فرضت البنوك اللبنانية سقفاً للسحب من الحسابات بالدولار، بحيث لا يتجاوز نحو ألف دولار شهرياً. وفرضت بعض البنوك قيوداً أشد. كما فرض عدد من البنوك سحباً أسبوعياً بالليرة اللبنانية لا يتعدى مليون ليرة، أي ما يعادل 660 دولاراً أميركياً بالسعر الرسمي، رغم انخفاض سعر الليرة بنحو الثلث مقابل الدولار في السوق السوداء في الأسابيع الأخيرة. وقالت علياء مبيض كبيرة الاقتصاديين لدى Jefferies International إن توحيد الضوابط الرأسمالية أمر أساسي وجوهري لوقف النزيف والاتجاه بطريق استعادة الثقة المفقودة بين المواطنين والمصارف. وأضافت مبيض: "اليوم التقيت بمستثمرين أجانب سألوا السلطات اللبنانية عن أسباب تأخير تطبيق هذه القوانين "الضواط المالية" بشكل واضح وشفاف، وتطبق على الجميع، لأن هذا يعطي ثقة للمواطنين والمودعين على حد سواء، ويزيل الضبابية الكبيرة بسبب عدم تطبيقها، وبالتالي هذه أول خطوة بإجراءات الطوارئ التي من المفروض على السلطات السياسية والنقدية اتخاذها، وإن أتت متأخرة جداً كما رأينا في العديد من البلدان النامية التي تمر بأزمات ميزان مدفوعات حادة للدرجة التي يواجهها لبنان". وتابعت "هناك مشكلة عدم وضوح وجهة الاقتصاد اللبناني في إطار تخبط السلطة السياسية وحتى حكومة تصريف الأحوال حول مصارحة اللبنانيين والقطاع الخاص والمصارف بحجم المشكلة التي يواجهها البلد، وبالتالي أي شركة أو مصرف سيتردد بوضع أي تمويل بحال لا يوجد وضوح حول حجم الخسائر التي يجب معالجتها وبالطريقة الفضلى. ما الأفضل؟ إعادة هيكلة الدين في إطار خطة سياسة مالية تمتد على 3 سنوات، توضح كيفية تخفيض الدين العام ومساهمة القطاع المصرفي ومساهمي المصارف". وأضافت أن "المصرف المركزي يطلب إعادة الرسملة، لأنه لا يوجد خطة مالية تقول إن هناك تصحيحاً مالياً بنسبة 5% أو 6% سنوياً، أو أن الهدف تخفيض الدين العام إلى 100% من الناتج. اليوم عدم وضوح الخطة وشموليتها يؤديان لاتخاذ قرارات مجتزأة لا تحقق الهدف المنشود والضروري للجم الأزمة". وأضافت أن "الهدف من إعادة الهيكلة هو وضع القطاع الحكومي ووضع المالية العامة على طريق دين مستدام. دين لبنان اليوم أكثر من 150% من الناتج المحلي ونحن نشهد انكماشاً حاداً جداً في الحركة الاقتصادية، أي من المتوقع أن يصل النمو سلبياً من 4 إلى 5% هذا العام وحوالي 7 إلى 12% بحال استمرت الضبابية بالانكماش العام المقبل. نسبة الدين إلى الناتج دون إعادة هيكلتها يمكن أن تؤدي إلى نسبة دين إلى الناتج تفوق 200%، وبالتالي هناك حاجة لوضع الأمور على الطاولة، ولكن لا يمكن القيام بذلك دون وضع خطة مالية على صعيد الإيرادات والنفقات وإعادة هيكلة القطاع العام". "يجب علينا فهم الهدف من إعادة الهيكلة. هل الهدف تضميد جروح فقط؟ أم الذهاب لدين مستدام؟ هناك ضرورة لإعادة هيكلة شاملة للدين المحلي والأجنبي، وخاصة أن لبنان سيبقى لديه عجوزات خارجية كبيرة، وإن ستشح لأن لدينا انكماشاً اقتصادياً ما يعني أن العجوزات الخارجية ستبقى بحوالي 8 إلى 10 مليارات دولار في السنة المقبلة. ونحن بحاجة لتقنين استعمال الاحتياطات الأجنبية، وبالتالي هناك من يضمن أن من بينهم ضرورة لإعادة هيكلة شاملة للدين وليس فقط لدى الدولة. هناك تشابك كبير بين ميزانية مصرف لبنان وميزانية الدولة اللبنانية وميزانية المصارف وعلينا النظر بشكل حثيث إلى ميزانية مصرف لبنان والدين اتجاه المصارف ومقاربة معالجة المديونية العامة من خلال دمج مديونية القطاع ومديونية مصرف لبنان، وهناك سيناريوهات متعددة، وكل ذلك يتطلب توضيح الأهداف وحساب الأرباح والخسائر لكل خيار من هذه الخيارات والاتفاق عليها عبر حوار وطني شامل". وأضافت مبيض "ازدواجية العجوزات في لبنان وضعف الاحتياطات الأجنبية يتطلبان مساعدة وضخ سيولة خارجية من صندوق النقد. هناك ضرورة لتعميق الشراكة مع الصندوق ووضع فريق عمل تقني رفيع المستوى على كافة مستويات المؤسسات المسؤولة عن السياسات الاقتصادية في لبنان من مصرف مركزي لوزارة المالية ولوزارة الاقتصاد لمتابعة هذا البرنامج. لاحظنا أن البلدان التي تلجأ لصندوق النقد الدولي لابد أن يكون لديها فريق عمل من الدرجة الأولى، مع الأخذ بعين الاعتبار الجوانب السياسية والاقتصادية للواقع اللبناني".