اللقاءات التي تمت في بداية هذا الأسبوع، بين سيادة رئيس الجمهورية وبين العديد من الشخصيات العامة ورجال الأحزاب، أملا في الوصول إلي توافق حول مواد الدستور. اعتقد أن هذه المقابلات لن تجدي نفعا لتمسك كل فئة برأيها وفكرها ومبادئها. الأمل الوحيد من وجهة نظري، هو إقناع سيادة الرئيس باستعمال سلطته الدستورية، في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة محايدة تماما لوضع الدستور. في تقديري، أن الدستور المزمع تقديمه من الجمعية التأسيسية الحالية، سيولد مسخا لا شكل له ولا مضمون، وفي تقديري سيرفضه أغلب الشعب. فهناك إصرار من كل الفصائل المشتركة في هذه الجمعية التأسيسية - خاصة الإخوان المسلمين - علي سرعة إنهاء هذا الدستور وبالصورة التي ترضيهم، وفي المقابل هناك أيضا إصرار من السلفيين علي أن يصدر الدستور بالصورة التي ترضيهم وتحقق أفكارهم، وهناك المدنيون مصرون أيضا علي إخراج دستور يحقق آمالهم وأحلامهم لمصر الجديدة. إذن... فالخلاف علي مواد الدستور عميق وليس من السهل حله، طالما أن الأغلبية في الجمعية التأسيسية من التيار الديني، وفي غالب سوف يعدوا دستورا متوافقا مع أهوائهم وأفكارهم - باعتبارهم الاغلبية - أما محاولات الدكتور مرسي في اقناع التيارات المدنية بقبول مسودة الدستور، فلا اعتقد أن هذه اللقاءات ستسفر عن شيء، بل ربما ينتهي الأمر إلي انسحاب جميع ممثلي التيار المدني من الجمعية التأسيسية. وأمام كل ذلك، فإني أري أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو حل الجمعية التأسيسية الحالية وتشكيل جمعية جديدة محايدة تماما، ليس لها أي انتماء عقائدي أو حزبي أو ديني، وبحيث تكون مصغرة لا يتعدى تشكيلها الثلاثين أو الأربعين عضواً علي الأكثر، علي أن يكون نصفها من الشخصيات العامة المعروف عنها بالحيدة التامة والنصف الآخر من رجال القانون البعيدين عن أي انتماء فكري أو سياسي، فكلما صغر عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، كلما سهل النقاش بينهم والاقناع والاقتناع. علي أن تطرح عليهم ما انتهت إليه الجمعية الحالية من افكار وآراء لتنقيحها ورفع ما شابها من نقاط للخلاف وتصحيح ما لحقها من قصور. أتمني من الدكتور مرسي الذي أعلن رفضه تماما لتشكيل جمعية تأسيسية جديدة، أن يعيد النظر في قراره هذا لأن مصلحة مصر فوق كل اعتبار، فلا يمكن بحال من الاحوال ارضاء كافة طوائف الشعب المختلفة، إلا اذا صدر الدستور عن جهة محايدة خاصة وأن التشكيل اذا تم بالكيفية التي ذكرتها (محايدة تماما) لن يشكك أحد فيما تصدره هذه الجمعية لحيدتها. هذا ولا يغيب عنا جميعا أن الجمعية التأسيسية الحالية، مطعون علي تشكيلها بعدم الدستورية. وهذا الطعن معروض علي المحكمة الدستورية العليا، فإذا ما قضت المحكمة الدستورية بعدم صحة تشكيل هذه الجمعية وبالتالي بطلانها، فإننا سنكون أمام مأزق قانوني ودستوري حقيقي، إذا ما كانت تلك الجمعية قد أعدت الدستور بالفعل (وربما تكون قد عرضته علي الشعب للاستفتاء) ففي هذا الوضع سندخل في متاهة دستورية وقانونية لا أول لها ولا آخر. وأغلب الظن سيكون الدستور الذي صدر عن هذه اللجنة في حالة الحكم ببطلان التشكيل باطلا أيضا عملا بالقاعدة التشريعية المعروفة (ما بني علي باطل فهو باطل). هذا كله بالإضافة إلي أنه لو تم الاصرار علي صدور الدستور بهذه الكيفية، منحازا لفئة دون فئات الشعب الأخرى، فإنه من المتوقع ومن المتصور أن يثور الشعب ويحصل بين المؤيدين والمعارضين صدام لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالي. فلماذا نجر علي أنفسنا كل هذه الإشكالات؟؟ خلاصة الرأي عندي، أن الإصرار علي بقاء الجمعية التأسيسية كما هي قد يؤدي إلي مشاكل قانونية وصدام شعبي، ونحن الآن في ظروف لا تتحمل مثل هذه الإشكاليات. الحل الوحيد للخروج من هذه الازمة، أن نسرع في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة، يراعي فيها الحيدة التامة، تكون من بين مهمها تنقيح مسودة الدستور الحالية وإزالة نقاط الخلاف منها وعلاج نقاط القصور فيها، ومن ثم الانتهاء من وضع الدستور في أقرب وقت ممكن، حتي تستطيع مصر أن تقف علي قدميها مرة أخري.