سعدت جدا عندما استمعت للدكتور محمد محسوب وزير الشئون القانونية وهو يؤكد لاحدى الفضائيات أن اللجنة التأسيسية بصدد إلغاء الحصانة عن نواب البرلمان من الدستور الجديد، وسبب هذه السعادة انني سبق ان ناقشت مشكلة الحصانة فى عدة مقالات بداية هذا العام، وطالبت فيها بإلغاء الحصانة عن النواب خارج المجلس، وقلت: تحت قبة المجلس وداخل لجانه يقول النائب ما يحلو له في حدود الآداب العامة والقانون، وخارجه هو مواطن مثل سائر المواطنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، لا تمييز ولا تفضيل ولا حصانة. الأصل أننا اخترنا بعض الشخصيات لكي يمثلونا في مجلس الشعب، بعد اختيارهم يسمون بالنواب، وظيفة هؤلاء النواب مراقبة ومحاسبة الحكومة وتشريع القوانين التي تناسبنا وليس التي تتوافق ومصالحهم الشخصية، أو التي تخدم طبقة أو فئة أو جنسا أو عرقا أو طائفة دون غيرها، والمفترض أن تطبق هذه القوانين على الجميع، المهندس والمدرس والصحفي والعامل والطبيب والأستاذ الجامعي والمذيع والضابط (الشرطة والجيش) وبائع الخضار والوزير والخفير، ومن باب أولى تنفذ على السادة النواب الذين ناقشوها وعدلوها ونقحوها وضبطوا صياغتها ثم وافقوا عليها. من هنا يجب أن يخلوا الدستور الجديد من جميع المواد والفقرات التي تمنح البرلمان ونوابه حصانة ضد تنفيذ القانون، على سبيل المثال المادة (99) من الدستور المعطل: «لا يجوز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب إلا بإذن سابق من المجلس. وفى غير دور انعقاد المجلس يتعين أخذ إذن رئيس المجلس. ويخطر المجلس عند أول انعقاد له بما اتخذ من إجراء»، هذه المادة تحصن النائب ضد المساءلة القانونية وتعطل القانون وترهنه بموافقة رئيس المجلس فى حالات عدم التلبس، لذا يجب أن تتخذ ضد النائب فى حالة تجاوزه جميع الإجراءات المتبعة قانونا مثل غيره من المواطنين، كان في حالة تلبس أو غيرها، وفى الحالتين يخطر المجلس ويحضر التحقيقات أحد الأعضاء والمستشار القانوني للمجلس، وبالتالى لا حصانة لنائب في مطار أو ميناء أو على الحدود، وكما تفتش حقائب المواطنين تفتش حقائب النواب، وعندما يكسر الإشارة، وعندما يخالف القانون يجب أن يعاقب، ويجب أن تكون عقوبته مضاعفة لأنه ممثل الشعب ووكيله وكان يجب أن يكون القدوة للمواطنين. كما يجب سحب سلطة إسقاط العضوية من المجلس في حالة إدانة النائب، فالمادة (96) تخص المجلس وحده بإسقاط عضوية النائب الذي فقد الثقة والاعتبار، والذي فقد الصفة (عامل، فلاح) ، واشترطت المادة: «أن يصدر قرار إسقاط العضوية من المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه»، ونظن أن هذا الشرط لا يحترم السلطة القضائية، كما انه يمنح المجلس أو ثلثي أعضائه سلطة تتجاوز الأحكام القضائية، لأن القضاء هو الذي يفصل فى الصفة، ولا يجوز أن يفصل أحد فيه ما سبق أن فصل فيه القضاء. ولا يجوز كذلك أن نعطى للمجلس سلطة رفض أو قبول أحكام محكمة النقض، كما هو ثابت في المادة(93): «يختص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه. وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى المجلس ... وتعرض نتيجة التحقيق والرأي الذي انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل فى صحة الطعن خلال ستين يوما من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس. ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس». على أية حال نعود ونكرر ما سبق وطالبنا به وهو أن نسقط من الدستور الجديد أية مواد تمنح البرلمان ونوابه أية حصانة تذكر، أو أية سلطات تفتئت على السلطة القضائية أو السلطة التنفيذية، خاصة أننا نعلم جميعا أن هذه الحصانة كانت تستغل أسوأ استغلال خلال النظام السابق، وكان تجار المناصب وتجار المخدرات والآثار والأسلحة وتجار الفساد، يسعون لشراء عضوية البرلمان من أجل أن يفسدوا ويتحصنوا ضد العقاب.