أنا واحد من كثيرين لم يكن لهم ناقة ولا جمل عند الإخوان، ولا السلفيين، إنما مصلحتهم عند مصر الوطن، وغايتهم هي تحقيق أهداف الثورة ، ومنع تسلل رموز النظام السابق لإعادة إنتاج الاستبداد ولو من خلال الصندوق ، لذلك عارضنا أحمد شفيق بشراسة، ومازلنا نعارضه لليوم، ونعايره بأنه هارب خارج البلاد حتى لا يواجه العدالة في تهمة فساد واحدة حتى الآن، أما المستفيدون من الثورة والسلطة الذين يجب أن يكونوا في الصف الأول من الجهاد السياسي في مواجهة شفيق وأعوانه فإنهم سارعوا بالهرولة إليه لمّا نما إلى علمهم احتمال فوزه، فماذا لو كان قد فاز، هل كانوا سيقبلون الأعتاب، ويعلنون التوبة أمامه، ويطلبون الغفران ؟. هي هرولة صادمة، وتفسيرها الوحيد أنها انتهازية سياسية ، وإذا كان يمكن تفهم لجوء سياسي لهذا الأسلوب ممن لا يتحدثون عن السياسة الشرعية، ولا يبالغون في الكلام عن الأخلاق، وليست لهم لحىً طويلة، ولا يرتدون الجلباب، ولا يتحدثون بالآية والحديث، فإنه مستهجن جدًا أن يحصل ذلك من أهل الدعوة السلفية الذين دخلوا ميدان العمل العام لكي يقرنوا السياسة بالأخلاق، ويقدموا نموذجًا للحكم الرشيد ذي المرجعية الإسلامية، ويكرّسوا قيم المصداقية والوضوح والصراحة. إنها سقطة من المهرول إلى شفيق الشيخ ياسر برهامي القطب السلفي، والأب الروحي لحزب النور الذي أصبح نجما بعد الثورة، وصار رقمًا مؤثرًا في مسار الأحداث، ويفترض منه أن يتصبب عرقًا وخجلاً الآن تحت وطأة المعلومات التي تتكشف حول لقائه السريّ معه قبل إعلان النتائج الرسمية لانتخابات الرئاسة والذي ظلّ خافيا لمدة ثلاثة أشهر حتى أفشاه الجنرال قبل أيام لغرض في نفسه. استبشرنا خيرًا بدخول السلفيين الساحة بعد الثورة رغم أن كثيرا منهم لم يشاركوا فيها مثل الأقباط - هناك من شارك من الطرفين كأفراد وكسرا لتعليمات القادة الروحيين - بل إن بعضهم حرم المشاركة في المظاهرات واعتبرها خروجًا على الحاكم الذي لا يجوز الخروج عليه حتى لو جلد ظهرك ثم نكتشف اليوم أن بعضهم يخطئ في حق دماء الشهداء بالذهاب إلى قائد الخندق المضاد للثورة لعقد الصفقات معه تحت عنوان خادع وهو الخوف على مصر، ومنع سفك الدماء، وعدم التنكيل بالإخوان. من هذا الذي يجرؤ بعد ثورة الحرية أن ينكل بأحد في مصر مهما كان انتماؤه، أو حتى إذا كان بلا انتماء، والنظام السابق في عز عنفوانه كانت له حدود في التنكيل بالإخوان الذين كنت تخشى عليهم من فوز شفيق، وأعتقد أنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم دون توكيل أحد بذلك، ووقتها لم يقل أحد أنه سيحرق البلد لو فاز شفيق بنزاهة، لكن التحذير كان من الإقدام على تزوير النتيجة على غير إرادة الصناديق والتصويت، فلم يكن ذلك لائقا لمصر الثورة وهي تخطو أولى خطواتها نحو الديمقراطية ،كما أن اللجوء للعنف مرفوض تماما في التعبير عن الاحتجاج في أي حادث أو قضية مهما كانت خطورتها. يا شيخ الهرولة، ماذا كان بمقدور الجنرال أن يفعله للتنكيل بالإخوان، وكيف كنت ستمنعه لو أراد ارتكاب حماقات؟. ألا تدرك أن مصر تغيرت، ولم تعد تدار بأوامر أمن الدولة؟. والرئيس مرسي نفسه ورغم أنه رأس السلطة ليس بمقدوره أن ينكل ب شفيق، أو بغيره، أو بأي تيار يناوئه الخصومة السياسة، وهناك من يوجه إليه ألفاظًا جارحة ومهينة ومع ذلك لا يقدر على التنكيل به، وليس أمامه - إذا أراد - إلا القانون. تبريرات برهامي غير مقبولة، وما أقدم عليه فيه خذلان لنفسه ولمكانته ولمن كانوا يتوسمون فيه خيرًا، وفيه خذلان لقيم الدعوة السلفية وحزبها، ببساطة إنه انتحار سياسي. قبل الأزمة المتفجرة التي يشهدها حزب النور حاليًا كانت توقعاتي أن حظوظ الحزب ستتراجع في الانتخابات المقبلة، ولن يحقق نتائج جيدة كما حصل في البرلمان المنحل بعد فضيحة نائبيه البلكيمي وعلي ونيس، وبعد الأداء البائس لنواب آخرين من محدثي السياسة، بل إن نوابه كانوا من أسباب تشويه صورة البرلمان وتجربة الإسلام السياسي الوليدة ، وتوفير الذرائع للخصوم للانقضاض عليها، وبعد الكشف عن لقاء السحاب "برهامي - شفيق" فإن أسهم هذا الحزب إلى مزيد من التراجع وعدم الثقة فيه. والآن لابد من كلمة تقدير لمن كانوا واضحين منذ البداية وأيدوا شفيق علنًا، أما الذين تسللوا في الظلام ودقّوا أبوابه فلا تقدير لهم عندي.