بأقصى مكان بقاعة محكمة الأسرة بزنانيري، خلف المقاعد الخشبية المتراصة بحكمة وإتقان، تحت نافذة صغيرة زجاجها يقاوم السقوط، وقفت "شروق" الاسم الذي انتفت منه صفة الإشراق، بل تبرأت تمامًا من نسبها له، الزوجة العشرينية، ذات الجسد النحيل والقامة الطويلة والوجه المشرب بصفرة التعب والإجهاد، معلقة ناظريها بالحاجب العجوز وتتبع حركاته ونداءاته، خشية أن تفوتها جلسة نظر دعوى أجر الحضانة التي أقامتها ضد طليقها، لتلزمه بالإنفاق على طفلتها الرضيعة "مها". كانت الزوجة الشابة مردتدية ملابس مرتبكة كهيئتها، وتضفي ملابسها المرتبكة على وجهها شيئًا من الكآبة والوجوم، وتطوق رأسها بحجاب حريري أسود اللون، وتتحايل على البريق الذى هجر عيناها من شدة الحزن والبكاء بخطوط سوداء عريضة. تنتزع "شروق" من شفتيها ابتسامة حزينة وتقول: "تزوجته بعد قصة حب لعبت الصدفة دورًا فى صنعها، حيث تعرفت عليه أثناء زيارتي لصديقتي في المستشفي، وتجاذبنا أطراف الحديث لأول مرة، والحقيقة أنه بدا لي فى هذا اللقاء شخصًا لطيفًا ورقيقًا وحسن الخلق والخلقة، أعترف أنه خطفني بكلامه، ولذلك عندما تقدم لخطبتي وافقت دون تردد". تلمع عينا الزوجة وبصوت منكسر تواصل حديثها: "كنت أظن أنني لن أشعر بالإهانة والخوف وأنا معه، فكيف لي ذلك وأنا أحيا مع من اختاره قلبى؟!، لكني كنت مخطئة فقد اصطدمت بوجه غير الذي عرفته، لسانه سليط يقذفني بأبشع الألفاظ ويهينني بسبب ودون سبب، وأنا أكثر ما يؤلمني أن يهين أحد كرامتي، وإذا أعلنت اعتراضي ورفضي لتصرفاته يسبني ويوبخني، فشكوته لأهله، وفي كل مرة كانوا يحاولون إثنائي عن طلب الطلاق بحجة الحفاظ على استقرار البيت ومستقبل ابنتي الرضيعة، ويتعهدون لي بالحديث معه، لكنه لم يكن ينصت إلا لنفسه ولا يخضع إلا لكيفه". تغافل الزوجة الشابة الدموع وهي تختتم روايتها: "وفي آخر مرة لنا معًا أهانني زوجي كعادته، فلم أصمت وردتها له وأقسمت ألا أبقى معه، ثم استدعيت والده وأصريت على الانفصال، لأنني سئمت من العيش معه وتصرفاته المريضة وأفعاله المشينة، وفاض بي الكيل، وفعلًا طلقني ولكن عاقبني بامتناعه عن الإنفاق على ابنته، فطرقت أبواب محكمة الأسرة أستغيث بها علَّها لترد لي حق ابنتي الضائع".