقع رجعيون سلفيون، لأننا الآن بعد النصف الثانى من القرن العشرين، بعد انتهاء المرحلة الاستعمارية وانتهاء مرحلة الحداثة ومرحلة الفيزياء النيوتنية الواحدية المادية الحتمية الضرورية اليقينية وانفجار عالم النسبية والإحصاء والاحتمال والمنطق متعدد القيم ثم انبثاقة عصر ما بعد الحداثة، عصر التعددية الثقافية، هى ما بعد الاستعمارية، ما بعد المركزية الغربية، ما بعد العلمانية، ما بعد الوضعية، هذه هى المرحلة التى نحياها الآن هى باختصار التعددية الثقافية، كل ثقافة لابد أن تعمل على تأكيد ذاتها وشخصيتها الحضارية وتأكيد ثقافتها، ولذلك فأمين الخولى عندما كان فى مواجهة من سموا أنفسهم التنويريين العلمانيين كان يحافظ على شخصيتنا ويقدم ذاتنا الحضارية كإضافة للخريطة الثقافية وتبنيه للهرمنيوطيقا كمنهج للتفسير، أمين الخولى تتجلّى قيمته فى عصر ما بعد الحداثة عصر التحرر من المركزية الغربية وإثبات الشخصية القومية، فقد كان يحارب المنبهرين بالتراب الغربى وبالتنوير والعلمانية، فقد كان فكره سابقا لعصره فى استبصار لما سوف يطلب العصر، وماذا سيكون الأمر بعد أن تنتهى المرحلة الاستعمارية ومرحلة بعد الحداثية، فأمين الخولى لم يكن منبهرًا بالحضارة الغربية ولكنه كان عميق الاستفادة منها.
تتلمذت على يد الدكتور زكى نجيب محمود أحد أساطين الفلسفة العربية فماذا عن أول لقاء لك معه؟
أعتبر نفسى وريثة زكى نجيب محمود، وتلميذته، فهو وياسين خليل فى العراق هما اللذان أدخلا فلسفة العلوم التى هى أهم فروع الفلسفة، وأكثرها استقطابا لروح العصر، وهما اللذان أدخلا مناهج البحث العلمى الذى هو صميم تخصصى فى الدرس الفلسفى العربى، وكان أول لقاء لى معه حينما كنت أستعد لتسجيل رسالة الماجستير فور تخرجى وتعيينى معيدة بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، واستقر الرأى على تسجيل رسالتى فى فلسفة المنهج العلمى فى القرن العشرين، وكان «كارل بوبر» أهم فلاسفة المنهج العلمى فى هذا القرن، وعلى مستوى البشرية يمكننى القول إن أهم فيلسوفين للمنهج العلمى على مستوى التاريخ الإنسانى كله حتى هذه اللحظة هما الحسن بن الهيثم و«كارل بوبر» وكلاهما أخذ منى حقه، وقد كان الحسن بن الهيثم مجالا لأبحاثى مؤخرا فى هاواى وهولندا وإيطاليا وبلجيكا، ولم يكن أحد فى ذلك الوقت يعرف «كارل بوبر» ولم تكن كتبه موجودة فى مصر، فنصحنى أساتذتى بالذهاب للدكتور زكى نجيب محمود فى أواخر السبعينيات، لأن أعمال «بوبر» موجودة عنده، وكان هذا أول لقاء لى معه، خاصة أنه حصل على الدكتوراه من نفس الجامعة التى كان يعمل بها «كارل بوبر» وهى جامعة لندن، وأصبح ترددى على منزله جزءا من حياتى لقربه من الجامعة، وكلما مررت على منزله ألقى نظرى إلى شرفة منزله بالرغم من أنه مغلق، وأفخر بأننى وريثة له، لكننى أفخر أيضاً بأننى أختلف معه اختلاف الأجيال والمراحل الزمنية.
البعض يرى أن الفلسفة عندما غابت من حياتنا حضر الإرهاب وأن القضاء على الإرهاب فى عقول الأجيال يتطلب أن نبدأ بتدريس الفلسفة فى كل مراحل التعليم فكيف تساعد الفلسفة فى القضاء على الإرهاب؟
الفلسفة نفسها تطرح الحرية والحتمية، لأن الفلسفة لابد أن تطرح الرأى والرأى الآخر، والقضية التى لا يطرح فيها الرأى والرأى الآخر لا تعد فلسفية، فهناك فلسفة العنف وفلسفة السلام وفيها إقصاء الآخر وفيها قبول الآخر، والإرهاب يأتى من التطرف والتطرف هو التزام الطرف الأقصى الواحد والوحيد وربط كل المتغيرات والبدائل لدرجة تجريم وتحريم الطرف الآخر، كما أن التطرف يأتى من العجز عن إدراك الرأى والرأى الآخر، فالفلسفة تعلمنا أن هناك الرأى والرأى الآخر كما قال الإمام الشافعى: «رأيى هو ما يبدو لى صوابا ورأى الآخر ما يبدو لى خطأ»، ويتقابل الرأيان، إلا أنه فى ثقافتنا يغيب الرأى والرأى الآخر ولنكن صرحاء،
فالإرهابيون متطرفون ولكن هناك أيضاً من يتطرفون فى العلمانية وفى رفض الآخر، فمشكلتنا مع تيار الإسلام السياسى أننا شعب لا يقرأ، فالقراءة لا تدخل فى نسيج الإنسان المصرى، ففى السودان نسب توزيع المجلات الثقافية أضعاف أضعاف نسب توزيعها فى مصر، لذلك الذين يأخذون بأننا أصحاب ثقافة إسلامية بجنون متطرفون، فنحن أصحاب ثقافة إسلامية ونخضع للتصنيف العالمى من الثقافات، نحن نعيش فى دائرة تطلق عليها اليونسكو «دائرة الثقافة الإسلامية» تضم 57 دولة تتراوح من أعلى مستويات الثراء إلى أدنى مستويات الفقر، نحن فى دائرة الثقافة الإسلامية التى تتوسط ثقافات العالم، ولنا منظومة قيمية ورؤية للعالم، حتى أن اليونسكو اختارت القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية 2020، والذين يأخذون بالثقافة الإسلامية يأخذونها بجنون والذين يرفضون الإسلام يرفضونه بجنون، فكلنا متطرفون وليس الإرهابيون فقط، لكن الإرهابيين زاد تطرفهم بحمل السلاح والعنف والحركة، لكننا متطرفون جميعا، لأننا غير مثقفين، فالفلسفة تعلمنا أن الرأى فى مقابل الرأى الآخر، الحق فى ضوء الباطل، الخير فى ضوء الشر، الجمال فى القبح، القضية ونقيضها، إذن لو أننا نبث تعليم المناهج الفلسفية فى نفوس طلابنا وهى مهمة جدا لنغرس فيهم منذ الصغر طريقة التفكير الفلسفى والتجريد وصياغة المفهوم والرأى والرأى الآخر، وهذا هو الطريق للقضاء على الإرهاب سواء الإرهاب الإسلامى أو الإرهاب العلمانى.
هناك من يقول إن الفلسفة ما زالت حبيسة برج عاجٍى فما السبب وماذا عن حاجتنا لها فى واقعنا المعاصر؟
هذا طرح مغلوط، والكلام الذى يردده العوام دائما كلام مغلوط، فكيف يمكن أن تكون الفلسفة حبيسة برج عاجى، وهى نشاط إنسانى كالعلم، والفكر، والأدب، والمنظومات الأخلاقية والسياسية لا تهبط من السماء، ولا تسبح فى الفراغ، بل هى انعكاس تجريد وتجسيد لمرحلتها الحضارية، الفلسفة، انعكاس للواقع، ولا أفهم الفلسفة إلا انعكاسا لواقع ما حتى فلسفة الانعزال ورفض الواقع، المطلق والبعد عن الواقع، فلسفة التماهى مع الدورة الأبدية، مع التجربة الصوفية كرفض للواقع، الواقع هو المنطلق فى كل حال، لأن أى شىء إنسانى لابد أن يدور فى الواقع، ولكن الواقع له مستويات وأبعاد، فالفلسفة تتعامل مع الواقع من منظور مختلف قادر على استشراف حسن منهجيات الفلسفة وطبيعة الاستدلال الفلسفى، فالفلسفة قادرة على استشراف الآفاق المستقبلية بقدر ما هى قادرة على استكناه الأصول الأريكولوجية، فالفلسفة هى الواقع المجمل، ولا أستطيع أن أتصور فلسفة بعيدة عن الواقع.
كأستاذة متخصصة فى الفلسفة كيف يمكن الرد على من ينادون بالفصل بين العلم والدين فى عالمنا العربى؟
تعلمنا شيئا مهما أن الدين ليس مجرد دين، فالإسلام ليس مجرد عقيدة وشريعة، فالإسلام دائرة ثقافية، كانت الثقافة الإسلامية العربية قديما وحديثا وفى عصرها الكلاسيكى، حين كانت المركز الحضارى فى العالم وفى العصر الراهن دائما الثقافة الإسلامية العربية قادرة على ضم وتوظيف وتفعيل عناصر وشخوص غير إسلامية، فهناك اليهود والنصارى والصابئة، ولدينا منهم من أهم علماء الرياضيات العرب، والنصارى هم الذين اضطلعوا بعبء الترجمة بحكم ممارستهم الشعائر الدينية، لأنهم كانوا يعرفون النصوص الإغريقية، فاليهود والنصارى والصابئة قاموا بدورهم فى الثقافة العربية الإسلامية، فالإسلام دائرة ثقافية وليس مجرد دين، وأى فصل بين عناصر الثقافة غير واقعى، فالثقافة مجموعة عناصر أو جوانب تضم العلم والدين والفكر، والمنظومات الأخلاقية والسياسية والقانونية والأنظمة التربوية والفنون، كل ما ينتجه الإنسان، والرأى الرشيد يؤكد أنه لابد أن تتعاون جوانب الحضارة معا، فلا أفهم معنى الفصل بين العلم والإسلام، فالعلوم التى أنتجتها الحضارة الإسلامية هى المقدمة الشرطية المنطقية والتاريخية والجغرافية المفضية إلى ثورة العلم الحديث فى أوروبا، كما أن اللغة العربية أول لغة علمية عالمية فى تاريخ البشرية والإسلام هو الذى علم البشرية معنى عالمية العلم، وقبل الإسلام كان العلم لا ينفصل عن قوميته مثل الهندسة الإغريقية والحساب الهندى والفلك البابلى والملاحة الفينيقية، والطب الفرعونى أم الطب العربى، العمارة المصرية أم العمارة الأشورية، وفى أقل من مائة عام كون العرب إمبراطوريتهم التى ضمت كل مراكز العلم القديم، وكل هذا انصهر فى بوتقة العروبة والإسلام وأعيدت صياغته وإحياؤه بلغة أصبحت هى اللغة العالمية للدرس والعلم حتى مشارف العصر الحديث، فكانت العربية هى لغة البحث والدرس فى العالم كله، وكانت تقوم بالدور الذى تقوم به اللغة الإنجليزية الآن. فالعرب هم الذين خلقوا مفهوم عالمية العلم.
تساءلت فى مقال سابق لك بعنوان «هل يفترض التحرر من الموروث للبحث عن موروث آخر» فماذا تقصدين؟ وهل يتعلق ذلك بالأصالة والمعاصرة؟
إن الحضارة العربية مثقلة بكثيرٍ من المشكلات والإحباطات، ومما يؤسف له أنه حتى يوم الناس هذا لم نستطع حل مشكلة الأصالة والمعاصرة التى هى المشكلة الأم، وألاحظ أن الفكر العربى المعاصر بشكل عام مازال غارقًا فى نماذج التنوير والعقلانية والحداثة التى كانت فى القرنين الثامن والتاسع عشر، مازال معظم مفكرينا وفلاسفتنا يرون الحضارة الغربية مثلا أعلى ونموذجا علينا أن نحذو حذوه، فى حين أن عصر المركزية الغربية، العقلانية والحداثة والتنوير والموضوعية واليقين وغيره انتهى منذ أواسط القرن العشرين حتى التجربة اليابانية نفسها بكل روعتها وتألقها أصبحت موضة قديمة إلى حدٍ ما ونحن الآن فى عصر التعددية الثقافية، تعددية المراكز الحضارية التى تقدم نماذج نهضوية مبهرة فى الصين واليابان وإندونيسيا وماليزسا والهند والبرازيل، وللأسف معظم مفكرينا غير قادرين على التحرر من هذا العصر الذى ولى وما زالوا يتحدثون عن تنويرية القرن ال18 وعقلانية القرن ال19 الواحدية المادية والعلمانية، فهم يتحدثون عن حل جاهز، استيراد النموذج الأوروبى، والآن فى عصر التعددية الثقافية وانهيار المركزية الغربية لم يعد هذا الحل متاحا، وأصبحت كل ثقافة لابد من تأكيد ذاتها وشخصيتها الحضارية، وما يؤسفنى أن أشعر أننا متخلفون فى تخلفنا عندما أجد أساتذتنا الكبار الذين مازالوا يبحثون عن النموذج الغربى، العقلانية، الواحدية، المادية، اليقين العلمى، الموضوعية، الضرورة، حتى أصبح الأمر فرض عين علينا فى مصر أن نرتل ذلك ليلا ونهارا، وكأن النموذج الغربى نص قدسى، هل نتحرر من موروث عن طريق تنويرية «إيمانويل كانت» أليس «كانت» نفسه موروثا، «كانت» من العصر الثامن عشر، عصر الفيزياء، الكلاسيكية، وعصر اليقين العلمى والرياضيات، التركيبة، كلها مسائل تجاوزها الدهر، نحن متخلفون فى تخلفنا، هل من المفترض أن نتحرر من الموروث لكى نبحث عن موروث آخر، إذا كان هذا الموروث الآن ماضويا، المطلوب الآن هو التحرر من عصر الحداثة لأنه انتهى ونعيش عصر ما بعد الحداثة، ما بعد الاستعمارية، ما بعد العلمانية، ما بعد المركزية الغربية.
أخيرا.. ماذا عن مشروعك العلمى الذى تسعين لتحقيقه؟
مشروعى العلمى يتلخص فى توطين الظاهرة العلمية فى الحضارة العربية الإسلامية، فتخصصى فلسفة العلوم ومناهج البحث العلمى، وهذا فرع من فروع الفلسفة الغربية لم يظهر إلا مع بداية القرن العشرين فى أعقاب ثورة الفيزياء الكبرى، ثورة النسبية والكوانتم، التى قلبت مناهج ومعايير وآليات التفكير العلمى مائة وثمانين درجة، وبذلت جهدى فى دراسة واستيعاب الظاهرة العلمية وشروطها وعوامل نجاحها وتآلفها، لكن لم أقتصر على ما قاله كارل بوبر وبرتداند راسل وغيرهما من فلاسفة العلم الغربيين، فبعد ما يقرب من 15 كتابا فى استيعاب الدرس الغربى فى توطين الظاهرة العلمية فى الثقافة العربية، حيث بدأت بالتنقيب والبحث فى عوامل وآليات ومعاملات ثقافتنا لأجد أواصر قربى بينها وبين الظاهرة العلمية الغربية بالاستعانة بتاريخ العلم والعلماء العرب وميراث الحضارة الإسلامية الهائل فى ميدان المنهجية، وأصدرت العديد من الكتب أهمها كتابى الأخير «نحو منهجية علمية إسلامية ليست غريبة عن العلم» ومهيأة تماما لاستيعاب مستجداته الآنية والمستقبلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.