ستظل حرب أكتوبر صفحة بيضاء فى سجل العسكرية المصرية، سطرت كلماتها بدماء رجال عاهدوا الله على نصرة دينه وتحرير الوطن وأوفوا بالوعد، وستظل قصصهم البطولية سيرة عطرة نرويها لأبنائنا، وملاحم نتغنى بها ونفخر، ورغم مرور 39 عاما على هذه الملحمة إلا ان صفحاتها مازالت تضم أسرارا وروايات بطولية تذكرنا بأيام استعادة المجد والفخار. التقت «الوفد» باثنين من نسور سلاح الطيران المصرى اللذين حصلا على العديد من الأوسمة والنياشين مكافأة لهما على أعمال بطولية كانت سببا فى نصر أكتوبر العظيم، وهما اللواء طيار احمد كمال المنصوري القاتل المحترف للعدو الذى هبط بطائرته فى صحراء الزعفرانة واللواء طيار حسين كسيبة أحد أبرع الطيارين المتخصصين فى حماية الطائرات المقاتلة والذى كان له دور كبير فى انقاذ أرواح عدد كبير من زملائه، روى النسران تفاصيل الضربة الجوية ودور الرئيس السابق مبارك فى الحرب. عندما تتحدث الى اللواء طيار أحمد كمال المنصورى تشعر انك امام شاب فى العشرينات، حماسه يجعلك تتمنى لو انك تقلع معه فى رحلة جوية وتلقى بنفسك من الطائرة مرتديا الباراشوت بالطبع لأن الحياة غالية وواحدة مش لعب عيال، خفة دمه تشعرك انه كان فى نزهة جوية وليست حربا شرسة أنقذه القدر فيها من الموت عدة مرات، جلس المنصورى حاملا خوذته التى كان يرتديها فى حرب أكتوبر وقد كتب عليها اسمه وأوصى بدفنها معه، بدأ المنصورى حديثه بتعريف نفسه قائلا أنا طيار مقاتلات محترف وقاتل ايضا للعدو محترف، ابن النيل والهرم وأبوالهول، جدى جمال عبدالناصر وابويا أنور السادات ومعلمى حسنى مبارك وهذه شهادة فما له له وما عليه فعليه. قال المنصورى إنه شارك فى 500 يوم استنزاف بين مصيبة 67 ونصر 73 شارك فى اول طلعة خرجت فيها 220 طائرة لعبور القناة، وبلغت طلعاته 52 طلعة عمليات فى 17 يوم قتال، بدأ من 6 اكتوبر وحتى معركة 24 أكتوبر الشهيرة التى منعت احتلال السويس، وأضاف إن وقف إطلاق النار كان يوم 22 أكتوبر وحزن الجميع لأننا كنا نود استكمال المعارك لنقضى على اليهود تماما، واستمرت إسرائيل فى خرق القرار وكثفت جهودها وضغطت على الجيش الثالث لزحزحته وقطع طريق السويس عند الكيلو 101 واحتلال السويس لتكون وسيلة للضغط اثناء اتفاقيات فض الاشتباك ولكن الحمد لله تمكنا عن طريق طلعات انتحارية من إحباط خطتهم وصد الهجوم حيث خرجنا ب 8 طائرات فقط وتصدينا ل 30 طائرة اسرائيلية وأسقطنا لهم 6 طائرات وسقط منا 4 طائرات واذكر هنا الشهيد طيار سليمان ضيف الله وكان معنا واشتعلت طائرته فتحدثت إليه وطالبته بأن يقفز من الطائرة بالمظلة إلا انه رفض وقال إن هناك طائرة ميراج أمامه يود إسقاطها فقلت إن الوقت غير كاف وطائرته ستنفجر الا انه قال «وحياة أمى ما أنا سايبه» واطلق عليها صاروخا وفجرها ثم قفز من الطائرة ولم تتركه طائرة اسرائيلية اخرى كانت تتابع ما حدث واطلق الطيار النار عليه وهو يسقط بالمخالفة للقوانين والأعراف وبترت ساقه من أعلى وأخرجت احشاؤه واستشهد. واضاف المنصورى ان الله شرفه بالمشاركة فى أطول معركة جوية من 67 وحتى 73 وكانت فوق خليج السويس يوم 15 فبراير 1973 رغم قرار عدم الاشتباك وقال إن اى معركة تستمر دقيقتين أو ثلاثاً ولكن استمرت هذه المعركة 13 دقيقة، وكانت معركة غير متكافئة حيث كان يستقل وزميله الشهيد طيارحسن لطفى طائرتي ميج 21 بهما 4 صواريخ و400 طلقة ولا تطيران اكثر من 45 دقيقة مقابل 6 طائرات فانتوم اسرائيلية كل واحدة بها 6 صواريخ يعنى 36 صاروخاً وكل واحدة بها 600 طلقة وكل طائرة بها اثنان واحد للقيادة والثانى ليقتل يعنى 12 طياراً وإذا عقدنا مقارنة فى الإمكانيات نقول إننا نركب توك توك وهم يركبون مرسيدس واستهان بنا طيارو العدو وبدأوا فى مناورتنا حتى تنفد ذخيرتنا والبنزين ونسقط ولكننا تمايلنا وناورنا وكأننا نرقص بالطائرات ولكن مع الذئاب، وتمكنت بحمد الله من إصابة إحدى طائرات العدو بعد مناورات وسقطت فى الخليج بمن فيها ونفدت ذخيرتى واوشك البنزين على النفاد فقررت الهبوط فى الصحراء وبالفعل هبطت على طريق الزعفرانة بسلام بصورة لا يصدقها عقل وفوجئت بسيارة نقل فى مواجهتى فانحرفت إلى الرمال وانقذتنى العناية الإلهية من موت محقق بينما تعجل زميله حسن ونزل على سطح البحر واصطدمت طائرته بالشعاب المرجانية واستشهد. أما فيما يخص مواقفه مع الرئيس السابق مبارك فقال إنه تقابل معه بعد الحرب هو وعدد من الطيارين الذين شاركوا فى حرب اكتوبر وناشدوه باعتباره نائب الرئيس ان يتدخل لزيادة مرتباتهم، حيث انهم يركبون طائرات ثمنها بالملايين ولا يزيد راتب الواحد منهم علي 50 جنيها بينما يتقاضى سائق النقل التريلا ألف جنيه، وكان رده انهم حصلوا على نياشين وأوسمة وتم تكريمهم فى شخصه نيابة عن القوات الجوية بتعيينه نائبا للرئيس، وتساءل ما هو الفارق بينكم وبين سائق التريلا؟ فأجبته - والكلام على لسان المنصورى - الفارق اننا نحرص على الموت قدر حرصك انت على الحياة، فقال كيف؟ ورد المنصورى لو ان هناك سرب طائرات هاجم مصر الآن سنركب طائراتنا ونواجهه فى رحلة بلا عودة ونحن نبتسم فأجاب مبارك ان زيادة المرتبات تحتاج لقرار من مجلس الشعب فقلنا له إنك نائب الرئيس وربما تصبح الرئيس وعليك ان تساعدنا فوضع مبارك يده فى جيبه واخرج قماش الجيب فى إشارة إلى ان جيوبه خاوية. وأضاف المنصورى ان مبارك لم يركب طائرة فى الحرب لكنه كان القائد وعلينا ألا نشطب اسمه وتاريخه وحتما سيذكره التاريخ لأن التاريخ لا يزور لقد حاولوا فى عهده اختزال الحرب فى الضربة الجوية وهذا غير صحيح لأن كافة القوات شاركت وراح مئات الشهداء وهناك من خطط وهناك من نفذ والطيران لا يحرر الأرض بل هو جندى المشاة الذى يدخل ويصطاد الفئران، وأقول إن حسنى مبارك له ما له وعليه ما عليه وعلينا ألا ننسى ذلك، وأشار إلى خطاب الرئيس مرسى فى الاستاد عن ثورة 52 ولم يذكر جمال عبدالناصر وتحدث عن حرب اكتوبر ولم يذكر السادات وهو ما اثار استياء الجميع. واثناء الحديث اشار المنصورى الى رأسه الصلعاء وقال نحن من حليقى الرؤوس وفى يوم 6 اكتوبر من كل عام أحلق رأسى « بالموس « لأن الله بشرنا بدخول المسجد الحرام ان شاء الله محلقين ومقصرين ولذلك حلقنا رؤوسنا على اليهود وتعهدنا بأن ننتقم منهم، وقال إن السيدة الصعيدية عندما يقتل زوجها تحلق شعرها وترفض تقبل العزاء إلا بعد ان تثأر له ونحن فعلنا ذلك وأقسمنا على قتلهم هى دى روحنا وقلت لزملائى من لم يحلق رأسه فلن يخرج معنا واستجاب الجميع وكان اولهم زميلى فى السلاح اللواء طيار حسين كسيبة. وعن يوم 6 أكتوبر قال إننا فوجئنا بالاذاعة الداخلية فى جميع المطارات تعمل وسمعنا صوت اللواء طيار حسنى مبارك يقول يا أولاد جه اليوم اللى استنيتوه واللى هتاخدوا بتاركوا فيه، وركبنا طائراتنا الساعة الثانية ظهرا شاهدنا الفتلة الزرقاء وهى قناة السويس ونسميها كذلك لأننا نعبرها بالطائرة فى 3 ثوان وكان السرب فى أول طلعة 220 طائرة وحطمنا خلال دقائق أهدافا كثيرة وكنا ستاراً لبقية القوات التى تعبر القناة حيث عبر الف دبابة والفا مدفع و100 ألف عسكرى فى 6 ساعات. وروى المنصورى قصص بعض الشهداء الأبطال الذين ضحوا بحياتهم من أجل مصر، وقال كان فيه طيار مسيحى اسمه فيكتور نيلسون تادرس قائد سرب «سوخوى» والذى خرج فى مهمة قتالية ضربوا خلالها عدداً من الدبابات ونفذوا المهمة واثناء عودتهم شاهد اصغر طيار فى السرب واسمه بخيت دبابات لم تدمر وترك السرب وغرد خارجه وراح يدمر الدبابات حتى سقط بالطائرة واستشهد، طيار آخر اسمه صبحى الشيخ دخل على مطار رأس نصرانى ونفذ مهمته وأثناء عودته شاهد طائرات ميراج تخرج من الدشم لاعتراضهم فترك السرب وقرر ان يضحى بحياته من أجل ان تعود بقية الطائرات سليمة ودخل بوجه الطائرة فى طائرتين ودمرهما واستشهد، أما عاطف السادات شقيق الرئيس الراحل فقد استشهد ايضا وكان بطلا. الشهيد طيار حسن لطفى والشهيد طيار سليمان ضيف الله. وقال اللواء احمد المنصورى بخفة دم أنا من فرع الشقاوة من عائلة كلها شقاوة جدى اتحكم عليه بالاعدام لأنه كان عضوا بعصابة اليد الحمراء الذين قتلوا السردار، اما عمى فقد حكم عليه بالإعدام مرتين الأولى سنة 56 وأنقذه الفدائى مصطفى شردى، والدى كان من الضباط الأحرار وكان نوبتجى الكلية الحربية فى ليلة الثورة وهو الذى قبض على جميع الوزراء بمن فيهم حيدر باشا وزير الحربية والبسوهم طرح. وأضاف المنصورى انه كان يشاهد الهدف فى شاشة الطائرة ويصوب عليه وقبل ان يطلق القذيفة يقول له ابتسم انت تموت الآن، واضاف انه بعد المعركة كان يرغب فى إرسال رسالة عزاء لسلاح الطيران الاسرائيلى فى ضحاياه ويقول لهم لقد مات طياروكم بسبب غبائهم، وقال المنصورى بخفة دم لقد ضربنا إسرائيل على قفاها 11 قلماً على سهوة. وعن القوات المسلحة الآن قال اللواء المنصورى إن القيادات الجديدة رجال بمعنى الكلمة ومصر الآن لها درع وسيف بهؤلاء الرجال خاصة اللواء طيار مقاتل يونس المصرى قائد القوات الجوية وهو مصرى بحق وقاتل محترف للعدو والويل لكل من يفكر فى اللعب معه. والتقط خيوط الحديث اللواء حسين كسيبة الدفعة 23 طيران وأحد ابطال حرب أكتوبر والملحق العسكرى السابق فى باكستان وهو لا يختلف عن المنصورى فى الشعور بالشباب والحيوية وكأنه مازال فى مقتبل العمر، تشعر امامه بحنية الأب ورزانة الرجال ووقار الشيب، قال كسيبة إن يوم 14 أكتوبر 73 هو عيد القوات الجوية وفى هذا اليوم شهدت سماء مصر أطول واشرس معركة جوية فى العالم شاركت فيها قرابة 160 طائرة على مدى 55 دقيقة، وأسقطنا للعدو الإسرائيلى 17طائرة ما بين فانتوم وميراج ولم يعترفوا بذلك وقتها ولكن انكشف كل شئ عندما جاء الحاخامات والكلاب للبحث عن جثث الطيارين لأن اليهودى الذى لا يعثر على جثته لا يدخل الجنة فى اعتقادهم، وزوجته لا يمكنها الزواج من آخر وفى هذا اليوم تغير عيد الطيران من 23 نوفمبر إلى 14 اكتوبر تخليدا لذكرى هذه المعركة الجوية الشهيرة. وعن الضربة الجوية التى يتحدث عنها الجميع ولا يعرفون التفاصيل قال كسيبة فى اللحظة الحاسمة وهى الثانية ظهر السادس من اكتوبر انطلقت 220 طائرة كان جزء منها مكلفاً بإلقاء القاذفات وهى الطائرات «السوخوى» والباقى كان مكلفا بحماية الطائرات القاذفة لحين الانتهاء من مهمتها وهو السرب الذي كان يقوده كسيبة، وأضاف ان المهمة كان محدداً لها 20 دقيقة وكانت المشكلة فى بطء الطائرة «السوخوى» لأنها محملة بنحو 5 اطنان متفجرات وبدأنا بضرب أجهزة إرسال واستقبال العدو فى وسط وجنوب سيناء وأنهينا مهمتنا فى 22 دقيقة وعدنا الى القواعد. وعن الرئيس السابق مبارك عندما كان قائد القوات الجوية قال اللواء كسيبة إنه أدى دوره فى الإعداد والتجهيز للحرب وكانت بصماته واضحة إحقاقا للحق ولكنه أيضا اخطأ خطأً فادحا فى الضربة الجوية الثانية عندما سمح للطائرات الهليوكوبتر التى تلقى القوات خلف خطوط العدو بالخروج دون طائرات حراسة وكانت النتيجة تدمير 36 طائرة بمن فيها من أفراد الصاعقة وكان عددهم كبيراً. مصطفى شردى أنقذ "المنصورى الكبير" روي اللواء أحمد المنصورى الطيار المقاتل بطولات عائلته وطلب ان نروى قصة عمه ضابط المخابرات ومصطفى شردى مؤسس جريدة الوفد، حيث كان عمه ضابطا بالمخابرات وكان مصطفى شردى ضمن المقاومة الشعبية اثناء العدوان الثلاثى على بورسعيد سنة 1956، وتسلل عمه إلى بورسعيد للتنسيق مع المقاومة والقى القبض عليه وصدر ضده حكم بالإعدام وتم حبسه فى قفص داخل الميناء على البحر وسلطوا على القفص الأضواء ليلا ونهارا حتى لا يتم تهريبه، إلا ان الفدائيين أصروا على انقاذه وأثناء نقله من الميناء هاجمت مجموعة من الفدائيين يتزعمهم مصطفى شردى المناضل البورسعيدى قوة الحراسة وتمكنوا ببسالة من إنقاذ ضابط المخابرات المصرى وتم تهريبه عن طريق بحيرة البردويل. وطلب اللواء المنصورى ان نروى هذه القصة البطولية التى يفخر بها بل وطلب ان نكتب لها عنوان «شردى الكبير أنقذ المنصورى الكبير».