المذبحة التي راح ضحيتها 16 شابا من أولادنا على الحدود فى رفح، خير دليل على المخاوف التى أبديتها أنا وغيري من سيطرة أصحاب الخطاب الديني على البلاد، وتحذيرنا من أسلمه نصوص الدستور، صحيح أن قيادات جماعة الإخوان الحالية وقيادات التيار السلفي لا نرى لهم ميول نحو العنف أو إراقة الدماء، لكن نحن لا نضمن المستقبل ولا نثق فى الأجيال التالية لهم. قبل هذه المذبحة كنت أعتقد أن جهاز امن الدولة هو الذى يقوم بالعمليات الإرهابية فى سيناء، وكنت أظن أن بعض الحوادث قام بها البدو الذين عانوا من عنف وقسوة الأجهزة الأمنية في سيناء، وكنت اعتقد مثل مئات غيرى أن الوضع فى سيناء آمن، وعندما كانت تقع بعض حوادث الاعتداء من البدو، كنت أطالب الأجهزة الأمنية بإعادة النظر فى معاملتهم مع أهلينا فى سيناء، وكنت أطالبهم بألا ينظروا إليهم نظرة الارهابى والخائن وتاجر المخدرات. وبعد قيام ثورات الربيع العربي في مصر وبعض البلدان العربية، وبعد أن تحررت جميع القوى السياسية من ديكتاتورية الحكام ومن قسوة الأجهزة الأمنية التابعة له، اعتقدت أن التنظيمات الإسلامية أو أصحاب الرايات السوداء التى تتبنى العنف وتكفر الحاكم وتحل دماءه قد تختفي نهائيا ولن تعود مرة أخرى، ووصل بى الخيال إلى الاعتقاد بأن قيادات تنظيم القاعدة فى أفغانستان سوف يعيدون النظر فى فكرهم السياسي الإسلامي، وقلت إن ثورات الشعوب العربية سوف تدفعهم إلى التغيير في فقههم، وكنت على ثقة من أن القاعدة وغيرها من التنظيمات التكفيرية لن تجد لها وظيفة بعد إزاحة الأنظمة الديكتاتورية، فلماذا يستمر فى عنفه ودمويته؟، فقد أسسوا فقههم على تكفير الحاكم وأحلوا قتله هو وأعوانه لأنهم يفسدون في الأرض، يسرقون ويقتلون ويعتقلون ويقهرون شعوبهم، بعد الإطاحة بهؤلاء الحكام وأخذ الأنظمة الجديدة بالديمقراطية والتعددية وسعيها إلى تطبيق العدالة الاجتماعية، أصبح من اليسير لهذه التنظيمات والجماعات أن تشارك في الحياة السياسية، وأصبح من السهل أن ينافسوا على إدارة البلاد من خلال البرلمان والمحليات والحكومة ومنصب الرئاسة ذاته، فقد فتحت الحياة السياسية أبوابها لجميع الأطراف وإلى مختلف التيارات والأيديولوجيات بدون قيود أو شروط، ومن يخطط للوصول إلى الحكم والنهوض بالبلاد عليه فقط أن يقنع المواطن البسيط ببرنامجه، والمواطن سوف يختار المناسب له وللبلاد، وإذا كان برنامجها مقنعا سوف يحظى بأغلبية ويدير البلاد. مساء السبت الماضي، ومع مدفع الإفطار انهارت كل الأفكار التي تخيلتها، 35 شخصا من التيار الدينى يعتدون على أولادنا الذين يرابطون لحراسة الحدود، لماذا؟، ما الذي استندوا إليه فى القرآن والسنة لإباحة دماء هؤلاء الجنود؟، هل كانوا عملاء للعدو الصهيوني؟، هل كانوا يقطعون الطريق ويغتصبون النساء فى نهار رمضان؟، هل كانوا يفتحون النار على المواطنين؟، لماذا يعتقد القتلة أن سفك دماء الجنود هو جهاد فى سبيل الله؟، والسؤال الأهم فى هذا السياق هو: لماذا ظلت هذه الجماعات على فكرها المنحرف؟، لماذا لم تشارك فى العمل السياسى بعد قيام الثورة؟، لماذا مازالت على تكفيرها للحكام ورجاله وجنوده؟، وهل تكفير هذه الجماعات لليبراليين والديمقراطيين والاشتراكيين والناصريين فقط أم أيضا للسلفيين ولجماعة الإخوان؟، إذا كانت القوى السياسية غير الإسلامية كافرة في نظر هذه الجماعات، فهل القوى السياسية الدينية هي الأخرى كافرة؟، ولماذا؟، لماذا قامت هذه الجماعات بقتل جنودنا غدرا قبل تناولهم وجبة الإفطار والبلاد يسيطر علي مقاليد أمورها التيار الإسلامي الإخوانى والسلفي؟. البعض يرى أن هذه المذبحة وقعت فى ظل حكم الإخوان لأن هذه الجماعات تطالب بإقامة امارة إسلامية فى سيناء، والبعض الأخر يرى أنهم يسعون إلى تحويل مصر كلها إلى إمارة إسلامية عاصمتها القدس، والبعض الثالث يرى أنهم قاموا بالانتقام من الحكومة فى جنودها الأبرياء لأنها تضيق الخناق على تجارتهم للسلاح والمخدرات عبر الأنفاق. بغض النظر فإن مجزرة كرم أبوسالم فى رفح التي قامت بها جماعات ترفع راية الخطاب الديني، تدق ناقوس خطر وتطالبنا برفع الراية الحمراء، ليس فقط بهدف القضاء على هذه الجماعات المنحرفة فكريا ودينيا وتطهير شبه جزيرة سيناء منهم، بل لكي نتمسك بالدولة المدنية وبدستور مدنى نحتكم إليه جميعا، ولكى نقاوم بكل ما نمتلك من قوة أخونة الدستور، والتصدي بكل قوة لمحاولات جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفى فى تغيير هوية هذا الوطن فى دستوره، من يسعى لإدارة البلاد وحكمها عليه أن يصل للحكم عبر صناديق الانتخاب، وعليه أن يدير من خلال دستورها وقوانينها المدنية.