عندما أقرأ في ركن القراء بصحيفة هاآرتس الأحد الماضي دعوة أحد الكتاب الإسرائيليين دولته وشعبه بأن تستعد إسرائيل للاحتفال بمئوية وعد بلفور سنة 2017 فإني أتذكر يوم حاضرت في سيمنار بجامعة السربون عام 1988 دعاني إليه معهد شيلر للعلاقات الدولية وأثرت ما سميته إستراتيجية الرقم سبعة أو شفرة الرقم سبعة في سياسة الدولة العبرية وهي مخططات تكاد تستعصي على المراقب للشأن اليهودي لولا أن المتابع للأحداث يتمتع بالحس الحضاري وبميزة المؤرخ ليكتشف بأن الرقم سبعة الذي هو الرقم المقدس في الأساطير العبرية يشكل محطات مصيرية بالنسبة للحركة الصهيونية كأنها نوع من الشفرة التي يدركها المخططون للفكر الصهيوني ويتفقون عليها دون إثارة حفيظة خصومهم أو لفت النظر لهذا السر الدفين في تاريخ حركتهم. فلنبدأ بأول سبعة اكتشفتها حين طالعت كتاب المؤرخ اليهودي البريطاني ألبرت هياوسون الصادر بلندن عام 1916 بعنوان: الميلاد الجديد للشعب القديم، والذي نقل فيه رسالة بعثت بها جمعية صهيونية فرنسية ليهود العالم عام 1787 تقول فيها الجمعية:نحن نطالب الدولة الفرنسية بإتاحة الأرض الموعودة لنا أي الممتدة من صعيد مصر إلى عكا ومن البحر الميت إلى البحر الأحمر، وبذلك نكون مسيطرين على التجارة مع الهند والجزيرة العربية وإفريقيا الجنوبية وإثيوبيا ومع الشام وبلاد فارس ومن خلال البحر الأبيض المتوسط مع أوروبا، أي في أرض فلسطين. وهذه الرسالة ذكرها المؤرخ حسين التريكي في كتابه (هذه فلسطين الصفحة 44). لاحظوا أن هذا المخطط تقرر عام 1787 قبل قرن من تاريخ 1897 الذي شهد انعقاد مؤتمر بازل بسويسرا تحت رئاسة مؤسس الفكر السياسي الصهيوني وصاحب كتاب الدولة اليهودية تيودور هرتزل. وفي هذا المؤتمر تقرر مخطط إنشاء الدولة اليهودية بالفعل. ولاحظوا الرقم 7 لأن تيودور هرتزل قال في كتابه(الذي لم يترجم للعربية سوى بعد قرن من قبل زميلي الفاضل الدكتور عادل غنيم): بعد خمسين عاما سنؤسس دولتنا، وكذلك كان وبالتحديد عام 1947 وبالقرار الأممي الصادر في 29 نوفمبر 1947(لا حظوا دائما الالتزام بالرقم 7) كما قال هرتزل: ولعلنا بعد قرن نسيطر فعليا على الشرق الأوسط! وهكذا كان باعتراف العرب بإسرائيل عام 1997.! ونواصل متابعة الشفرة 7 لنجد أن 1907 شهد إنشاء أول لجنة ملكية في لندن مكلفة بمنع العالم العربي من التشكل والتوسع من خلال السلطان العثماني وهذه اللجنة طالب بها رئيس الحكومة البريطانية بدعوة من يهود المملكة وذكرها أدمون راباث (الذي نقل عنه المؤرخ روني كاليسكي في كتابه: (العالم العربي) بالفرنسية صفحة166)حيث قال: إن اللجنة توصلت إلى نتيجة غريبة وهي التصريح بأن أفضل عمل لمنع العرب من القوة هو تمكين الهجرة اليهودية من الاستقرار في فلسطين، ويلاحظ المؤرخ راباث أن قرار اللجنة يتماشى مع رغبة تيودور هرتزل في مؤتمر بازل. العجيب أن هذه اللجنة الملكية البريطانية توصلت إلى نفس المبدأ الذي رفعه تيودور هرتزل ومن بعده ويزمان ثم بن غوريون وهو المبدأ القائل بأن إسرائيل ستكون القلعة المتقدمة للحضارة الغربية في وجه البربرية! ونواصل رحلتنا مع الرقم 7 لنجد من الطبيعي إصدار بلفور لوعده الشهير عام 1917 وهو القرار الذي أسس بالفعل دولة إسرائيل قبل الأممالمتحدة، ثم نصل إلى عام 1927 لنشهد أول مؤتمر يهودي جمع بنيويورك بين زعماء الحركة من أمريكا وأوروبا وفيه رسمت الخطوط الأولى لجمع الأموال والتغلغل في مجال البنوك ومجال الإعلام. وبعد عشر سنوات بالضبط بدأ القضاء على حركة المقاومة التي تزعمها الشهيد الشيخ عز الدين القسام أي في غضون 1937، وكما يعلم القراء الأفاضل تأسست دولة إسرائيل عام 1947 وانطلقت إلى تاريخ 1957 موعد إنشاء السلاح النووي الإسرائيلي بإعانة باريس وبناء مفاعل ديمونة الذي أعطى للدولة العبرية ضمان البقاء بقوة السلاح الفتاك. وبعد هذا يأتي الموعد الإسرائيلي الحاسم والذي غير الجغرافيا وانعرج بدفة التاريخ وهو موعد الخامس من يونيو 1967 حين استدرجت القوى الدولية المناصرة لإسرائيل الزعيم المرحوم جمال عبدالناصر إلى إغلاق مضيق العقبة وجاءت الهزيمة العربية بتدمير كل سلاح الطيران العربي في خمسة أيام مشهودة، وهنا أيضا كان رقم 7 هو المحدد للضربة القاسية التي غيرت مجرى الأحداث السياسية وحورت التوازنات الدولية لمصلحة الاستعمار الإسرائيلي وعززت المخططات الأمريكية لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط حسب مصالحها هي لا حسب مصالح أوروبا التي رسمت الخارطة الراهنة منذ 1916 بمعاهدة سايكس بيكو. ربما يسألني القارئ الكريم عما وقع بعدئذ في سلسلة الرقم 7؟ والجواب ساطع لكل ذي عينين فعام 1977 شهد أكبر مفاجأة هزت معادلات المنطقة ودفعت بالصراع العربي الإسرائيلي إلى متاهات التنازلات حين زار الرئيس الراحل محمد أنور السادات القدس وخطب في الكنيست وأحدث الزلزال المتوقع. وبعد ذلك بعشرة أعوام في 1987 أعلنت منظمة التحرير بأنها لا تمانع في الاعتراف بدولة إسرائيل وغيرت من ميثاقها وبدأت عملية ما يسمى بالسلام تلتف حول العنق الفلسطيني وتكرس الهيمنة العبرية وتهود المعالم في القدس وتوسع مناطق الاحتلال إلى غاية وصم عرفات بالإرهاب وتدمير المقطع على رأسه ثم اغتياله لطي صفحة المقاومة والعنفوان إلى الأبد. فليحذر العرب من الأن لكي لا يتحول ربيعنا العربي إلى شتاء صقيع مع 2017 الذكرى المئوية لوعد بلفور نقلا عن صحيفة الحياة