جائحة «كورونا» فضحت هشاشة الحضارة الغربية المعاصرة لا ينكر دور المؤسسات الدينية فى مواجهة التشدد إلا جاحد الدكتور أحمد سليمان، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أحد العلماء الذين عملوا فى حقل جودة الدعوة، وطالب بضرورة إيجاد مقاييس معايير لجودة الأداء الدعوى، لقياس جودة العمل الدعوى وتقييمه وتقويمه وتجويده وتحسينه المستمر. وعلى رغم من جهوده المتواصلة فى مجال الدعوة وتجديد الخطاب الدينى فإنه لم يبتعد عن التربية والتعليم، فعمل خبيراً فى جودة التعليم الأزهرى وظل ملتصقاً بالمؤسسة الأزهرية فاختير عضواً بمكتب جامعة الأزهر للتميز الدولى. كتب «سليمان» عدة دراسات فى الثقافة الإسلامية والدراسات الاجتماعية منها مكانة الشهادة ومنازل الشهداء عند الله، ومنهج الإسلام فى مواجهة أوبئة العصر، كما اهتم بالتراجم الإسلامية، إضافة إلى اهتمامه بقضايا استراتيجية مثل قضية المياه، وسد النهضة الإثيوبى ومستقبل الأمن القومى المصرى، وشغل عدة مناصب أهمها المدير التنفيذى لرابطة الجامعات الإسلامية ومستشاراً لعدد من المؤسسات والمراكز الإسلامية، وسافر فى عدة جولات دعوية للتعريف بالإسلام فى عدد من الدول الأوروبية والآسيوية وقارة أستراليا ومساهماً فى تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الإسلام، وقدم نموذجاً دعوياً حضارياً للداعية المسلم، «الوفد» التقت فضيلته وهذا نص الحوار: بداية.. نعيش أزمة حالياً بانتشار الوباء الخطير «كورونا» الذى أحدث شللاً تاماً فى جل أنشطة الحياة فى العالم، فهل حدثتنا عن سنة الابتلاء؟ الابتلاء سنة كونية من سنن الله تعالى فى خلقه وكونه، وهو من طبيعة العيش فى هذه الحياة يأتى للتمحيص والفرز والاختبار تارة ورفع الدرجات تارة ثانية وتكفير السيئات تارة ثالثة. ويأتى أيضاً لتصحيح المسار ولحكم كثيرة يعلمها الله، والقرآن الكريم زاخر بكثير من الآيات التى تتحدث عن ابتلاء الله للإنسان بالخوف والجوع والأمراض والجوائح الطبيعية وغيرها، ومن هذه الآيات قول الله تعالى «ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون» البقرة «155-157» ولقد قاسمت السنة النبوية «القولية والفعلية» القرآن الكريم فى الحديث عن الابتلاء باعتباره سنة ماضية من سنن الله الكونية ومن حكم الابتلاء أن الله جعله ليبين للمؤمنين حقيقة الدنيا الفانية وانها دار غربة وفناء ليتزود المؤمن فيها من الطاعات، أما غير المؤمن فابتلاؤه عقوبة وردع له عن ظلمه وجنوحه وشذوذه، وقد يكون تنبيهاً له من ربه ليحمله على البحث ومن ثم تتحقق له الهداية. وهل هذه الهزة العنيفة التى أحدثت جائحة «كورونا» ابتلاء فى رأيك؟ هذه الأزمة التى تخطت الحدود والأقاليم والأوطان والفوارق العرقية والطبقية والاجتماعية والدينية تجعلنى أوقن تمام اليقين أنها ابتلاء إلهى للبشرية جمعاء، من أجل أن تعيد حساباتها وبالخصوص الفكرية والإيمانية والقيمية، فقد استطاع مخلوق ضعيف إيقاف عجلة الحياة فى أكبر دول العالم وأعظمها وأقواها وأرعب العالم وأدخل الناس بيوتهم كالنمل لتخلو شوارع معظم دول العالم وتفرض الدول حظر التجوال خوفاً من هذا الكائن الدقيق، فأين التقدم والرسوخ فى العلم وأين الغرور العلمى الذى يظنون أنهم يناطحون به الخالق العظيم؟، والجليل فى الأمر أن هذه الجائحة حدثت بغتة، لم تفكر البشرية من قبل فى أن تمر عليها أيام مثل هذه، ولو فعلت لاستعدت بل إن أكثر الدول تقدماً تطلب المعونة والإمدادات، بل ظهر هؤلاء على حقيقتهم لينكشف الغرور والخداع، ضعف الأنظمة الصحية وتهاويها وتهالكها وعدم قدرتها على مواجهة الوباء وهشاشة الحضارة المعاصرة تتجلى هنا، حيث تعانى الدول العظمى من نقص حاد فى أجهزة التنفس الاصطناعى وتبادل الاتهامات والتلاسن بين الدول الكبرى وظهرت الأنظمة الغربية فى الدول العظمى على حقيقتها وانكشف المستور، لقد فضح فيوس كورونا حضارة العصر وكسر كبرياءها وغرورها الأجوف وأبان للعالمين هشاشتها وأكذوبة الدول العظمى والنظام العالمى السائد منذ نهاية الحرب الباردة. وما المنهج الشامل لسلامة الأبدان والنفوس ولمواجهة فقه الأزمة من وجهة نظرك؟ لقد اشتمل ديننا الحنيف على منهج شامل لسلامة الأبدان والنفوس بطريقة لا مثيل لها فى تاريخ البشرية وعلمنا فقه الأزمات والنوازل لتحقيق النجاة من خلال: الطمأنينة والسكينة بالتعلق بحبال الله وكثرة ذكره قال تعالى: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب» «الرعد: 28». المحافظة على الصحة ومقاومة الأمراض وأمر بالوقاية قبل المرض وبالعلاج بعد المرض والتحذير من العدوى والاحتراز بالوقاية والعزل الصحى فى الأوبئة. الدعوة إلى العلاج الروحى والمعنوى وزيادة جرعات الأمل فى رحمة الله وإلى التفاؤل وتوقع أفضل النتائج. الأخذ بالأسباب والتسليم لله العليم القدير والالتزام بالعلاج الجامع المانع والدعاء قال تعالى: «أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء» «النمل: 62» فإننا فى حاجة إلى مزيد من الدعاء وطرق أبواب الله الرحيم. د. «سليمان».. ماذا عن أهمية القيم فى نهضة المجتمع؟ القيم هى التى نهضت بالأمة فى عصورها الزاهرة، وجعل من المسلمين العالم الأول هذه الهيكلية التى تأسست فى الأصل على الوحيين.. قرآناً وسنة، ولئن اعترفنا فى حياتنا السكانية بوجود عشوائيات فى المدائن والقرى نشأت فى غياب التخطيط والمراقبة، فإن فى حياتنا الفكرية والثقافية عشوائيات وفدت إلينا ثم زادت عن طريق الوافد الثقافى الجديد الذى مكن لها فى بيئتنا فعشعشت فى ثقافتنا إننا نريد أن يترسخ فينا الأداء الحضارى المتميز، وأن أعظم القيم وأساس الإيمان بالله تعالى منه تنشأ وبه تقوى وحين يتمكن الإيمان من القلب يجعل المسلم يسمو فيتطلع إلى قيم عليا، فالثبات على القيم حصانة للمجتمع من الذوبان، وتفيض عليه طمأنينة، فمنظومة القيم هى الأساس والقاعدة العامة التى يلزم أن تكون موجودة وفاعلة ومؤثرة لكى ينهض ويتقدم المجتمع، فما فائدة النهوض وذمم بعض الناس خربة، وما فائد ة الدواء إذا كانت ذمة من صنعه خربة، وما فائدة الخطب الرنانة والأحاديث البليغة إذا كان الشيخ يخالف قوله فعله، وما فائدة التعليم إذا افتقد المعلم القيم، لذلك كله قاد المسلمون العالم الأول وأسسوا حضارة شامخة زاهرة علمت الدنيا وأضاءت الكون يوم أن التزموا بالقيم التى جاء بها الإسلام الحنيف. من خلال جولاتك الدعوية فى الغرب وأوروبا كيف يمكن إذابة الجليد والخوف والكراهية من وضد الإسلام؟ نستطيع أن نقرر أن هناك أموراً ترسخ الكراهية والخوف من الإسلام أهمها عوائق التواصل اللغوى بين المسلمين وبين أهل البلاد التى يعيشون فيها وهناك مشكلة حقيقية يراها الأوروبيون الغربيون أنه لا توجد صورة واضحة وموحدة عن الإسلام فهناك السنة والشيعة وهناك السلفيون والمتصوفون والجهاديون إلخ، وبعد أحداث سبتمبر ولندن ومدريد تكون لديهم نوع من الربط بين الإسلام والتطرف ولذلك فإن المجتمع الغربى كله فى حاجة ماسة للتعرف على الإسلام الحقيقى من خلال حوار أكاديمى وخطاب تجديدى تنويرى يظهر قيم الإسلام وعلى رأسها قيم التسامح والتعددية وقبول الآخر، فهم يعتقدون أن الإسلام قضية تهدد أيديولوجيتهم ومستقبلهم وحريتهم ويمكن اذابة هذه المخاوف من خلال استراتيجية متكاملة للتعريف بالإسلام ترتكز على الحوار وتجديد خطابنا للغرب بحيث يكون مبنياً على المنهج العلمى والمنطق، ومنطلقاً من فقه الواقع وأيديولوجيات الدول الغربية وفلسفاتها السائدة والتواصل مع مجتمع الجاليات لسد حاجاتها وتوجيههم إلى مقومات الرشد الحضارى والتعاون العالمى لنشر ثقافة التعايش وسن القوانين الدولية لمنع ازدراء الأديان والمقدسات وإدارة الأزمات بالمنهجية العلمية وإعداد جيل من الدعاة يمتلكون نواصى العلوم الشرعية واللغات ليتحاوروا مع العالم بما يحقق التعايش والسلام والبناء والرخاء للإنسانية جمعاء. أخيراً.. كيف ترى دور المؤسسات الدينية فى مصر فى مواجهة الفكر المتشدد والغلو؟ لا يمكن لمنصف إنكار الدور العالمى الذى يقوم به الأزهر الشريف ومؤسساته المختلفة فى نشر السلام العالمى، وكذلك دور وزارة الأوقاف المصرية بمنابرها الممتدة على التراب الوطنى والتى صارت عصية على المتشددين ودور المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى تصحيح المفاهيم داخلياً وخارجياً، ودار الإفتاء فى تقديم الفتاوى النابهة التى تبرز عظمة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان وتقف بالمرصاد لتفنيد فتاوى التكفيريين، فلولا هذه المؤسسات الراسخة لتغيرت الأمور ولتمكن هؤلاء لا قدر الله من نشر التشدد والغلو فى كل مكان فالتعليم في الأزهر يقوم على منهجية علمية يستحيل معها الانجرار إلى التشدد أو الغلو أو الانحلال، حيث يتعلم الطلاب فى الأزهر علوم الغايات وعلوم الآلات، وعلوم المكملات أى علوم المنقول وعلوم المعقول وعلوم الآلة، إضافة إلى العلوم العصرية الحديثة، ومن ثم ينشأ الطالب على حسن الفهم، وحسن القول وسلامة التفكير والاستنباط فيضع الأمور فى نصابها السليم وفق قواعد الشريعة، على عكس هؤلاء المتشددين أصحاب الجمود والتقليد والفكر الأحادى الذى لا يقبل الآخر ولا يقبل إلا ما يمليه من يقلده.