«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد الكفراوى ل "بوابة الوفد":
الإبداع فى مصر يعيش تحت رقابة أجهزة مدنية وعسكرية ودينية ثورة 19 أحيت الشعور القومى والإحساس بالعزة والكرامة
نشر في الوفد يوم 26 - 09 - 2012

ينتمى «سعيد الكفراوى» للجيل الذى بدأ الكتابة فى ستينيات القرن الماضى، تشكل القرية وضواحى المدن المستبعدة أهم تجلياته، كما أنه يبحث عن شخصياته من هناك، بعيداً فى الضمير المصرى، حيث يكتب عن هؤلاء البشر الذين يعرفهم والذين حملوا أسئلته التى سارت متغيرات حياتنا عبر أربعين سنة.
ظل «الكفراوى» حنوناً ينشد من خلال شكل القصة القصيرة نشيده فى تمجيد الإنسان، حاول معرفة روح جماعته وإدراكه للقيم الأصيلة الضاربة فى جذور الواقع الاجتماعى والسياسى.. كتب «الكفراوى» ثلاثة عشر مجموعة قصصية منها: «مدينة الموت الجميل»، «ستر العورة»، «سدرة المنتهى»، بيت للعابرين»، دوائر من حنين» وغيرها.
كما ترجمت أعماله لعديد من اللغات الأجنبية منها: الإنجليزية والفرنسية والألمانية.. وإلى نص الحوار.
سألناه: كيف يرى مناخ الإبداع فى ظل هجمات التكفير ولعن نجيب محفوظ وتحويل الصحفيين إلى المحاكم؟
- مصر كما نعرف وعبر ستين، سنة تقريباً وهى تعيش هذا المناخ.. والإبداع فى ظل حكم يتجاوز القوانين وحقوق الإنسان ينتهى إلى شكلين من أشكال التعبير، واحد يقاوم على مستوى الكتابة أو ممارسة الفنون بأشكالها المختلفة والثانى: يلجأ إلى الهروب وإنتاج وعى سلبى، وانتماء لسلطة القمع وسلطة الحكم.
هل تؤكد مقولة د. يوسف إدريس القديمة إن الحرية المتاحة فى العالم العربى لا تكفى كاتباً واحداً؟
- نعم لأننا نعيش فى ظل رقابة دائمة عبر أجهزة مدنية وعسكرية ودينية، أعنى رقابة التأسلم السياسى وسيطرة التطرف، وإشاعة مناخ من الرعب.. وفى ظل هذا المناخ تتحول الدولة قليلاً قليلاً إلى دولة دينية، حيث تغيب حرية التعبير، وتشيع قيم الإرهاب والمصادرة ويجمد الإبداع والفكر ولهذا رأينا من يخرج ليطعن «نجيب محفوظ» ومن يغتال «فرج فودة» ومن يهدر دم د. «نصر حامد أبوزيد» واللائحة سوف تطول.. وسوف نكتب ونواجه فلا بديل غير ذلك.
وما قيود الإبداع بعد وصول التيار الإسلامى للحكم؟
- ظل الأدب والقيم الثقافية طوال تاريخها تسعى نحو معرفة تساعدنا على الكشف عن المسكوت عنه، والتصدى لواقع يتسم بالعنف ضد الفكر وحرية الإبداع، وهذه القيود منذ سطوة الناصرية المتمثلة فى أجهزتها التى لم تكن تعرف الرحمة، وظلت طوال تاريخها تنشغل بهزيمة الإنسان، ولسوف تنطلق قيود المصادرة فى ظل التيار الإسلامى ولقد عشنا بشاير هذا الموقف، وسوف نفاجأ بالمصادرة بحجة الحفاظ على الأخلاق الحميدة، وأيضاً دعاوى الدفاع عن الوطن والوطنية، والحفاظ على قيم المجتمع بكل تجلياتها وأشكالها وبالاحتراس وعدم الاقتراب من مناقشة أى من القيم الدينية على مستوى الفكر أو الشخصيات، ولسوف تكون القيود كثيرة مهما حاولنا الكتابة الإبداعية أو الفكر والبحث عن أفق يسعى للحصول على الحرية وفعل الحرية لأن الحرية تستمد مسيرتها وقيمتها من دوافع نبيلة يعيشها الناس من هنا تجىء قيمتها.
مصر ورثت تركة فكرية ثقيلة وفكراً إسلامياً يميل إلى التقليد ولا يمارس التجديد ويستدعى الماضى كيف لك كمبدع أن تتعامل مع هذه المعادلة؟
- نعم.. ولهذا مصر أمة بما انتهت إليه عبر حقب يوليو الثلاث أمة تعيش بصدق فى الماضى وتستدعيه من كل تصورها لمستقبل لم يجيئ قط.. ومصر وضعت أمام نفسها اختيارات كثيرة ليبرالية واشتراكية ورأسمالية والآن تهل علينا الدولة الدينية بجسامة أفكارها وسطوة تكوين كوادرها، كل هذه الاختيارات بسبب سطوة العسكر على شئون الحياة، واستبدلوا سلطة الحكم بديلاً عن سلطة الشعب، فمهما حدثونا عن سيادة الشعب ومصالحه وننظر إلى واقع الشعب المزرى فلا نصدقهم لأننا لم نر فى حكم العسكر إلا الهزائم والأزمات وخروج وطن عزيز من زمن فاسد إلى سطوة دولة دينية مرعبة.
إذن هى فترة ورثت مصر ستين عاماً من اختلاط الأمور واضطراب القيم ورفع الشعارات المتباينة؟
- بالفعل مصر عاشت فى ظل شعارات تبدو على نحو من الانحاء عادلة عن العدالة ومجتمع الكفاية وتحقيق الاشتراكية فهذه شعارات صالحة والناس فى مجملهم آمنوا بها وحاول الأدب والفكر الاقتراب منها باحتراس والتعبير عنها فى المسرح والقصص والسينما، أما ما سوف تأتى به الأيام من سطوة الفتاوى الدينية، وسلطة الشيخ الذى سوف يحرم النص الذى يبحث عن حريته، ويتدخل فيما لا يعنيه، متجاوزاً كل السلطات المدنية بشكلها الحديث، لا يعرف إلا دستوراً واحداً صاغه لحماية سلطته، يتدخل فى خنق حرية التعبير فتغيب الحرية، ويسعى للإتيان بما هناك إلى هنا، فى هذه اللحظة يقع الإبداع والمبدعين تحت سطوة التعصب الدينى وقيم الدولة الدينية.
إذن الإبداع فى محنة؟
- بعد مرور هذه السنوات ومحنة الإبداع فى ظل دولة العسكر.. والآن اختراق الدولة الدينية لقيم الدولة المدنية، نذكر أن الإبداع واجه قديماً كل أشكال القمع إلا أنه استطاع أن يعبر عن قيم الحرية ويواجه سطوة القمع واستدعاء الماضى بكل أشكاله، وقدم «نجيب محفوظ» و«طه حسين» و«يحيى حقى» و«سلامة موسى» و«يوسف إدريس» و«محمود أمين العالم» مشاريعهم وواجهوا قوى التخلف فى مجالات الفكر والثقافة والسياسة وهذا ظاهر فى كل ما كتبوه.
ثورة 1919 كانت انطلاقة للأفكار التى واجهت الكثير من العوائق والقيود السياسية والاجتماعية والدينية فما الذى عطل هذه الأهداف؟
- كانت الدولة العثمانية بقيمها البائدة وسطوتها، وفقدانها أملاكها فى أوروبا وغيرها وإطاحة «كمال أتاتورك» للباقى منها وأطلق عليها الرجل المريض الذى انتهى أمره، وكانت مصر تتهيأ لثورة وظهر حزب الوفد وظهرت عناصر شاركت فى ثورة 1919 وعملت على التغيير وطالبت بالاستقلال، وهذه الفترة كانت مشبعة بالأفكار الواردة من أوروبا مع البعثات التى أرسلها «محمد على» وحفيده الخديو «إسماعيل» والثورة طالبت بالاستقلال التام والخلاص من الحكم الأجنبى، وشارك فيها كل الطوائف وأحيت فى الشعب شعوره القومى وإحساسه بالعزة والكرامة التى أشعلها المثقفون والسياسيون والفنانون، ولقد حققت ثورة 19 كل الأهداف التى قامت من أجلها وتمثلت فى استقلال مصر، ودستور 23 وإسقاط الحماية عن مصر، وواكبت الثورة تيارات جديدة من جيل المثقفين والمفكرين المصريين ينادون بمشروع النهضة مثل: «أحمد لطفى السيد» و«طه حسين» والإخوان «مصطفى وعلى عبدالرازق».. وما سنوات العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات التى شهدت ازدهاراً فى السياسة والثقافة والحياة الحديثة على الأقل بين النخبة التى تقيم تصوراً للحياة جديداً يسوده قيم الازدهار والتنوير فما كان ذلك يحدث إلا بفضل ثورة 1919.
فمتى بدأ التقييد على حرية الإبداع فى مصر؟
- أولاً.. علينا أن ندرك أن حركة الإبداع عبر تاريخها كله، منذ العصور الوسطى هى دائماً فى مواجهة مع شروط التقييد على الحرية، وأساليب المصادرة المختلفة على مر التاريخ تعانى حرية الإبداع من التقييد، ومعناه حضور تراث الماضى الثقيل الذى لم تستطع الثقافة العربية التخفيف من وطأته، وحضوره الذى يحتوى على نشاط إنسانى داخل متنه القديم.
ومع الحضور الجسيم للتراث وفرض شروطه كان التقييد على حرية الإبداع، وعدم الاستطاعة خروجاً عن النص ومن يحاول سيحدث له مثل ما حدث ل«نصر أبوزيد» عندما حاول الخروج عن النص فوجد كل الأبواب مغلقة.
مع وجود هذا الزخم الحوارى ووسائل الإعلام المتعددة والشخصيات الفكرية البارزة لا يستطيع أحد الخروج عن نص التراث الجسيم؟
- نعم.. برغم تطور أجهزة الإعلام ووسائط الثقافة وحركة التعليم والحوارات التى لا تنقطع داخل عالمنا العربى الفسيح.. ومع هذا الزخم الذى من المفترض أن يضع حداثة على نحو من الأنحاء لكننا لا نرى من حقيقة الأمر إلا ذلك المناخ الذى يقوم على التقييد ومصادرة حق الكاتب والمبدع فى التفكير والخيال.
هوية مصر منفردة نشأت من عمقها الحضارى فى الزمان والمكان ما الذى أثر فيها لتنتهى هكذا؟
- رحم الله الكاتب الفرنسى الذى وصف مصر بأنها هى التى صنعت الأبدية مع إن الله هو الذى يصنع الأبدية وحده ولكن علينا أن ننظر لقيمة مصر وحيويتها عبر الأزمان، قالوا عنها فى التاريخ الوسيط من أرادها بسوء قصمه الله، و«ابن خلدون» قال عنها «عاصمة الدنيا وبستان العالم»، وظلت مصر حتى وقت قريب مصدراً لإنتاج الفنون وممارسة الفكر والعلم وكان مدرسها الابتدائى يعلم أمة العرب من اليمن حتى الجزائر مروراً بصحراء العرب، فنوناً وآداب وسياسة حركة صحافة مستنيرة، وكانت الأمة تنتظرها فى المطارات، وعبر محطات القطارات نخبة تشارك نخبة واحدة تمصرت وأبدعت فى مناخ حر قادر على العطاء والفكر والخيال.. وتمد واقع الأمة بالخبرات لصناعة المستقبل.. أسئلة هنا وإجابات هناك ومبدعون فى الأدب والفن والسياسة يحملون أسئلة التنوير.. فجأة تنهار تلك المنظومة، بديكتاتورية العسكر، وبهزيمة يونيو 67 هزمت الأمة وانحرفت بالمسار إلى الحضيض والاستبداد والفساد والتطرف الذى استحضر الإرهاب وكل أشكال القمع والممارسة التى وقعت فى عهود «عبدالناصر» و«السادات» و«مبارك» أدت إلى هذا الانهيار الذى حدث لمصر.
السياسيون طالبوا بالإصلاح السياسى والاقتصاديون طالبوا بالإصلاح الاقتصادى والمبدعون تمنوا مناخاً يساعدهم على الإبداع.. ماذا عن الإصلاح الدينى وخطابه؟
- عرف د. جابر عصفور الخطاب الدينى بأنه مصطلح بشرى الدلالة تماماً من حيث هو نتاج بشرى لعقول يمكن أن تصيب وتخطئ ظلت هذه العقول قابلة لما يصيب البشر إلا فى عصم الله من عوامل النقض، ومن ذلك أى محاولة فى تاريخنا الحديث لتجديد الخطاب الدينى بإخلاص قوبلت بالرفض والتكفير وغلق باب الاجتهاد فى وجه محاولاتها، فما نعيشه من تخلف يعوق إنتاج مشروع خطاب دينى يساعد الأمة على الخروج من أزمتها فى علاقتها بتراثها لاستعادة روح الإسلام السمحة.
هل فشلت كل محاولات تجديد الخطاب الدينى وما السبب فى فشلها؟
- لقد حاول «محمد عبده» و«طه حسين» و«على عبدالرازق» و«نصر أبوزيد» و«جابر عصفور» والمفكرون الكبار فى أمتنا مراجعة تراثنا وطرح أسئلة جديدة على هذا التراث والاقتراب كثيراً من معنى التأويل والتفسير وتاريخية النصوص والنظر إلى المذاهب نظرة تتجاوب مع العصر وتفهم شروطه فى تكوين العمران والتحديث.. لكن إصلاح الخطاب الدينى لا يتم إلا عبر تهيئة المناخ العام ونهضة حقيقية فى التعليم وخاصة التعليم الدينى، أما إذا ظل الأمر هكذا لأصحاب فتاوى عذاب القبر واضطهاد المرأة واللواذ والاستشهاد بنصوص قد تجاوزها الزمن.. ورحم الله من قال: «من كفر غيره من المسلمين فقد باء بها».
وكيف تكون حرية الإبداع بين صراع السلطة والفقهاء والمبدعين؟
- كلما انغلق المجتمع وعاش جدلية سطوة السلطة والفقهاء والمبدعين كلما ضاقت مساحة حرية التعبير وأؤكد أن الكتابة الجيدة هى سعى لحرية يبتغيها الإنسان وظل «جارثيا ماركيز» الروائى الأشهر يؤمن بأن فعل الكتابة متعة ولكنها معاناة أيضاً، وسيظل الصراع قائماً بين المبدع والسلطة، وبين الفهقاء لأن السلطة تعمل على احتواء الناس والفقهاء يعدونهم بفردوس مؤجل، فيما يسعى المبدع لتحقيق حريته والتعبير عن جماعته التى ينتمى إليها.
لكن هناك حساسية شديدة من مصطلح العلمانية والليبرالية فى المجتمع المصرى؟
- كما نعرف الليبرالية تعنى دعوة للدستور والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحرية الاقتصادية والعلمانية تعنى فصل الدين عن الدولة وقد يكون التفسير هو الذى يظهر هذه الحساسية تجاه هذين المصطلحين.
إذن كيف تتشكل علاقة إيجابية بين هذين المصطلحين فى المجتمع؟
- ما يحدث فى مجتمعاتنا من الاستعباد والتهميش والعلاقة المضطربة بين الآخر من هؤلاء الذين يملكون وبين من لا يملكون.. وبين قمع سلطة دينية تبدو وكأنها محاكم تفتيش، وسيادة الخرافة، وحضور الماضى باعتباره الثابت لكل الأزمنة، بالإضافة إلى ظاهرة التعصب والتطرف، وغياب الرأى الآخر وعدم قبوله، وسطوة الإعلام المغيب لوعى داخل بنية زمن يناقض التاريخ!!
ما التنوير المؤسسى على العلمانية؟
- فى السابق قال فرح أنطون مقولة دالة ومعبرة: «إن إصلاح الأرض مسألة علمية لا مسألة دينية، وأورشليم القديمة يجب أن تفسح مجالاً لأورشليم الجديدة»، ومعنى المقولة أن التنوير يعنى الحداثة والعمار والانتقال كما يقولون من الضرورة إلى الحرية ولنتأمل أحوالنا، وما جرى فى الماضى القريب سنجد واقعنا يتسم بقلة القيمة إذا ما قورن بذلك الماضى، لأن التنوير يتبنى فكرة التسامح، والوعى بحقيقة أزمة الفرد، ومن ثم إيجاد شروط جديدة مدنية للخروج من الأزمة.. وهذا هو المطلب أن يكون الخروج نحو دولة مدنية حديثة تقيم مجتمعها المدنى، وتؤمن بالعقل فى الحكم على كل الأمور فهذه هى شروط الاستنارة وخلق واقع يستبدل العلم بالخرافة.
كيف يكون الإبداع فى يد الدولة التى ترفض العلمانية؟
- الإبداع يرتبط بالمبدع فى كل أحواله، ويعبر عنه ويسائل الواقع فى أشد المجتمعات ظلامية كان الإبداع يضىء هامات البشر، وللنظر إلى روسيا القيصرية، كان هناك «تولستوى» و«تشيكوف» و«ديستوفسكى» بل فى روسيا الشيوعية نفسها ظهر «باسترناك» وفى أصعب الظروف الإنسانية كتبت أجمل الأعمال وأعظمها، فمهما كانت سطوة الدولة عبر مؤسساتها فإن الإبداع يجد لنفسه نافذة ليطل على العالم، وأيضاً فلنقرأ تلك النصوص التى كتبت فى السجون وعلى ضوء الشموع، فلا أحد يستطيع أن يسكت صوت الإبداع الحقيقى أو يطفئ ذلك الضوء الذى ينير طريق الناس.
ما محرمات الإبداع فى مصر؟
- محرمات الإبداع للحذر من نقد السلطة والخلاف معها.. والجنس والدين ومرجعياته تابوهات محرمة على المبدع عدم الاقتراب والتصوير وأحذره من التجريب فى كل أشكاله.
ما تجربة سعيد الكفراوى التى بدأها منذ ستينيات القرن الماضى؟
- أنا أنتمى للقرية المصرية لأننى عشت طفولتى وصبايا وأول شبابى فى القرية وتشكل وعيى ومعرفتى الأولى بالعالم من القرية وطقوسها مثل «خيرى شلبى» و«محمد مستجاب» و«عبدالحكيم قاسم» لأننا حافظنا على الذاكرة المصرية من الاندثار والزوال وأعتبر أننى من الرعيل الذى استطاع أن يعبر بشكل فنى عن الجماعة التى ينتمى إليها وهم الفلاحون والعجائز المرتبطون بالأرض بقدر من الحنين والعشق والمحبة، وهذا الارتباط تكون من الحكاوى القديمة والأساطير ومن سؤال الحياة والموت وطقوس الأفراح والميلاد.. وجدتى علمتنى الكثير وكان لها تأثير علىّ لأنها كانت تجيد الحكى وقص القصص وتعلمت منها أن البلاد بلاد الله والزرع مثل الأجاويد يشيل بعضه والخوف طبيعة الضعاف والفطرة هى مرجعيتى وأن الإنسان أكثر الأشياء احتراماً ونعمة.. ثم فترة المحلة الكبرى وتأسيس نادى الأدب منتصف الستينيات مع «نصر أبوزيد» و«محمد المنسى» و«جار النبى الحلو» و«محمد فريد أبوسعدة» ثم انضم إلينا د. «جابر عصفور» وكان فى الليسانس وهذه المجموعة أضافت إضافات مهمة جداً للنص الأدبى المصرى.
وماذا عن مجيئك إلى القاهرة؟
- جئت القاهرة فى عام 1966 وكنت أحضر الندوات وأذهب للمسرح ولم أكن أعرف أين يجلس «نجيب محفوظ» وفى عام 68 تقابلت مع «جمال الغيطانى» فى ميدان العتبة وسألته: أين يجلس الأدباء الشبان؟.. فقال: نحن نجلس على مقهى «ريش» حول «نجيب محفوظ» فذهبت إلى هناك ووجدت «محفوظ» جالساً وحوله زهرة شباب هذا الجيل، وأصبحت جزءاً من هذه الحلقة وكنت فى هذا الوقت ممن يحركون الحدث الأدبى.
وكيف اشتركت فى مظاهرة وسط البلد وهذا كان مستحيلاً فى زمن عبدالناصر؟
- نعم.. فى هذا العهد لم تكن توجد مظاهرات ولا أحد يستطيع أن يعارض ولكن اليهود قاموا بعمل خسيس وصغير عندما نسفت «غسان كنفانى» بالروائى الفلسطينى الكبير، وكنا محتارين ولا نعرف ماذا نفعل إلى أن قررنا أن نتظاهر، فأرسلنى «يوسف إدريس» لأحضر لافتات من القماش، وكتبنا عليها «تسقط أمريكا وإسرائيل.. إنهم ينسفون الأدباء»، وخرجت المسيرة من مقهى «ريش» لتسير فى شوارع وسط البلد وكانت إحدى الأعاجيب فى ذلك الوقت، وما أن انتهينا جاء «شعراوى جمعة» وقبض على «يوسف إدريس» وتم التحقيق معه.
ما تأثير نجيب محفوظ وأدبه فى حياتك؟
- نجيب محفوظ له تأثيرفى حياتى على مستويين الأول استفدت من تجربته كثيراً وقرأته بشغف ومحبة، وكنت فى فترة أكتب مثله.. الحدث الثانى أن نجيب محفوظ فى حياتنا هو أحد البشر الذين أنظر إليهم باعتباره كاهناً مصرياً قديماً قادراً على العمل والإبداع، ولم يهزمه الزمن إلا عندما هزمه جسمه، وبالرغم من هزيمته استطاع أن يخلق نصاً يستوعب قدراته الإبداعية فكتب «أحلام فترة النقاهة»، والمدهش أنها مع «أصداء السيرة الذاتية» يعتبران من أبدع ما كتبه فنان لأنهما يحتويان على الشعر والسرد القصصى، وهى الحكمة المفرطة حكمة رجل خبر الدنيا عندما طرح سؤاله عن الوجود والحياة والموت والبداية والنهاية وعن الأبدية.
هل نجيب محفوظ قدم واقعة اعتقالك فى أحد رواياته؟
- نعم فقد اعتقلت عام 1970 لأنى كتبت قصة بعنوان «المهرة» وفهمت بمعنى رمزى فمكثت بسجن القلعة «6» أشهر، وكان يتم التحقيق معى بطريقتين فى الصباح يحققون معى على أنى من تنظيم الإخوان المسلمين، لأن كان لى أخاً فى تنظيم 65 إخوانياً وفى المساء يحققون معى باعتبارى شيوعياً وأخيراً لم يجدوا شيئاً جنائياً، لأن القصة كانت عن «مهرة» يركبها الأخ الكبير، ولكن الأخ الصغير طمع فى أن يركبها، وأفرج عنى مساء من القلعة ومشيت على قدمى حتى مقهى «ريش» فوجدت نجيب محفوظ جالساً هناك بمفرده، وقال: احك لى يا «كفراوى» ما حدث معك لكن بالتفاصيل الممل، وبالفعل حكيت ما حدث معى بالضبط ثم طيب خاطرى.. ثم بعد فترة أصدر رواية «الكرنك» وقال لى: يا «سعيد» أنت فى «الكرنك» «إسماعيل الشيخ» رسم شخصية من المحلة الغربية مثلى.
لماذا لم تكتب الرواية وجيلك كتب روايات ود. جابر عصفور قال: الزمن زمن الرواية؟
- أولاً.. أنا أرى أن القصة القصيرة شكل يلبى حاجتى وأنا أحبه، وهل لابد أن أكتب رواية لأتواجد، ما أنا متواجد بين الناس وبهذا الشكل البديع.. ولابد أن يوجد للقصة القصيرة التى يدعون أنها فن انتهى أحد يدافع عنها ويجددها ويضيف إليها، وبالطبع أنا لا أعرف هل أكتب رواية أم لا؟ ولكن توجد رواية طويلة أنا مشغول بها.. ومقولة د. جابر عصفور أن الزمن زمن الرواية بالطبع لا الزمن ليس زمن نوع من الفنون أو الآداب أو الإبداع، لأن «تشيكوف» و«هيمنجواى» و«موبساه» و«كفكاه» كل هؤلاء مازالوا مستمرين فى الزمن رغم تقلب الأزمنة والأحوال.. فأنا لست منزعجاً لأنى أكتب قصة فقط.. المهم أن أكتب كتابة جيدة وأن أعبر عن الجماعة التى أنتمى لها.
ما ذكرته من كتاب كانوا يعبرون عن طوائف محددة فماذا تعنى الكتابة لدى سعيد الكفراوى؟
- بالفعل فقد كان «موبساه» يعبر عن البغايا والعاهرات و«تشيكوف» يكتب عن المهمشين والمظلومين، ورجال العيادات وساكنى المستشفيات والحوزى و«هيمنجواى» كتب عن المغامرين والرحالين وصيادى الأسماك ومصارعى الثيران، وهكذا كتبوا قصصهم التى هى الشكل الأمثل للتعبير عن تجربتهم والكاتب اللاتينى «خوخيليوس بوخس» فى إبداعه سطور تقول إن ذلك الرجل الذى حلم يوماً أن يرسم البحار والمحيطات والخيول والنمور والغابات والمرايا ويرسم الماضى والحاضر قبل أن يموت تأمل ما رسمه فوجد أنه قد رسم وجهه لأن ما رسمه هو نفسه وذاته، وهكذا الكتابة عندى هى سعى للمعرفة ومجابهة لأحوال الحياة والموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.