استطاعت سلطنة عُمان أن تنسج إطاراً خاصاً بها فى سجل السياسة الدولية.. ويمكن إطلاق العديد من المصطلحات على الإرث العمانى فى السياسة الخارجية للسلطنة الذى تشكل خلال العقود الماضية منذ عام 1970 عندما تولى المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم.. فهناك مصطلح «دبلوماسية السلام»، ومصطلح «الدبلوماسية العمانية» الذى له طابع رسمى وآخر شعبى يتكاملان فى تقديم النتائج المرجوة بناءً على المعطيات المؤسس لها منذ بواكير النهضة العُمانية، بل أبعد من ذلك فى سجل التاريخ العمانى، لأن السياسة العمانية الحديثة ليست وليدة صدفة بل هى إعادة تعريف دقيق وحصيف لكثير من مقومات الأمس والتاريخ والتحضر العمانى فى سجلات الزمن المعاصر، وهو ما نجح فيه وأسس له المغفور له السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله، عبر وعيه وإلمامه الكبير بالتاريخ ونقده وكيفية الربط بين قيم الماضى والزمن الحاضر فى سياق يؤدى إلى توليد كل ما هو مفيد وله ديمومة واستمرارية فى تغذية المستقبل لصالح الشعوب والإنسانية بشكل عام. وهناك اصطلاحات أخرى يمكن الإشارة إليها من قبيل «الحياد الإيجابى» و«الوسطية» وغيرهما من العبارات والدلالات التى تصب فى خاتمة المطاف فى معين واحد هو قدرة السياسة العمانية على أن تكون ذات مسار واحد واضح ومتصل المعنى، بحيث يمكن للمراقب التنبؤ بالرأى العمانى أو الإفادة المحددة باتجاه موقف أو قضية معينة، وهذا لا يحدث لكثير من الدول، غير أنه كان قد تأسس منهج جلى وواضح جعل لهذه السياسة العمانية ملامح ومفاهيم مبينة، لا تتطلب سوى الإلمام بها للتأكيد على الموقف المعين. الإرث العُمانى هذه القيم والأسس أو المرتكزات والمصطلحات يجب أن توضع فى سجل الإرث العمانى المعرفى والأكاديمى بحيث تطلع عليها الأجيال وتتثقف من خلالها على مقومات هذه النهضة العظيمة التى قامت خلال الخمسين عاماً الماضية، والتى تسير إلى المزيد من المكتسبات مع السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، وهو ما يؤكد عليه المراقبون.. وفى هذا الإطار أعربت دراسة لقسم الدراسات الدفاعية فى كلية «كينجز كوليدج» البريطانية عن تفاؤلها بمواصلة السلطنة لدورها الحيادى المعروف إقليمياً وعالمياً عبر اتباع نهج الحياد الاستراتيجى، فى عهد السلطان هيثم بن طارق باتباع نهج الحياد الاستراتيجى الذى أرسى دعائمه السلطان قابوس بن سعيد، مؤكدة أن العالم أجمع أعرب عن تقديره لما أعلنه من التزام السلطنة بثوابت سياستها الخارجية، وأنه بعث برسالة طمأنينة للعالم أجمع حول استمرارية هذا الدور الذى بات مهمًا، ويخدم العالم أجمع. وقالت الدراسة إن السلطنة تحتل موقعاً استراتيجياً مهماً فى العالم، مشيرة إلى أن السلطان قابوس استطاع عبر سياسته الحكيمة أن يضعها فى مكانة فريدة وسط دول العالم بفضل سياسة الحياد التى اختطها طيلة عهده كوسيط محايد بين الغرب والعديد من دول المنطقة العربية. وأشارت الدراسة إلى أن السلطان قابوس اتبع منذ بداية توليه الحكم سياسة انفتاحية مكنت السلطنة من إقامة علاقات ود وصداقة واحترام مع مختلف دول العالم، وأخذت مكانتها فى مختلف المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية وفى مقدمتها الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية. كما أكدت أن السلطنة استطاعت من خلال حكمته القيام بدور كبير فى تخفيف حدة الكثير من المشاكل والقضايا التى كان يمكن أن تؤثر على أمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع.. وأشارت فى هذا الصدد إلى دور السلطنة فى الوساطة بين إيران والدول الغربية وبين الأطراف المعنية فى القضية الفلسطينية. وأوضحت الدراسة أنه بعد الحرب الباردة، عزز السلطان قابوس من موقعه الدبلوماسى كوسيط محايد مع الغرب، نظراً لأن عُمان ظلت غير منحازة رسمياً، فقد قامت السلطنة بدور محورى فى المفاوضات بين الولاياتالمتحدةوإيران فى عام 2011 واستضافت محادثات بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى وإيران قبل الاتفاق النووى لعام 2015.