بكى سكان شارع الصيادين بالمنصورة كما لم يبكوا من قبل وهم يشاهدون «عم سيد الترزى» وهو يصارع من أجل الحياة والنيران تحاصره من كل مكان. لحظات فارقة بين الحياة والموت لم تستغرق كثيراً حيث ترك «عم سيد» الحياة وهو يحاول أن يتمسك بآخر فرصة للنجاة لكن القدر كان له رأى آخر ليكتب كلمة النهاية ويغادر شارع الصيادين، مقر سكنه الجديد المتواضع بلا عودة وسط دموع وأحزان أهالى الحى الذين شاهدوا الدقائق المأساوية التى شهدت تفحم جثته وخروجه هى وزوجته فى جوالين بلاستيك. لن ينسى أهالى الحى تلك الأيام التى عاشها «عم سيد الترزى» بينهم رجل بسيط وشهم ومسالم تكالبت عليه ظروف الحياة وقسوتها ومع ذلك ظل صامداً حتى النهاية. يردد أهالى الحى قصة هذا الرجل المسن الذى شارف على السبعين من عمره انهار منزله مؤخراً وأجرى جراحة قلب مفتوح ولم يكن أمامه إلا الإقامة فى شقة متواضعة وملحق بأعلاها المطبخ فوق السطح لكنها كانت المأوى المناسب لهما والتى تقيهما ذل السؤال والحاجة وغدر الأيام، عاش الزوجان فى شقتهما المتواضعة ومنذ حوالى أسبوعين أجرى الزوج عملية قلب مفتوح وظل بالفراش حتى جاء اليوم الموعود الذى استيقظ فيه أهالى الحى على صوت واستغاثات «عم سيد» الساعة الثانية والنصف صباحا فوجئ الأهالى بالنيران تحاصر شقة «عم سيد» المتواضعة وهو يجرى هرباً من لهيبها ولما شاهده الأهالى يحاول القفز من السطح طالبوه بعدم القفز خوفاً على حياته، فعاد «عم سيد» بظهره وأمسكت به النيران حتى تفحمت جثته، وحينما توجهت إليه زوجته بحثاً عنه طالتها النيران أيضا ولحقت بزوجها. . عبثاً حاول الأهالى إنقاذ الزوجين المسنين، لكن لهيب النيران كان أقوى وأسرع من أى تصور حتى أنها كانت تتساقط فأغلقت السلم فلم يتمكن أحد من الصعود لإنقاذهما. سبب الحريق هو تسريب غاز، أدى إلى اشتعال النار فى كميات من القماش كان ينتوى عم سيد خياطتها حتى يستطيع الحصول على قوت يومه والتى ساعدت على تفاقم الحريق. وانتقلت سيارات الإسعاف إلى مكان الحريق، وتمكنت من السيطرة على مصدر النيران بمساعدة الأهالى ولكن اخرجت جثتى عمى سيد وزوجته متفحمتين بلا ملامح يا له من مشهد حزين. . يا له من مشهد حزين. . يا لها من لحظات مؤلمة وعلى النهاية المأساوية لهذا الرجل الطيب. رحل الزوجان المسنان سيد منصور محمد عوض، 67 سنة، المشهور ب«عم السيد الترزى» وسعدية محمد عنان 60 سنة وشاهد الأهالى جثتيهما متفحمتين وسط دموع وأحزان من أهالى شارع الصيادين بالمنصورة تاركين ذكريات لا تنسى وأحزاناً من الصعب التغلب عليها. وشيع الأهالى جثة الزوجين المسنين إلى مثواهما الأخير فى مشهد أكثر مأساوية وهم يحملون جثتيهما ويتذكرون الأيام الأخيرة التى كان يشاهدون فيها هذا الرجل الذى كان يعيش فى هدوء مسالماً حزيناً وكأنه كان يترقب أيامه الأخيرة وينتظر الموت. استقرت روحا الزوجين فى هدوء لكن ذكرياتهما فى الحى الذى عاشا فيه آخر أيامهما وأيضا الحى الآخر الذى انتقلا منه لم تنته بعد. . فكيف ينسى الأهالى مواقفهما الطيبة وكيف ينسون الأيام الهادئة التى قضياها فى الحى، صحيح أصبح الزوجان مجرد ذكرى لكنها ذكرى لا يمكن نسيانها أبداً، طوى الموت صفحتيهما هذه حقيقة لا يمكن إنكارها لكنه لم يطو هذه الذكريات التى تواردت على خاطر كل من التقى معهما. مع السلامة «ياعم سيد» هتوحشنا تلك كانت العبارة الأخيرة التى دارت فى أذهان كل من شهد جنازة «عم سيد وزوجته». والكل يحكى ويتهامس فى سيرة الرجل وزوجته وعن طيبتهما وحياتهما و كيف أنهما اعتبرا كل أبناء الحى أبناء لهما بعد أن حرما من نعمة الانجاب. . كيف كانت الابتسامة لا تفارق وجهيهما رغم المرض والفقر وتشوه الحياة. . وكلما دارت الأحاديث تساقطت الدموع على صعوبة قساوة النهاية التى كانت من نصيب عم سيد وزوجته ولكن هذه هى الحياة وهذا هو القدر.