حزب مستقبل وطن يعقد لقاءًا تنظيميًا إستعدادًا لخوض انتخابات مجلس النواب 2025    غلق فوري.. محافظ الدقهلية يتوعد منافذ السلع المخالفة للأسعار والجودة    «تعليم المنوفية»: ظهور حالات «جدري الماء» بمدرسة الباجور خفيف ولا يمثل خطورة    شاريسا سولي تشارك في لجنة القضايا العامة بمجلس الكنائس المصلحة العالمي    المملكة تؤكد في مؤتمر "الأونكتاد" برؤية 2030 ودعم التنمية المستدامة والتحول الرقمي والطاقة النظيفة    حماس: أكدنا لتركيا التزامنا بوقف إطلاق النار رغم خروقات العدو المتكررة    حدود الخرطوم المنتهكة، تقارير تتهم دولة جنوب السودان بنقل أسلحة ومرتزقة لميلشيا الدعم السريع    الحكومة العراقية تجدد عقد إستيراد الكهرباء من الأردن    دخل السجن بسبب «أموال القذافي» وأيّد حظر النقاب.. 44 معلومة عن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق    السيسي يهنئ ساناي تاكاياشي لانتخابها أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان    رئيس الاتحاد السكندري: "تحملت 100 مليون جنيه من جيبي في 3 شهور"    ألونسو: جولر مزيج من أوزيل وجوتي.. مستوانا يتحسن معه    هل يتم تعطيل الدراسة بالمنوفية بعد انتشار الجدري المائي؟ وكيل التعليم يجيب (فيديو)    رفضت العودة إليه.. جيران سيدة مدرسة حي الزيتون ضحية طعن زوجها يروون لحظات الرعب    أبطال وصناع فيلم السادة الأفاضل على الريد كاربت ب "الجونة السينمائي" (صور)    ماجدة خير الله تهاجم لميس الحديدي.. لهذا السبب    منها زراعة 5 آلاف نخلة وشجرة.. «أثري» يكشف الاستعدادات الأخيرة قبل افتتاح المتحف المصري الكبير    مجلس الشؤون الإنسانية بالإمارات يعرض فيلم «ويبقى الأمل» في مهرجان الجونة    نادية مصطفى: محمد سلطان عبقري عصره.. "ويسلملي ذوقهم" مفاجأتي في أوبرا سيد درويش    إمام مسجد الحسين: المصريون يجددون العهد مع سيدنا النبي وآل البيت في ذكرى قدوم الإمام لمصر    رمضان عبد المعز: "ازرع جميلًا ولو في غير موضعه".. فالله لا يضيع إحسان المحسنين    أوقاف الفيوم تنظم ندوات علمية ضمن فعاليات برنامج "المنبر الثابت"    استشاري مناعة: الخريف موسم العدوى الفيروسية ولقاح الأنفلونزا ضروري قبل الشتاء    تحت شعار «قطرة دم.. حياة».. «تربية المنيا» تطلق حملة للتبرع بالدم    رقابة بلا جدوى !    غرائب الأخبارالسبعة    أحمد موسى عن استقبال الجاليات المصرية للرئيس السيسي في بروكسل: مشهد غير مسبوق    لافروف: الدعوات الأوروبية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا ليست صادقة    هل على ذهب الزينة زكاة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الخارجية يدعو التقدم لامتحانات الوزارة: لدينا عجز فى خريجي الحقوق    وزير الكهرباء: الجهاز التنفيذي للمحطات النووية خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة    حقيقة مفاوضات الأهلي مع المغربي بنتايج لاعب الزمالك (خاص)    محمد صبحي: مجلس الإسماعيلي خيب آمالنا ووزارة الرياضة أنقذت الموقف    النائب محمد عبد الله زين: أين الحد الأدنى للأجور؟.. وعضو المجلس القومي: لا تحملوا القطاع الخاص فوق طاقته    انتصار تصطحب ابنها في عرض السادة الأفاضل وتلتقط صورا مع شخصية الفيلم الكرتونية    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب خدمة للطلاب والباحثين بتخفيضات كبيرة    إصابة شاب فى حادث اصطدام ميكروباص بشجرة بقنا    اكتشاف مقبرة جماعية لقتلى عراة فى منطقة تل الصوان شرقى دوما السورية    هل يجوز للمرأة تهذيب حواجبها إذا سبب شكلها حرجا نفسيا؟ أمين الفتوى يجيب    أستاذ علاقات دولية: مصر أصبحت محط أنظار المستثمرين بالعالم خاصة أوروبا    عاجل- مصر تتصدر الدول العربية في استقطاب مشروعات الطاقة المتجددة باستثمارات تتجاوز 161 مليار دولار    برلمانى: القمة المصرية الأوروبية خطوة جديدة لتعزيز الحضور المصري الدولي    تعليم وصحة الفيوم يتابعان التطعيمات اللازمة لطلاب المدارس للوقاية من الأمراض    الصين: القيود الأمريكية على التأشيرات لن تعيق علاقاتنا مع دول أمريكا الوسطى    منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم نجم منتخب المغرب    صبحى يهنئ يد الأهلى بعد التتويج بلقب إفريقيا    "أهمية الحفاظ على المرافق العامة".. ندوة بمجمع إعلام سوهاج    مثالية للدايت والطاقة، طريقة عمل سلطة الكينوا بالأفوكادو والطماطم المجففة    «بيتشتتوا بسرعة».. 5 أبراج لا تجيد العمل تحت الضغط    مقتل 3 عناصر إجرامية فى تبادل إطلاق النار مع الأمن بالغربية    وزير المالية: نتطلع إلى وضع رؤية مشتركة لقيادة التحول الاقتصادي نحو تنمية أكثر عدالة وشمولًا واستدامة    طقس السعودية اليوم.. أمطار رعدية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    بعد فتح الباب للجمعيات الأهلية.. هؤلاء لن يسمح لهم التقدم لأداء مناسك الحج 2026 (تفاصيل)    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    شون دايش مدربا لنوتنجهام فورست    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود علي يكتب: من أين نبدأ؟
مصر.. وبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة (1-5)
نشر في الوفد يوم 12 - 02 - 2020

ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من أخونة الدولة والانزلاق إلى الحرب الأهلية
"أبوشقة": الأحزاب السياسية عمود الديمقراطية والوفد فاعل رئيسى فيها
جماعة الإخوان على مدار قرن وقفت ضد المطالب الوطنية للأمة
الإصلاح السياسى ضرورة ملحة لاستكمال المشروع الوطنى للجمهورية الثالثة
عبر عصور التاريخ المختلفة ومنذ أن وحد الملك مينا القطرين، تأسست ملامح الدولة المصرية حول ضفاف نهر النيل، حيث نشأت أعظم أهم الحضارات الإنسانية القديمة، وتبلورت مكانة مصر كقوة إقليمية فى العالم القديم.
وخلال تاريخها الطويل تعرضت مصر كلما نهضت وقويت لدسائس ومؤامرات القوى العالمية، ولعل ضرب مشروع نهضة مصر ابان عهد محمد على المثال الأبرز والاهم على تحالف القوى الاستعمارية واتفاقهم مجتمعين بتناقضات مصالحهم المختلفة، للحيلولة دون وجود دولة مصرية قوية قادرة على حماية مصالحها، وحماية أشقائها العرب من مطامع الاستعمار.
وقد واجهت الدولة المصرية التحديات والتهديدات الخارجية بما فى ذلك الاحتلال البريطانى والعدوان الإسرائيلى وانتصرت فى النهاية، فاستردت حريتها من براثن الاحتلال البريطانى، واستعادت ارضها من يد العدو الإسرائيلى، الا أن التحدى والتهديد الأخير والأكبر والأخطر فى تاريخها كان نابعا هذه المرة من الداخل بعد أن نجحت جماعة الإخوان فى السطو على ثورة الشعب فى 25 يناير، وكادت أن تنجح فى مخططها الإجرامى الرامى لأخونة الدولة واخضاعها للتنظيم الدولى، من خلال السيطرة على مقدرات البلاد ومفاصل السلطة فيه، بعد أن اقصت الجميع من المشهد.
ولولا ثورة 30 يونيو وانحياز الجيش إلى إرادة الشعب لانهارت الدولة المصرية وتفككت وسقطت فى هاوية الحرب الأهلية، وما كانت لتنجو من المصير الذى كان يراد لها ويخطط له فى سراديب أجهزة الاستخبارات الأجنبية المعادية بالتعاون مع التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، وهو المصير الذى فكك دولا ودمر شعوبا ونهب ثروات ومقدرات الأشقاء من حولنا، كما حدث فى سوريا واليمن وليبيا والعراق والصومال.
ثورة 30 يونيو لم تنجح فقط فى انقاذ الدولة الوطنية المصرية من الانهيار، بل استعادت هيبة الدولة وسيادة القانون واعادت الامن والأمان للمواطنين، وانتصرت فى معركة الإرهاب، وخطت خطوات كبيرة على طريق التنمية والإصلاح الاقتصادى، وحافظت على وحدتها، وعادت لها مكانتها وصدارتها فى المحافل الدولية، وأصبحت قوة إقليمية سياسية وعسكرية كبرى، ولاعبا محوريا لا يمكن النيل منه أو المساس بمصالحه، أو الاستغناء عنه فى خارطة العالم الجديد.
ولا شك فى أن مصر دفعت ثمنا غاليا من مقدراتها ودماء أبنائها خلال السنوات الماضية، ولكنها نجحت وتمكنت من اجتياز هذه الفترة العصيبة والمؤلمة فى تاريخنا بأقل تكاليف ممكنة، مكنت إرادة الامة لتنطلق لإعادة صياغة حاضرها ورسم مستقبلها، رغم قوى الشر فى الخارج والداخل والتى استهدفت مصر وامنها واستقرارها، وسعت لفرض اجندتها الخبيثة على حساب وحدة شعبها وأمنه القومى.
وإذا كانت عجلة التنمية قد دارت، وبات الوطن فى امن وامان من اية محاولات كان يمكن لها أن تعصف بوجوده بفضل التعديلات الدستورية الأخيرة، فإن الامة تتطلع الآن إلى المشاركة بكل قوة فى مشوارها الجديد وهدفها المنشود، وهو الإصلاح السياسى، ذلك الإصلاح الذى يقوم على التعددية السياسية، ويكفل التداول السلمى للسلطة بين القوى الوطنية التى شاركت فى ثورة 30 يونيو، وتصدت لمحاولات تدويل الوطن وجره إلى صراعات تدمر الأخضر واليابس.
وفى هذا الإطار، فإنني اعود الى رؤية المستشار بهاء أبو شقة رئيس الوفد، ورئيس اللجنة التشريعية، والتي عبر عنها مرارا وتكرارا في مختلف خطبه في مؤتمرات الوفد ، وفى تصريحاته الإعلامية المختلفة، والتي تكشف بوضوح عن موقف الوفد من قضية الإصلاح السياسي، واهمية دور التعددية الحزبية الفاعلة، حيث كان من أوائل من تبنوا الدعوة الى ضرورة البدء في عملية الإصلاح السياسي، بعد ان نجت الدولة المصرية من مؤامرات اسقاطها، ورسخت اقدامها على صعيد الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، في ظل المشروع الوطني للرئيس عبدالفتاح السيسي لبناء دولة وطنية حديثة، وتتبلور رؤية المستشار بهاء أبو شقة في النقاط الآتية :
ان ثورة 23 يوليو بإلغائها الأحزاب السياسية وهي عمود الديمقراطية الأساسي أدت الى حدوث فراغ سياسي في الواقع السياسي المصري، فالديمقراطية في حقيقتها كنظام للحكم لا تقوم سوى على الأحزاب التي تتنافس عبر آلية الانتخاب في إطار الرأي والرأي الآخر.
ان الواقع الذى عاشته مصر قبل ثورة 25 يناير، والذى عكس هيمنة الحزب الواحد وهو حزب السلطة على كافة مقاليد الأمور، وعانى فيها الوفد من مضايقات وتضييق للعمل الحزبي، أدى لغياب الديمقراطية، وكان التزوير الفاضح لانتخابات 2010 القشة التي قصمت ظهر البعير، وأحد الأسباب الحقيقية لاندلاع الثورة، بعد ان فقدت الامة أي امل في الإصلاح.
التجربة المؤلمة التي مرت بها مصر خلال الفترة الى قفز فيها الاخوان على السلطة، كانت نتاجا طبيعيا
لعدم وجود أحزاب قوية قادرة على ملء الفراغ بعد الثورة، ولكانت وقفت حائلا امام وصول الاخوان للحكم، ولولا ثورة 30 يونيو لانهارت الدولة المصرية.
الوفد يدعم منذ ثورة 30 يونيو المشروع الوطني للرئيس عبدالفتاح السيسي، والمتمثل في إقامة دولة ديمقراطية حديثة، خاصة انه نجح في خلال فترة وجيزة في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وحقق إنجازات هائلة في مجال التنمية والتقدم الاقتصادي، تمثلت في المشروعات العملاقة الضخمة في كافة المجالات، واصلاحات اقتصادية كبيرة، خاطر فيها الرئيس بالرهان على جزء كبير من شعبيته ولكنه كسب الرهان، لأنه أراد اصلاحا حقيقيا جذريا وليس اصلاحا وهميا او مسكنات كما كان يحدث في السابق.
الحياة الحزبية في حاجة الى وجود تنافس سياسي حقيقي يقوم على أحزاب فاعلة وقوية ، في اطار حزبين او ثلاثة أحزاب على غرار ما يحدث في بريطانيا من تنافس بين حزبي المحافظين والعمال، او في أمريكا بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري ، ولا يعنى ذلك بالضرورة عدم وجود أحزاب أخرى فهذه الدول وغيرها لديها عشرات الأحزاب، ولكن الأحزاب الجماهيرية والفاعلة تعد على أصابع اليد الواحدة، لذلك هناك حاجة ملحة لتفعيل نص المادة الخامسة من الدستور، بما يكفل تعددية حزبية سياسية جادة، والتداول السلمى للسلطة، من خلال ثلاثة أحزاب تعبر عن اتجاهات الشعب المصري الفكرية الرئيسية في اطار اصطفاف قوى 30 يونيو، يمثل فيها الوفد التيار الليبرالي، الى جانب حزبين لتياري الوسط واليسار.
ضرورة قيام الدولة ممثلة وبشكل خاص في الرئيس عبدالفتاح السيسي في تقديم الدعم المعنوي للأحزاب، وان الحاجة ضرورية لقيام الرئيس بدعوة الأحزاب والقوى الوطنية للمشاركة في حوار قومي، لرسم خارطة طريق لمستقبل الديمقراطية والإصلاح السياسي.
الاستحقاقات الانتخابية القادمة سوف تكون الاختبار الحقيقي لقوة وفاعلية الأحزاب، خاصة ان الوفد يؤيد اجراء الانتخابات بالقائمة المطلقة، يخصص فيها 75% لمقاعد القائمة، و25% للمقاعد الفردية، وان تضم القائمة الأحزاب الفاعلة، وان الوفد سيبقى يشكل عمود الخيمة في الحياة السياسية المصرية ولا يمكن الاستغناء عنه، لأنه يمثل عقيدة راسخة لا تتزعزع ليس في وجدان أعضائه فقط وانما في وجدان الامة بأسرها، بتاريخه وثوابته ومبادئه ومواقفه الوطنية على مدار مائة عام.
وتعكس هذه الرؤية المتزنة والمعتدلة منهج عمل لحزب الوفد خلال المرحلة القادمة عبر بناء تحالف ليبرالي واسع بقيادة الوفد، خاصة ان الوفد ينطلق من ثوابت راسخة، ومن موقع المسئولية الوطنية، مؤديا دوره في خدمة الوطن والأمة متجردا من كل هوى، ومدركا حجم الاخطار والتحديات، وان دوره الحقيقي ليس النقد فقط وانما المشاركة في تقديم الرؤى والحلول دون مزايدة.
وفى السياق ذاته، فإننى اعود إلى ما كتبه الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق رئيس مجلس إدارة «اخبار اليوم» عبر سلسلة مقالاته الهامة عن أهمية الإصلاح السياسى، والتى تكاد تحمل رؤية شاملة لطبيعة هذا الإصلاح وخطواته، وأقتبس منه هذه الفقرات لأعود للبناء عليها...
«إذا نظرنا إلى مسألة الإصلاح السياسى بالجدية الواجبة، سيكون الباب الذى ندلف منه إلى عملية تتكامل فيها التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع البناء السياسى فى إطار المشروع الوطنى لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.. أن التراث الأهم لرئاسة السيسى، يجب أن يكون استصلاح التربة السياسية الجدباء فى هذا البلد.. مصر تستحق نظاماً سياسيا رشيداً مستداماً.. هذا البلد يستحق إصلاحا سياسيا يليق بنضال هذا الشعب».
«إن الدولة الحديثة الثالثة التى يرفع عبدالفتاح السيسى قواعدها على أرض مصر، بعد دولتى محمد على باشا وجمال عبدالناصر، لها أعمدة أربعة تقوم عليها وتنهض بها معاً، هى الإصلاح الاقتصادى، الإصلاح الإدارى، الإصلاح الاجتماعى، الإصلاح السياسى... لا يغنى واحد منها عن الآخرين، ولا جدوى لها كلها فى غيبة أحدها... ذلك أن البناء يختل، فلا تستقر الدولة، ولا تبقى...!».
«فالإصلاح السياسى ليس - ولا ينبغى أن يكون- قنطرة عبور يتسلل منها سجناء جماعة الإخوان من المستتابين أو التقياويين إلى الحياة العامة... ولا يجب أن يظن أحد أن الحديث عن الإصلاح هو استعارة مكنية عن المصالحة مع أعداء الوطن، أعداء الشعب، أعداء الحرية، المنتمين للجماعة الإرهابية ».
«الإصلاح السياسى يعنى ترسيخ الحياة الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير والصحافة ومبدأ تداول السلطة وترسيخ مبدأ احترام إرادة الشعب والدستور، وأن القوات المسلحة هى الحامية لإرادة الشعب».
«مصر تستحق نظاماً سياسيا رشيداً مستداماً... هذا البلد يستحق إصلاحا سياسيا يليق بنضال هذا الشعب»، لقد توقفت طويلا امام هاتين الجملتين بكل ما تحملان من دلائل ومعان عميقة وقاطعة وواضحة فى آن واحد، وانتهيت إلى رابط هام ما بين هذا الاستحقاق الذى يدعو إليه «رزق»، واستخدامه لمصطلح «المشروع الوطنى لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة»، وما بين تأكيده على أن الإصلاح لا يعنى «المصالحة مع أعداء الوطن، أعداء الشعب، أعداء الحرية، المنتمين للجماعة الإرهابية».
وفى واقع، الأمر لا يمكن من واقع التجربة والدروس المستفادة من أسباب وتداعيات ونتائج ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وما مرت به مصر من ظروف عصيبة هددت وجودها الذاتى، الا أن نتوقف امام دعوات « رزق»، وامام ما استخلصناه من عبر لتكون لنا سندا وعونا فى إدارة حاضرنا، وبناء افق مستقبلنا، ولضمان تجنب ما مررنا به من ويلات وآلام، وسعى لتقسيم وحدة المجتمع بل وتماسك الأسرة الواحدة.
من هنا ينبغى علينا أن نطرح تساؤلات طبيعية ومشروعة... من اين نبدأ؟ وما هو الطريق لبناء دولة مدنية وطنية ديمقراطية حديثة؟ وكيف السبيل إلى تداول سلمى للسلطة عبر تعددية حزبية حقيقية، وما الضمانات التى تكفل سياجا موضوعيا وليس دستوريا أو قانونيا فقط لمنع تسلل أعداء الحرية ليس إلى سدة الحكم وانما إلى التمدد فى الشارع الذى يملاه الفراغ السياسي؟
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات علينا أن نعود أولا إلى صفحات التاريخ ليس فقط خلال السنوات الأخيرة وانما إلى القرن الماضى بأكمله، لنفهم ماذا جرى، وكيف كدنا نصل بعد سبعة آلاف قرن إلى الصراع والاقتتال الداخلى لما كان قبل الملك مينا وتوحيد القطرين، لولا يقظة الشعب فى اللحظات الأخيرة، وارتقاء الجيش إلى مستوى التحدى وجسامة المؤامرة.
فى الواقع، إن مصر انفتحت منذ أكثر من قرن على ثلاث رؤى فكرية قدمت نفسها على انها النموذج الأفضل لتحقيق مشروع النهضة وبناء الدولة المصرية الحديثة.
تمثلت الرؤية الأولى فى مبدأى «الاستقلال والديمقراطية»، وعبر عنهما المشروع الليبرالى بتنويعاته الفكرية المتعددة من العلمانية المتطرفة إلى الليبرالية المحافظة، وان كان حزب الوفد قد حمل لواءها السياسى فى اعقاب ثورة 19 ليس باعتباره حزبا فقط، وانما بكونه قاطرة الحركة الوطنية، ورغم إنجازاته فى قضايا التحرر والاستقلال والديمقراطية والوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية، الا أن التجربة لم تكتمل لأسباب عديدة أهمها وجود الاحتلال البريطانى، وتحالف أحزاب الأقلية والقوى الفاشية ممثلة فى جماعة الإخوان وحركة مصر الفتاة مع القصر وقوى الاحتلال فى مواجهة المطالب الوطنية، لذلك كان من الطبيعى أن يحكم الوفد سبع سنوات وبضعة اشهر فقط خلال الفترة من عام 1923 وحتى عام 1952، ومازال الوفد حتى هذه اللحظة يحمل لواء الليبرالية المصرية.
بينما تمثلت الرؤية الثانية فى مبدأ «العدالة الاجتماعية»، وعبر عنها التوجه الاشتراكى، بداية من تأسيس أول حزب شيوعى على يد مجموعة من المصريين والأجانب مطلع عشرينيات القرن الماضى، ومرورا بكافة التنظيمات الشيوعية والاشتراكية، وأخيرا تحولت الأفكار الاشتراكية للتطبيق الواقعى فى فترة حكم الرئيس عبدالناصر بتطبيقه للنموذج الاشتراكى سواء من خلال التنظيم السياسى الواحد، أو تجربة القطاع العام فى الجمهورية الأولى، وهى التجربة التى لم تلق نجاحا واعلن فشلها رسميا فى الجمهورية الثانية التى أسست لها ثورة التصحيح وصدور دستور 71 فى الرئيس السادات، وتطبيق التعددية الحزبية والخصخصة فى عهد الرئيس مبارك.
بينما عبر التيار الإسلامى عن الرؤية الثالثة المتمثلة فى قضية «الهوية» بداية محمد عبده، ورشيد رضا، وتأسيس جماعة الإخوان بعد منتصف العشرينيات، والتى حملت من نشأتها عداء شديدا للديمقراطية ورفضت الاعتراف بالحياة الحزبية، وتحالفت مع القصر وقوى الاحتلال ضد الوفد واليسار، وانشأت تنظيمات شبه عسكرية ممثلة فى حركة «القمصان الخضراء» ثم «التنظيم الخاص السرى»، ومارست سياسة الإرهاب والقتل فى مواجهة خصومها، وخرج من رحمها العديد من التنظيمات الإرهابية مثل جماعة «التكفير والهجرة»، ولم يتسنَّ لها الوصول للحكم الا بعد نجاحها فى القفز على ثورة 25 يناير، واستغلال قوى الثورة ضد النظام السابق، والاستعانة بدعم القوى الخارجية، وإمكانيات التنظيم الدولى التابع لها، وتسخير ميليشياتها وكافة الجماعات والتنظيمات الإسلامية فى مواجهة القوى المدنية، ولم تستمر التجربة الا شهورا معدودة، حتى اسقطها الشعب فى ثورة 30 يونيو بمساندة الجيش، بعد أن كادت تقود مصر إلى شفير الحرب الأهلية.
والشاهد فى هذه التجارب الثلاث أن جماعة الإخوان كانت فى ظل التجارب الثلاث ضد الأمانى والمطالب الوطنية، بداية من تحالفها مع القصر والاحتلال البريطانى ضد مطالب الاستقلال والديمقراطية، مرورا بانقلابها على عبدالناصر ومحاولة اغتياله للقفز على السلطة، وتفريخ جماعات العنف والإرهاب فى عهدى السادات ومبارك، وصولا إلى القفز الفعلى على السلطة فى اعقاب ثورة 25 يناير، ولقد استغلت الجماعة كافة الأساليب غير المشروعة من الاغتيالات والتفجيرات وإقامة ميليشيات شبه عسكرية، والمشروعة من استغلال الانتخابات كآلية للوصول للمجالس التشريعية والمهنية والعمالية والاتحادات الطلابية بالجامعات، وأخيرا للوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، ولا تختلف تجربتها عن سوابق عالمية شهدناها، ربما كان ابرزها تجربة وصول الحزب القومى النازى بزعامة هتلر فى ألمانيا للحكم، مستخدما النظام الديمقراطى والية الانتخابات للوصول للسلطة، ثم الانقلاب على النظام الديمقراطى والقضاء عليه برمته قبل أن يقود العالم إلى كارثة الحرب العالمية الثانية.
ولقد تعلمت اوروبا من ويلات هذه الحرب أهم الدروس وهو أن الديمقراطية وآلياتها لا يكفيان وحدهما لمواجهة هذه الأفكار والتنظيمات الفاشية، وانما التأسيس الحقيقى لقيم وثقافة الدولة المدنية الديمقراطية بين جموع المواطنين، والمشاركة الشعبية فى إدارة الشأن العام، والتعددية الحزبية الفاعلة، وإقامة مؤسسات مدنية قوية، وكفالة حرية الاعلام، هو السياج الحامى لاستقرار وامان وسلامة المجتمعات... وذلك ما ينبغى علينا تعلمه... وللحديث بقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.