تتسارع التطورات في المنطقة على أكثر من صعيد، بتسارع الجهود والمساعي الإسرائيلية لإعادة تشكيل المنطقة، ورسم خريطتها بما يعظم من مكاسب إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023. ◄ الأونروا: مليون طفل قد يموتون في غزة بسبب الجوع ◄ إسرائيل تسعى من الحرب على غزة لإيجاد نتائج جوهرية تعيد تشكيل المنطقة ويبدو تقاطع 3 قضايا سياسية في المنطقة غزة المنكوبة، أول هذه القضايا، حيث تستمر إسرائيل في ممارسة إرهابها وعدوانها بلا هوادة.. تمارس فتكا على الهواء، وقتلا ممنهجا، إن لم يكن بالقصف المباشر، فبالجوع، وبالإصابات التي لا تجد علاجا لها، وبنشر اليأس الذى قد يقضى على بعض النفوس، وحتى كتابة هذه السطور، تم توثيق عشرات الوفيات، غالبيتهم بين الأطفال، بسبب الجوع ونقص المواد الغذائية الأساسية.. وقالت وكالة أونروا إن مليون طفل قد يموتون في غزة بسبب الجوع.. أى وحشية تلك! وأى إرهاب وعدوان ذلك الذى يشهده العزل فى القطاع على مرأى ومسمع من العالم؟! ربما لم يتوقف العنف ولا القتل منذ بدء الخليقة، لكن المختلف هذه المرة هو أن أحدا ليس بمعزل عن الأحداث، فالإبادة على الهواء، والقتل بمعدلات كبيرة وبشكل يومي. وقبل أيام، قال وزير الخارجية الأوروبي السابق، جوزيف بوريل، إن الهدف مما تفعله إسرائيل حاليًا فى غزة ربما هو تهيئة الظروف لتنفيذ أكبرِ عملية تطهير عرقى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ◄ التواطؤ وفى مقال له نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية، أعرب بوريل، عن أسفه لعدم نجاحه فى إقناع السلطات فى الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على إسرائيل بالطريقة نفسها التى فُرضت على روسيا، كما حذر من أن «دعم أوروبا غير المشروط لإسرائيل يهدد بتواطئنا فى جرائم ضد الإنسانية»، والحقيقة أن إسرائيل لا تتعجل إنهاء الحرب واستعادة أسراها بالفعل، طالما تتخذ من الحرب مظلة زمنية تسعى فيها لترتيب أوضاع معينة فى بقية المنطقة. وبنفس المنطق، لا تجد نفسها فى عجلة للتفاهم حول أى أوضاع سياسية فى القطاع، فكلما استمرت الحرب، تجددت الفرص بالنسبة إليها لإيجاد حلول والفوز السياسى فى هذه الجولة من المواجهة فى المنطقة، وآخر هذه المساعى هو عندما تحدثت تقارير عن مُقترحات طرحتها إسرائيل لتوزيع الإمدادات الحيوية عبر جيشها، لكن مسئولين أُممين قالوا إن هذه المهام غير قابلة للتطبيق، ويؤكد هؤلاء المسئولون أن هذه المقترحات ستسمح للأهداف العسكرية والسياسية بأن تعرقل الأهداف الإنسانية، وستفرض قيودًا على من يُسمح له بتقديم أو تلقى المساعدات، وقد تُجبر أعداد كبيرة من الفلسطينيين على النزوح. ◄ نظام مركزي ولم تفصّل إسرائيل أيًّا من مقترحاتها علنًا أو تضعها كتابيًا. لكن منظمات الإغاثة كانت توثق محادثاتها مع المسئولين الإسرائيليين، وقد نشرت وكالة أسوشيتد برس ملاحظات تلخص مقترحات إسرائيل، وواحدة من المقترحات الأساسية التى تطرحها إسرائيل هى نظام مركزى أكثر - يتألف من خمسة مراكز لتوزيع الغذاء - يمنحها رقابة أكبر، بحسب ما تقول منظمات الإغاثة، واقترحت إسرائيل أن تمر جميع المساعدات من خلال معبر واحد فى جنوبغزة، على أن يتم تسليمها إلى هذه المراكز إما بواسطة الجيش أو شركات أمن خاصة، وتقع جميع هذه المراكز جنوب ممر «نيتساريم»، الذى يفصل شمال غزة عن بقية أراضى القطاع. وتقول منظمات الإغاثة إن أحد أكبر مخاوفها هو أن يضطر الفلسطينيون للانتقال إلى عدد قليل من المواقع للحصول على المساعدات، بدلاً من توزيعها قريباً من أماكن سكنهم، مما قد يُجبر العائلات على النزوح الدائم والعيش فى «ظروف احتجاز بحكم الأمر الواقع»، وتحذر وثيقة وقّعتها 20 منظمة إغاثية عاملة فى غزة من أن هذه المراكز تثير مخاوف أمنية، إذ إن تجمع حشود كبيرة من الفلسطينيين اليائسين فى أماكن قريبة من القوات الإسرائيلية قد يكون محفوفًا بالخطر وقد يسفر عن احتكاكات تعرضهم لإطلاق نار مباشر. وبالنظر إلى عدد سكان غزة البالغ أكثر من مليونى نسمة، توصى المعايير العالمية للإغاثة الإنسانية بإنشاء حوالى 100 موقع توزيع - أى 20 ضعف العدد الذى تقترحه إسرائيل حالياً، وفقًا لمنظمات الإغاثة، وبعيدًا عن التحديات اللوجستية فى توزيع الغذاء، فإن هذه المقترحات، وإن تمت، ستعطى إسرائيل مساحة للتحرك على الأرض بين الفلسطينيين الجوعي، وإما أن تتخذ منهم دروعا بشرية فى أى مواجهات محتملة مع عناصر المقاومة، أو تعكف على تصميم سبل على الأرض لخطة تهجير يتشدق بها اليمين المنفلت الحاكم فى إسرائيل. ◄ اقرأ أيضًا | صراعات الشرق الأوسط تقطع أوصال التعاون التنموي المشترك ◄ سوريا قبل نحو أسبوع، دوّت من تل أبيب تصريحات مروعة، كما وصفها تقرير نشره موقع ميدل إيست إى. ففى حديث أمام جمع من المؤيدين، أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش: «لن تنتهى المعارك حتى يغادر مئات الآلاف من سكان غزة.. وتنقسم سوريا، وبحسب تقرير ميدل إيست إى، فإن كلماته، التى سُجلت وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كشفت عن زيف كل الأقنعة المتبقية. فحروب إسرائيل لم تعد تدور حول «الأمن» أو «الإرهاب»، بل تتعلق بإعادة رسم الخريطة ذاتها بتفكيك الدول، وتهجير الشعوب، وإعادة كتابة التاريخ، وكشف التقرير عن أن ضربات الطائرات الحربية الإسرائيلية عربدت فى أجواء سوريا وأغارت على مواقع عسكرية وأحياء مدنية على حد سواء. كما اقتحمت القوات البرية الإسرائيلية قرب مدينة نوى، ما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين. وفى حين تحدثت الرواية الرسمية الإسرائيلية عن «الدفاع» و«الضربات الاستباقية». لكن الحقيقة، المثقلة بالمعاني، كانت أعمق من مجرد الجغرافيا أو السياسة - لقد كانت اقتحامًا للذاكرة نفسها، ففى استهداف نوى، لم تضرب إسرائيل مجرد بلدة. بل انتهكت ملاذًا للتراث الإسلامى والتاريخ الفكري. فنوى هى مسقط رأس الإمام النووي، أحد أعظم علماء الحضارة الإسلامية، الذى لا تزال مؤلفاته تتردد أصداؤها عبر القرون والقارات، لهذا، فإن هجمات إسرائيل ليست مادية فقط - بل رمزية أيضًا. ليست مجرد سعى للهيمنة العسكرية، بل محاولة للمحو. وتراقب إسرائيل عن كثب ما يحدث فى سوريا، فمنذ سقوط نظام الأسد فى 8 ديسمبر 2024، شنت إسرائيل أعنف حملاتها على الأراضى السورية منذ سنوات. مئات الضربات الجوية دمّرت البنية العسكرية، وأنظمة الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة. وبحسب تقرير ميدل إيست إى، فإن حجم وتوقيت الضربات يكشفان عن دافع أعمق. فبعد يوم واحد فقط من فرار الأسد إلى موسكو، أعلن القادة الإسرائيليون نيتهم إقامة «منطقة أمنية معقمة» داخل الأراضى السورية، تمتد على مساحة 400 كيلومتر مربع أى أكبر من كامل مساحة قطاع غزة، وقد تمركزت القوات الإسرائيلية الآن على الجانب السورى من جبل الشيخ (حرمون)، فى تحدٍّ سافر للقانون الدولي. وبينما أوحى المسئولون فى البداية أن الاحتلال مؤقت، فقد سقط القناع لاحقًا. فلا يوجد جدول زمني، ولا خطة انسحاب. ◄ تفتيت دائم وبحسب التقرير، فإن رؤية إسرائيل لسوريا تقوم على تفتيت دائم، فبعد يوم واحد فقط من فرار الأسد إلى موسكو، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر بوضوح أن سوريا لم تعد تصلح لأن تكون دولة موحدة، دعا إلى مناطق حكم ذاتى «كانتونات» لكل طائفة، قال: «فكرة سوريا الموحدة غير واقعية». المحامى الإسرائيلى والمحاضر العسكرى، رامى سيمانى، قال بشكل أكثر وضوحًا: «سوريا دولة مصطنعة وقد تفككت، لم تمتلك يومًا حقًا حقيقيًا فى الوجود. إنها ليست دولة عربية، وبالتأكيد ليست دولة قومية لأى أحد، أردوغان يدعم سوريا موحدة. أما مصلحة إسرائيل فهى النقيض تمامًا. يجب على إسرائيل أن تتسبب فى اختفاء سوريا، وفى مكانها ستقوم خمسة كانتونات، يجب على إسرائيل أن تعمّق قبضتها داخل سوريا»، وتتخيل إسرائيل سوريا مجزأة: كانتون كردى فى الشمال الشرقي، محمية درزية فى الجنوب، كيان علوى على الساحل، وأراضٍ سنية ممزقة بلا سيادة. سوريا المحطمة لا تستطيع مقاومة احتلال أراضيها. وسوريا المجزأة لا يمكنها أن تتحدث باسم فلسطين، والمقاوم الأصلى لهذه الخطة هى تركيا التى تدعم وحدة سوريا فى مقابل السيناريو الإسرائيلي، وفى خطاب أمام طلاب الكلية العسكرية، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تسمح لا لقوات هيئة تحرير الشام ولا للجيش السورى الجديد بدخول المنطقة جنوبدمشق، وطالب بإخلاء محافظاتالقنيطرة ودرعا والسويداء من السلاح بالكامل، محذرًا من أن إسرائيل «لن تتسامح مع أى تهديد للمجتمع الدرزى فى جنوبسوريا»، وإسرائيل بذلك ترى أنه لا مكان للسيادة السورية الحقيقية، وما تحدث عنه التقرير، يُشير إلى جبهة مُقبلة فى المواجهات بين إسرائيل ودول الإقليم وهذه المرة هى تركيا. ◄ الحوثيون أما ثالث أهم الملفات اشتباكا فى الأوضاع الراهنة، فهو المواجهة مع الحوثيين، وقبل أيام، أطلق صاروخ من اليمن سقط بالقرب من الصالة الرئيسية لمطار بن جوريون الإسرائيلى صباح الأحد، مما تسبب فى توقف مؤقت لحركة الملاحة. ويشن الحوثيون هجمات صاروخية على إسرائيل بانتظام تضامنا مع حركة حماس فى قطاع غزة، لكن من النادر أن ينجح صاروخ فى اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بحسب تقرير ل «بى بى سي». فما وراء ذلك؟! الدعم الحوثى لحركة حماس بدأ بالفعل واتخذ شكلين. الأول كان الهجوم على السفن العابرة فى البحر الأحمر والمتجهة لإسرائيل وقد توقفت عنه الجماعة فى ديسمبر الماضي. أما الآخر فهو إطلاق الصواريخ على أنحاء فى إسرائيل. ووفقا للمحللين، فإن ما حدث يرسل بأكثر من رسالة بالفعل. فاجتياز الصاروخ للدفاعات الجوية يظهر ارتباكا وتخبطا فى منظومة الأمن الداخلى، أو سوء تواصل وعدم تنسيق بين الجهات الأمنية المختلفة، أو هشاشة فعلية فى أنظمة التصدى للصواريخ المهاجمة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يرسل رسالة سياسية لإسرائيل، التى تضغط على أمريكا لشن عمل عسكرى ضد إيران، بأنها عاجزة عن تأمين أراضيها ضد صواريخ الحوثيين، فما بالها بفيضان من الصواريخ الباليستية الإيرانية التى قد تمطر أجواءها فى حال اندلاع مواجهة مباشرة بين الجانبين. وبكلمات أخرى، فيجب على إسرائيل أن تستبعد تماما ضم إيران لخريطة المنطقة «الجديدة» التى تعدها..إسرائيل تستمر في حرب غزة متخذة منها مظلة زمنية وفرصة تاريخية للسعى لتغيير أوضاع عديدة على الأرض.. فقد كشفت عن أقبح وجوهها داخليا وخارجيا، وضربت بالقانون الدولى وبالأعراف الإنسانية عرض الحائط.. وأوجدت ذريعة مصطنعة لتمارس إرهابها، مراهنة على نتائج جوهرية تعيد تشكيل المنطقة. وبالتالى، فما يحدث فرصة لها لن تتخلى عنها بسهولة.