سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تكاتف وسائل الإعلام لتنمية الوعى العام المعرفى حصانة ضد الشائعات بحث الفقيه الدكتور محمد خفاجى عن خطر الشائعات فى المجتمع وتأثيرها على الأمن القومى واستراتيجية المواجهة (3-3)
ضرورة نشر المعلومات من قنوات الاتصال الرسمية فى الوزارات والمصالح الحكومية الشائعات من أخطر الأسلحة المدمرة على كيان المجتمعات, وقد أثرت فى بعض الدول التى تفككت بفعلها وسريانها بين الناس خاصة أن ترويج الشائعات فى العصر الحالى يستغل التقدم التكنولوجى فى وسائل الاتصال, وقد تحدث السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى عن خطر الشائعات على المجتمعات فى أكثر من مناسبة وكان يجب على الباحثين دراسة الظاهرة من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والقانونية لحماية المجتمع من شرورها, ونعرض للبحث القيم الذى أجراه الفقيه المصرى المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية بعنوان: «الحماية القانونية للمجتمع من بث الشائعات والأخبار الكاذبة وتأثيرها على الأمن القومى.. دراسة تحليلية فى ضوء الحفاظ على النسق القيمى والبناء الاجتماعى وحماية الأمن القومى واستراتيجية المواجهة للقضاء على الشائعات» إيمانا منا بأن ما نقدمه للقارئ يزيد الوعى بين المواطنين ويبث روح الثقافة حول مخاطر تلك الظاهرة. ونعرض فى الجزء الثالث والأخير لأهم ما تضمنه بحث الدكتور محمد خفاجى عن خطورة الشائعات على المجتمعات واستراتيجية المواجهة فى النقاط التالية: أولاً: نشر المعلومات من قنوات الاتصال الرسمية فى الوزارات والمصالح الحكومية يقضى على الشائعات. يقول الدكتور محمد خفاجى: المعلومات والبيانات والإحصاءات ملك للشعب وهو حق دستورى بموجب المادة 68 من الدستور والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن, وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية, وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها بل والتظلم من رفض إعطائها, كما جعل المشرع الدستورى حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدا جريمة جنائية يتناولها المشرع بالتنظيم. ويضيف أنه ينبغى التأكيد على الدور الحيوى لقنوات الاتصال الرسمية فى الوزارات والمصالح الحكومية فى توفير ونشر المعلومات عن كافة ما يثار من شائعات, ولكن فى بعض الأحداث قد لا تقدم المعلومات الكافية فى حينها أو تحجب بعض الوقت أو التقطير فيها لأى سبب, وفى هذه الحالة يفقد المسئولون قدرتهم على القيام بوظيفتهم على الوجه الأمثل وينجم عنه خلل وظيفى فى البناء الاجتماعى, نتيجة غياب توفير المعلومة التى تفسر الوقائع محل الشائعة. ثانياً: تكاتف وسائل الإعلام لتنمية الوعى العام المعرفى والنقدى يعمل على تحصينه ضد وباء الشائعات، يقول الدكتور محمد خفاجى إن تكاتف وسائل الإعلام المختلفة بات من الأمور المسلمة للحفاظ على المجتمعات من التدهور والانهيار, فيقومون بعرض الحقائق فى حينها وقبل استفحالها, وبقصد تدعيم روابط الثقة بين المواطنين والدولة وتنمية الوعى العام والعمل على تحصينه ضد وباء الشائعات ومصر ذاخرة بالكفاءات الإعلامية القادرة على القيام بهذا الدور المهنى والوطنى, وهذا يتطلب تتبع أثر الشائعة والوصول إلى جذورها بعد توفير البيانات الصحيحة من الوزارات المختلفة والمصالح الحكومية, واستضافة أهل العلم والخبرة للعمل على رفع مستوى الأفراد الثقافى والمعرفى والنقدى لأن الشائعة لا تجد مصيرها سوى لروادها الذين يتصفون بالإيحاء السريع. ويضيف: يجب التمعن فى أن الشائعة ليست من صنع شخص وحيد يحتكرها بمفرده, وإنما يتشارك فى بثها ونشرها مجموعة من الأشخاص, وأن الدورة الزمنية لبقاء الشائعة على قيد التواصل ترتبط بمدى أهميتها لأفراد المجتمع أو قطاع كبير منهم خاصة فى حالات الكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض المعدية مثل وباء كورونا يدفع الناس إلى تناوله فى أنشطتهم اليومية وأغلبهم يعتمد فى الشائعة على الفزع والرعب فى قلوب الناس, وعلى الإعلام دور كبير للتصدى لظاهرة الشائعات لاتصاله بالجماهير مباشرة فيتولى كشفها وبيان حقيقتها غير المشروعة للمشاهدين. ثالثاً: التصدى للشائعات ليس بالأمر الهين وأنادى بإنشاء مجلس قومى متخصص للمواجهة الوقائية للشائعات، يقول الدكتور محمد خفاجى إن التصدى للشائعات ليس بالأمر الهين وليس طريقة ارتجالية تترك لمحض الأحداث والصدف, وإنما هو عمل مركب معقد يعتمد على عدة عوامل متشابكة يجب مواجهتها من جهة ذات خبرة تكون قادرة للتعامل معها, لذا أنادى بإنشاء مجلس قومى متخصص للمواجهة الوقائية للشائعات من عناصر متنوعة من عدة أجهزة ذات الصلة تمتاز بالخبرة والذكاء للتعامل المجتمعى فى جميع المجالات التى تتصل بمصالح الدولة العليا وتكون مهمته رصد الشائعات فى وقت بثها أو قبيل بثها من كافة وجوهها الشكلية والموضوعية وبيان مصادرها الأصلية والمتتابعة ثم يتولى تحليلها من عدة جوانب أهمها مصادر بثها وتحديد أسبابها ودوافعها والغرض منها وجمهور المخاطبين بها, ثم عرض سبل مواجهتها لوأدها فى مهدها بالحقائق والأدلة والبراهين ثم كشف الحقيقة أمام الرأى العام. رابعاً: دراسة طبائع نفوس جمهور متلقى الشائعات من العوامل المساعدة لمواجهتها، يقول الدكتور خفاجى: من المهم أن ندرس طبائع نفوس جمهور متلقى الشائعات خاصة من رواد أهم وسائل التواصل الاجتماعى Facebook وTwitter لانتشارها عليها بصورة موسعة وسريعة, وهم على ثلاثة أنواع: الأول ضعاف الوعى والمعرفة وهم الذين يتلقون الشائعات دونما ثمة تحليل أو فحص أو تمحيص. والثانى المروجون للشائعات وهم الذين يقومون ببثها ونشرها فى المجتمع فى صفحاتهم الشخصية عن عمد ونية, والثالث المواجهون للشائعات, وهم الذين يمتازون بالعقلانية والوعى والوطنية, وأصحاب هذا النوع الأخير يقومون بإجراء التحليل المعقول للشائعة بقصد معرفة حقيقتها والوقوف على مصداقيتها. ومن الخطورة بمكان أن يلتقى الجهلاء مع مروجى الشائعات لأنه بجهلهم يتحولون إلى مروجين للشائعة عن طريق انقيادهم للمروجين الأصليين, لأن الشائعات تتصف بالتغير والإضافة وفالشائعة بطبيعتها تتصف بالديناميكية, فموضوعات الشائعة يتم تغييرها لتصبح أكثر إثارة فى كل مرة تنتقل من فرد إلى آخر حسبما يضيف من خيالاته وأغراضه. خامساً: وسائل التواصل الاجتماعى غيرت من طبيعة الشائعة وطرق تداولها ويجب إبراز الدور الفاعل للإعلام للحد من سرعة انتشارها، يقول الدكتور محمد خفاجى ينبغى أن نشير إلى أن الشائعات تزايدت مع اتساع رقعة استخدام مواقع التواصل الاجتماعى من واتس آب, وتويتر وفيس بوك, وقنوات اليوتيوب, ويمكن القول إن التواصل الاجتماعى غيرت من طبيعة الشائعة وطرق بثها وتداولها ومدى انتشارها وقوة سرعتها, فبعد أن كانت الشائعة فى صورتها التقليدية تنتشر عن طريق السمع أصبحت تتناقل عن طريق النظر والمشاهدة والقراءة أيضاً. وهو ما يتطلب معه إبراز الدور الفاعل للإعلام للحد من سرعة انتشار الشائعات عن طريق إمداد الإعلام بالحقائق فى حينها للقضاء عليها, لذا فإن العمل على خلق ثقافة الوعى وتنميتها هى التى تمكن الشعب من مواجهتها بالرفض بدلا من التصديق. سادساً: من يبث الشائعات يستغل ضعف الوعى واستعداد البعض للانقياد والانسياق, ويجب تبنى استراتيجية موجهة لنشر ثقافة النقد الموضوعى، يقول الدكتور محمد خفاجى إنه لا ريب أن من يبث الشائعات يستغل ضعف الوعى لدى بعض أفراد المجتمع واستعدادهم للانقياد والانسياق لسرعة انتشار الشائعة, مما يقتضى تبنى استراتيجية موجهة لزيادة وعى أفراد المجتمع والعمل على نشر ثقافة النقد الموضوعى فيما بينهم بالالتزام بالموضوعية واَداب الحوار واحترام الرأى والرأى الآخر, للوصول إلى خلق جمهور واع ومحلل وناقد بموضوعية وشفافية. مع ملاحظة هامة تتعلق بالعلاقة الطردية بين الشائعة ونسبة انتشارها, إذ تقوم على عنصرين هما الأهمية والغموض, فكلما زادت الأهمية وكان الخبر مثيراً للجدل وشديد الغموض انتشرت الشائعة فى المجتمع حتى ولو كان المجتمع أكثر وعيا مما يتطلب إيضاح الحقائق فى الوقت المناسب حول الموضوعات الهامة محل الشائعة. سابعاً: مروجو الشائعات يستغلون بعض القصور فى أداء الخدمات أو المسئولين فينشرون الشائعة المغرضة لغضب المواطنين، يقول الدكتور محمد خفاجى إن مروجى الشائعات يستغلون بعض القصور فى أداء الخدمات أو قصور فى أداء المسئولين أنفسهم, فيعمدون لنشر الشائعة المغرضة والمثيرة لغضب المواطنين بقصد نشر البلبلة فى المجتمع, والتقليل من أهمية الإنجازات التى حققتها الدولة خاصة فى مشروعاتها القومية, وتهميش أداء بعض الوزراء فى الوزارات الخدمية المتصلة مباشرة بالجماهير مثل مرافق الأمن والتعليم والصحة والأوقاف وغيرها ومن ثم يكثر بث الشائعة حول القائمين على تلك المرافق بها, وهو ما يفرض على القائمين عليها التصدى لوقف نزيف الشائعات فور صدورها والحيلولة دون السماح لأفراد المجتمع فى بثها ونشرها بصدور تصريحات إعلامية تتميز بالوضوح والدقة والبراهين والأدلة بما يؤدى إلى وأد الشائعة وهى مازالت فى مهدها, والحقيقة أن تلك المرافق قطعت مراحل متقدمة لمواجهة الشائعات وعلى قمتها مرفق الأمن الذى يحمل على لوائه العبء الأكبر فى التصدى للشائعات باحترافية كبيرة, كما أن مرفق الأوقاف قد انتهج نهجا جديدا متسارع الخطى لمواجهة الشائعات الدينية التى تعد من أخطر الأسلحة النفسية فى يد الجماعة الإرهابية. ويضيف أن الشائعات غرضها خبيث لا يهدف إلى المصلحة العامة وتعتمد الشائعة على استغلال بعض نقاط الضعف فى المجتمع من مظاهر سلبية حتى لصغار الموظفين فى أداء الخدمات وكذلك لبعض صور البطالة وحالات الفقر وهو ما يستنهض همة المسئولين فى مواجهتها والتصدى لها بالمعلومات الدقيقة والصحيحة التى تعتمد على الدلائل, ويتعين معه الرجوع إلى المصادر الرسمية التى توفرها الدولة وأجهزتها الإدارية لوسائل الإعلام. ثامناً: (مفاجأة) الدول راعية الإرهاب تستعين بعلماء النفس وخبراء الاجتماع حتى تحقق الشائعات أهدافها وتؤثر على القوى المعنوية للشعوب، يقول الدكتور محمد خفاجى إنه يغيب عن ذهن الكثيرين أن الشائعات الكبرى تمولها دول راعية للإرهاب وهى تهدف إلى إسقاط الدول ولا تعتمد على ناقصى الوعى والإدراك المجتمعى, بل تعتمد على علماء النفس وخبراء الاجتماع والباحثين فى علم الشائعات حتى تحقق أهدافها نحو التأثير على القوة المعنوية للشعوب, وتلك الدول لها أتباعها الذين يروجون لتلك الشائعات منهم عن قصد وهؤلاء نسبة عالية, ومنهم دون تبصر أو وعى وتلك نسبة قليلة وهم الجمهور الذين يبحثون عن وصول الشائعة إليه, لذا ينبغى الاهتمام بحرص وعناية فى هذه النقطة المهمة. ويضيف الدكتور خفاجى أن أدوات المواجهة فى العصر الحديث لم تعد قائمة على الشكل التقليدى المتمثل فى مواجهة الاَلة العسكرية فحسب وإنما باتت قائمة على مواجهة العقول, واَية ذلك أن الحرب النفسية التى تشنها الدول المتناحرة المتصارعة قد تغيرت وتطورت لأشكال جديدة نشأت من صناعة التكنولوجيا ووسائل الاتصال, وأصبحت حروباً باردة تقوم أساسا على حروب الشائعات لضرب البناء الاجتماعى للدول, وكثير من الدول الضالعة فى رعاية وحماية الإرهاب يجندون فى تلك الحروب علماء من ذوى الخبرة فى مجالات علم النفس والاجتماع, وهو ما كشف عنه الطفرة التى تحققت فى مجال الاتصالات السمعية والمقروءة والمرئية من خطاباتها التى تستتر تحت عباءة الزود عن حقوق الشعوب وهى ليست بوصية عليهم, باستخدام الإيحاء وتأثير ظاهرة التكرار. تاسعاً: استخدام الجماعات الإرهابية للشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة جاء بعد فشلهم فى المنصات الإعلامية التقليدية، يقول الدكتور محمد خفاجى إن الشائعات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعى لها دور فى استقطاب الشباب، ويتزايد مخاطرها مع ضعف المواجهة العقابية والمجتمعية وانخفاض الوعى، والحق أن استخدام الجماعات الإرهابية للشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة جاء بعد أن فشلوا فى المنصات الإعلامية التقليدية وفى شن الحروب النفسية ونشر الشائعات بين صفوف الشعب. وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية يجب استنهاض الهمم فى التوعية بخطورة الانسياق لجروبات الجماعات الإرهابية التى تتستر خلف مسميات تعاطفية تدعى مكافحة الفساد, وهى تتخذ من منابر التواصل الاجتماعى وسيلة تثير الفزع بين الناس بحجة الدفاع عن مصالحهم. وبهذا الجزء الثالث والأخير تنتهى هذه الدراسة الهامة عن خطر الشائعات على المجتمعات واسترتيجية المواجهة وجهد وطنى مخلص.