حفظ لنا التاريخ السياسى الكثير من أساليب الترغيب والترهيب.. عرف المنح السياسية.. وعرف أيضا سياقف السلطان وبطشه الذى كان ينفذ اشارات السلطان دون مناقشة.. ويطير رقاب معارضيه دون أن يهتز له جفن.. ووجدنا كثيرًا من ذلك فى أدبيات السياسة والحكم فى مختلف العصور الإسلامية.. فمن أطاع السلطان منحه وأعطاه.. ومن عارض أطار رقبته. واللافت للنظر أن ذلك المسلك ارتبط بكل دولة قامت على أساس دعوى.. أى انطلقت من دعوة عرفنا ذلك عندما خطط رجال الدعوة العباسية لقيام دولتهم على أنقاض الدولة الأموية.. وعرفناه - هنا فى مصر - عند نشأة الدولة الفاطمية فيها وحاولت هذه الدولة الشيعية تغيير مذهب المصريين من السنة إلى الشيعة.. والغريب أن كل هذه الدول عاشت دهورا من القهر ومن الخنوع.. ولم يتورع رجالها وقادتها حتى عن قتل رجالهم والتخلص منهم، خشية أن ينقلبوا عليهم. هذا هو الحجاج الثقفى عندما كلف بالقضاء على ثورة أهل العراق الذين تشيعوا للامام على بن أبى طالب فلما نجح فى القضاء على قادتهم توجه إلى المسجد وصعد المنبر وخطب فيهم وقال قولته الشهيرة.. «أنا ابن جلا» ثم اضاف.. انى أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها.. وإنى لقاطفها».. فهل بعد ذلك تهديد.. وهو القائل أيضا.. «متى أضع العمامة تعرفونى». ثم بعد قرن ويزيد قليلا يجىء أبومسلم الخراسانى الداعية الأكبر للعباسيين الذى كافح حتى قامت دولتهم وتربع أبوجعفر المنصور على العرش، وهو الذى عرفه التاريخ باسم: أبوجعفر السفاح الذى قضى معظم عهده يحارب الذين ناصروا بنى آمية، وقضى على أعقاب الأمويين حتى أنه لم يفلت منهم إلا عبد الرحمن الداخل الذى هرب وأسس الدولة الأموية فى الأندلس. ولمن لا يتذكر نقول إن هذا «السفاح» وجه همه بعد ذلك حتى للفتك بمن ساعدوه فى تأسيس دولة.. فقتل أبوسلمة الخلال.. بل هم بقتل أبومسلم الخراسانى لولا أن عاجلته منيته، كما قتل ابن هبيرة أحد قواد مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية.. بعد أن أعطاه الأمان.. فما اشبه اليوم بالبارحة.. وهذا ما نراه الآن، فى مصر بالذات وخصوصًا الكلام عن «الخروج الآمن». فلا أمن ولا أمان لمن ينشئ دولة.. بعد طول نضال وانتظار.. وعودوا للتاريخ. بل هذه المقولة التى صارت مثلاً وحتى على ألسنة الناس مقولة: ذهب المعز.. وسيفه.. إذ رغم أن الخليفة المعز جاء مصر بعد سنوات من فتح جوهر القائد لها وأسس له مدينة القاهرة.. ورغم أن المصريين استقبلوا المعز بالفوانيس والطبول والترحيب إلا أنه لجأ إلى تقديم الذهب لهم فى محاولة لاستمالتهم واقناعهم بمذهبه الشيعى.. فمن لم يوافق أو يقتنع كان عقابه التلويح بالسيف لقطع رقبته.. أى أن من لم يقتنع بالذهب وعطايا الخليفة الجديد كان عقابه قطع الرقبة.. بالسيف.. وما اغراق كل المصريين بالهدايا والاحتفالات والحلويات إلا تعبيرًا عن سياسة الذهب وإلا.. فالسيف جاهز لقطع الرقاب!! ونحن الآن نعيش عصرًا مماثلا.. فالسلطان أو الخليفة الجديد - يقدم الهدايا والمنح والحوافز والأموال.. وهى فى عصر الخليفة الجديد: رئاسة مجالس إدارات الصحف ورئاسة تحريرها.. وهى عضوية المجالس القديمة من المجلس الأعلى للصحافة.. والمجلس القومى لحقوق الإنسان.. وسبقتها عضوية البرلمان بمجلسيه والحقائب الوزارية ثم المحافظين ومجالس المستشارين والمساعدين.. وكلها الآن من نصيب الأعوان «وزملاء النضال» أو ممن يطلب تأييدهم.. أى لتكوين كتائب المؤيدين.. وكلهم هنا من عشاق ذهب السلطان الجديد.. أو ممن يخشون نصل سيوفه. والسيوف هنا لا يشترط أن تكون سيوفًا حقيقية.. بل هى لسان أعضاء الجماعة ومؤيديهم وما أكثرهم، فى مواجهة مع المعارضين أو من يجرؤ على رفع رأسه.. إذ تجرى الآن عمليات سحل على أحدث طراز أى من خلال «الفيس بوك» أو «تويتر» والدفع برجالهم يدلون برأيهم فى كل القضايا حتى التى لا يفقهون فيها.. وتجرى عمليات تشويه كل المعارضين بأسلوب القهر الكلامى من خلال برامج التليفزيون الحكومى بعد إبعاد كل معارضيهم.. ثم أيضا لا ننسى عمليات التحول الرهيب الذى يجرى الآن فى القنوات الخاصة وغيرها.. ولقد عرف الإخوان طبيعة الأمة المصرية من حب المصريين للمال من ناحية.. ومن خوفهم من بطش السلطان ورجاله.. وهكذا فإن السلطان الجديد - ولا أقصد فقط الخليفة الأول الحالى - ولكننى أقصد كل النظام الجديد، أقول إن النظام الجديد قد تربع على عرش مصر ولن ينزل منه أو عنه إلا بعد عشرات طويلة من السنين، فهكذا هو عمر الدول التى قامت على «دعوة» أو التى طال نضال رجالها عبر الزمن. وما دام ذهب المعز الآن يخرج من الخزانة العامة وليس من فرد بعينه.. فلن يخسر الإخوان.. بل هم الرابحون فكم فى مصر من «عبده مشتاق» وكم فيها ممن يعشق المال.. أو يطلب الأمان لرأسه وحياته. وهكذا يعيد التاريخ نفسه.. يا الله مين يزود!!