تحل اليوم ذكرى ميلاد الدكتور زكي نجيب محمود، فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، وأشهر المفكرين العرب ورائد الفلسفة الوضعية المنطقية في القرن العشرين. نجح في تقديم أعسر الأفكار على الهضم العقلي للقارئ العربي في عبارات أدبيَّة مشرقة، وفكَّ أصعب مسائل الفلسفة وجعلها في متناول قارئ الصحيفة اليوميَّة، واستطاع بكتاباته أن يُخرج الفلسفة من بطون الكتب وأروقة المعاهد والجامعات لتؤدِّي دورها في الحياة. "ياقوت الحموي".. هكذا وصف زكي نجيب، في كتابه معجم الأدباء أبا حيان التوحيدي بأنه فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة؛ لأنه كان أديبًا موسوعيًّا يُحاول مزج الفلسفة بالأدب والخروج بالخلاصة المفيدة والقريبة من عقل القارئ العربي وطريقة تفكيره. اتسم زكي ب الشجاعة الفكرية والقدرة على الاعتراف بخطأ الفكر والإعتقاد والعمل على تصحيحه، حتى ولو أدى هذا إلى اتهامه بالتناقض الفكري، خاصة حين بدأ ينتقد كتاباته السابقة بنفسه فكتب يقول: "وماذا في أن أزداد تفكيرا فأتغير". وكانت رحلة فيلسوف الأدباء مثار جدل لدى النقاد والمفكرين، خصوصًا اهتماماته الفكرية التي تتعلق بنقد الحياة الإجتماعية في مصر، وتقديم نماذج من الفلسفة القديمة والحديثة والآداب التي تعبر عن الجانب التنويري، ويتمثل هذا النشاط في الكتب الثلاثة التي اشترك في تأليفها مع أحمد أمين، والتي امتدت حتى الستينات. دعا الدكتور زكى نجيب خلال رحلته الفلسفية والفكرية إلى ضرورة الاعتزاز بالأسلاف، لعدم إقتصار ذلك على فقهاء الدين فقط، بل يجب أن نضيف إليهم علماء الرياضة والطب والكيمياء والفلك والمؤرخين والرحالة والشعراء والفلاسفة، فهؤلاء جميعًا قد وجهوا جهودهم نحو الكون يقرأون ظواهره ويستخرجون قوانينها، ودعا إلى جعل إسلامنا على النحو الذي كان عليه إسلام الأسبقين فيما يختص بالحياة العلمية. أنهى نجيب محمود رحلته بثلاث كتب عن سيرته الذاتية، بعد شعوره أنه أدى رسالته ولم يعد لديه جديد يقدمه، بالإضافة إلى ضعف بصره الذي اشتد عليه ومنعه من القراءة والكتابة، واستمر فى ذلك الوضع حتى أدركته منيته في 8 سبتمبر 1993م. ولد زكي نجيب محمود في قرية ميت الخولي عبد الله ب محافظة دمياط في أول فبراير سنة 1905م، والتحق بكُتَّاب القرية، وعندما نُقِل والده إلى وظيفةٍ بحكومة السودان أكمَلَ تعليمَه في المرحلة الابتدائية بمدرسة كلية غوردون، وبعد عودته إلى مصر أكمَلَ المرحلةَ الثانوية، ثم تخرَّجَ في مدرسة المُعلمين العليا بالقسم الأدبي سنة 1930م. ورحل المفكر والفيلسوف في 8 من سبتمبر سنة 1993م بالقاهرة، عن عُمرِ ناهز 88عامًاتاركًا إرثاً فكريا ورؤية فلسفية خالدة حتى يومنا هذا.