يتضح حاليا أن ضمن ما أفرزته ثورة 25 يناير 2012 بزحامها الثورى أن أخلاق المصريين قد تعرت وكشفت عن سوءات كثيرة ما كانت لتظهر لولا مطلب الحرية الذى وجد تلبية واسعة جعلت من هذه الحرية المنشودة فوضى عارمة!، وقد تاهت فى الزحمة الثورية حقيقة أننا ننعم - إن كانت هذه نعمة! - بهذه الفوضى العارمة التى لا يشكو منها سوى الذين يتصادف أن توجعهم أو تضربهم هذه الفوضى!، وأما الذين فتحت الفوضى أمامهم الأبواب الواسعة نحو الانفلات والعبث بكل قاعدة نظامية، والاستهانة بهيبة مؤسسات الدولة حتى التى تختص بمؤاخذة الجمهور ورصد مخالفته إذا وقعت واعمال القوانين بشأن التعدى على حقوق الدولة والناس!، ومن سلبيات هذا المستنقع العفن الذى تعيش فيه الناس حاليا أنه لم يعد أحد يمكنه أن يؤاخذ آخر إذا ما بدا من هذا الآخر أنه يتعدى على حق الآخر أو ممتلكات الشعب فى مختلف المرافق العامة، بل استقرت القاعدة التى تعلى من شأن الفرد إلى حد بلطجته فكل يفعل ما يشاء!، وفى هذا الصدد يفتش البعض عن تأثير الوسائل التى من المفترض أنها ترشد الناس أو تهديهم سواء السبيل فى مسلكهم العام فلا يجد أحدا ينهض بمسئولية فى تلك الوسائل!، وقد بلغت خلال شهر رمضان ذروة نشاط المساجد والزوايا فى الحوارى والأزقة حتى أن هذه أصبح كل ما يصدر عنها فى داخلها وخارجها من خلال مكبرات الصوت وسماعاتها الخارجية!، فى حين أن الملاحظ لذلك أن ما قبل ثورة 25 يناير كانت أجهزة الأمن تلزم المساجد بإغلاق أبوابها وفتحها عند الصلاة فقط!، مع استخدام الميكروفون فقط عند إذاعة الأذان فى مواقيت الصلوات ثم صلاة الجمعة!، وزادت السلطات على ذلك أن قررت الأذان الموحد - وهو مشروع تبنته وزارة الأوقاف ومازال يعمل به فى بعض المناطق حتى الآن - مما وضع حدودًا فى المناطق لصراخ الميكروفونات، لكن «العهد المعاصر» جعل المساجد والزوايا - هى الأخرى - لا تعبأ بأى قاعدة!، فتذيع كل كلمة بالميكروفون!، وصلاة التراويح كذلك فى رمضان أذيعت بالميكروفونات!، تم إذا تابع البعض ما يذاع أدرك أن هذا لا ينفع الناس فى سلوكياتهم التى تعرت إلى الحد المقنع للجميع أن الخوف الذى كان يحكم سلوكيات الناس ما قبل الثورة قد تراجع إلى أدنى الحدود فأفلتت الناس من أى سلوك مهذب!، بل واستشرى العنف فى تعاملات الناس، وأصبحت اللصوصية هى قاعدة التجارة!، وتركت الدولة حتى الآن الحبل على الغارب لكل يفعل ما يشاء!. فهل كان الخوف - ما قبل الثورة - من الغرامة والمخالفة وحتى الحبس هو ضابط ايقاع سلوكيات الناس فى أغلبيتهم؟ المؤكد أنه يمكن القبول بذلك فى راحة بضمير مستريح!، فالآن يؤكد الأفراد فى الشوارع والبيوت أن سلوكياتهم شديدة الشذوذ فى مأمن من أى عقاب!، خاصة وأن الذين يحفظون انضباط الناس فى سلوكياتهم غائبون!، ويصل الأمر بالفوضويين إلى حد السخرية من سيرة قبضة الدولة أو جهات الإعمال بالقانون!، نضيف إلى ذلك أن وسائل إعلام الدولة - خاصة التليفزيون - تأبى أن تلعب أى دور فى هذا السبيل، فهى لا تبصر الناس بأن الفوضى هى العدو الحقيقى لبلادهم!، فهى - هذه الوسائل - لا تعبأ بغير الثرثرة حول شئون السياسة والصرعات البادية والخفية والطريق إلى الديمقراطية!، ولا يتحسب الذين يعنون بالشأن العام من النخبة إلى أن سلوكيات الناس إذا بقيت على حالها فإنها ستعصف بكل ثمرة تعدل من مسالك الحياة السياسية التى تسعى مصر إلى توديعها إلى غير رجعة بميراث حقب متوالية من الخلل والعفن السياسى!، بل يظل التليفزيون - مثلا - يصر على أنه أداة للتسلية الفجة، وبقرة حلوب للتجار والسماسرة فى الداخل والخارج بإعلاناتهم التى جعلت من المشاهدين عبيدا، والذين يقومون على أمر التليفزيون مجرد مسهلين لما يريد هؤلاء تمريره!، وتواطأت هذه «الزحمة» وحزم الادعاءات الثورية على رءوس العباد فأصبحوا لمجرد السعى وراء لقمة العيش يقبلون التحرك فى حياتهم تحت وطأة هذه الظروف!. ومن يحتك اليوم بالشارع مضطرا يلاحظ أن الناس لم تعد تخشى شيئا حتى ولا القانون!، والخوف الذى عاشت به النظم السياسية المتعاقبة - قبل الثورة - تؤكد لكثيرين أنها كانت تفهم الشعب الذى يعيش بالخوف وبه يسير!، وهو ادعاء جعل الرئيس المخلوع يقول فى ثقة: ما بعدى الفوضى!، وقد وقعت الفوضى بعده بالفعل!، لكنها ليست للأسباب التى تصور أنها دعائم حكمة وأبرزها خوف الناس من أجهزته!، ولكن الرادع والوازع الذى يحكم حركة الناس لا يمكن أن يغيب طويلا!، حتى يصح المجتمع فلابد فى رادع ووازع يضعان نهاية لهذا الوضع الشائن!.