تباينت آراء سينمائيين مصريين وعرب في جدوى ونتائج التمويل الأجنبي للأعمال السينمائية العربية بين مؤيد ومتحفظ ورافض؛ بينما اتفق الجميع على ضرورة العمل على دعم الإنتاج العربي المشترك كبديل أنسب للتمويل الأجنبي. وقال الناقد رفيق الصبان في ندوة عن التمويل الأجنبي خلال مهرجان الإسكندرية السينمائي إن السينمائيين العرب كانوا في البداية يرفضون التمويل الأجنبي أو يتخوفون منه رغبة في الابتعاد عن الفكرة الشائعة بأن الممول يهدف لفرض رؤيته أو أفكاره على العمل الذي يموله؛ لكن هذه الفكرة بدأت في التغير سريعا بعدما ظهرت أعمال عربية جيدة ممولة أجنبيا. وضرب الصبان مثالا بالتجارب السينمائية في دول المغرب العربي التي موُلت من أوروبا؛ لكنها كانت على المستوى اللائق فكريا وفنيا قائلا: "اكتشفت أننا كنا على خطأ وأن الفنانين والمخرجين الكبار يمكنهم أن يقدموا أعمالا جيدة دون تدخل في المحتوى على الإطلاق من الممول الأجنبي". بينما قال المخرج المصري أحمد رشوان خلال الندوة إن نظرة السينمائيين المصريين للتمويل الأجنبي باعتباره أمرا غامضا أو مرفوضا يقف وراءها تراث صدّره لنا في مصر النظام السابق بشكل واسع مفاده أن الأجنبي له أجندة خاصة جاء ليفرضها؛ بينما في الواقع التمويل الخارجي أمر مطلوب للغاية ويجب تفعيله خاصة التمويل العربي أو الإنتاج العربي المشترك. وأشار مدير التصوير الكبير رمسيس مرزوق خلال مداخلته عن معوقات تواجه الحصول على التمويل الأجنبي بالنسبة لصناع السينما العرب؛ متحدثا عن مشروعات كان طرفا فيها بينها انتاج مشترك أجنبي مصري لفيلم عن السيد المسيح؛ وكان التمويل أمريكي لكن المشروع لم يكتمل ومثله مشروع غير مكتمل آخر لفيلم بعنوان "الجنين" عن القضية الفلسطينية وكانت النجمة الفرنسية إليزابث أوبير وافقت على بطولته لكنه توقف بسبب المال. ولفت المخرج المصري ايهاب حجازي إلى أخطاء شائعة كثيرة يقع فيها السينمائيون المصريون والعرب فيما يخص الانتاج المشترك والسعي للحصول على التمويل قائلا: "نحن نرسل السيناريو للشركات في الخارج ولا يصلنا ردا أبدا؛ والخطأ الذي نقع فيه أننا ننتظر, رغم أن هناك وسائل مختلفة للوصول إلى الدعم ولها قواعد واضحة في العالم كله على السينمائيين العرب دراستها واتباعها". واختلف المخرج المغربي عز العرب العلوي مع الآراء السابقة قائلا إن التمويل الأجنبي لا يصنع سينما محلية قوية مؤكدا أن السينما المغربية صنعها دعم الدولة للفيلم المغربي؛ حيث تمنحه أكثر من 70 % من ميزانية الفيلم وكل ما يأتي من الخارج لا يمكنه صنع فيلم قصير. واستطرد المخرج المغربي أن الدعم الخارجي منح السينما المغربية فقط اشعاعا أوسع وأتاح لها فرص المشاركة في المهرجانات والتسويق للخارج؛ وهذا أمر ضروري للغاية في استمرار وانتشار الفيلم المغربي لكن ليس له علاقة بتطور الصناعة" على حد قوله. وعبر الناقد رفيق الصبان عن حزنه على فترة مهمة في تاريخ صناعة السينما المصرية عندما كانت الدولة مسئولة عن الانتاج وظهرت علامات فنية مازالت بارزة؛ منوها إلى رأيه الخاص أنه منذ ابتعاد الدولة عن الانتاج تدهور الوضع السينمائي بشكل واضح ووصلنا إلى مرحلة الابتذال وربما أصبحت صناعة السينما على شفا الانهيار. واختلف معه مدير التصوير رمسيس مرزوق فى وجهة النظر الداعية لعودة الجهات الحكومية للسيطرة على الصناعة والتدخل في الإنتاج قائلا: "إنها فترة لا يمكن أن تعود ولا يمكن أن نكررها مجددا بسبب تغير الظروف وطبيعة صناعة الأفلام". من جانبها شددت الممثلة الشابة يسرا اللوزي على أن الأزمة الحالية تتركز حول "الروتين" والتفاصيل الإدارية القديمة والعقيمة في رأيها التي تدفع صناع السينما إلى الهرب؛ مشيرة إلى أن السينمائيين الأجانب يرفضون العمل وسط الظروف الانتاجية الصعبة في مصر مثلا والتي يعمل فيها السينمائيون المصريون أيضا مرغمين رغم أنها بيئة غير صالحة للإبداع. وأضافت اللوزي أنها أحيانا تقدم أعمالا فنية بلا عائد مادي لمتعتها الخاصة أو لتمثيل مصر في الخارج لأنها ليس لديها نهم العمل في السينما التجارية مثل بعض زملائها. كما اقترح رمسيس مرزوق أن يكون في كل دار عرض سينمائي شاشة واحدة للأفلام غير التجارية تكون معفاة من الرسوم والضرائب كما يجري في كثير من دول العالم؛ بهدف دعم صناع السينما الجادة ومنحهم فرصا للعرض ومنح الجمهور فرصا لمشاهدة أعمالهم. واختم الناقد رفيق الصبان الندوة قائلا: "السينما التجارية مطلوبة ويجب أن تبقى كوسيلة للترفيه لكن يجب أن يعود التوازن بأفلام تعيد للسينما ألقها القديم؛ ورأيي أن الوسيلة الوحيدة هي عودة الدولة للدعم مجددا حتى نشاهد مجددا سينما جيدة" وهو ما اعترض عليه السينمائيون الشباب الحاضرون".