يوم السابع عشر من رمضان وقعت جريمة إرهابية شنعاء ضد جنودنا وضباطنا في سيناء. هو نفس اليوم الذي وقعت فيه غزوة بدر في العام الثاني للهجرة، فهل لاختيار المنفذين هذا التوقيت لارتكاب جريمتهم دلالات معينة، أم هي مجرد مصادفة؟. أعتقد أن التوقيت مدروس بعناية مثل العملية المخططة والمدروسة بعناية أيضا. مصر في حالة حزن. عدد كبير من الشهداء والمصابين سقطوا برصاص الغدر والجبن. يجب القصاص سريعا من الإرهابيين وتلقينهم درسا قاسيا بأن الدم المصري أغلى من أي شيء وأن تجرؤهم على سفكه هو جريمة كبرى يجب أن يندم عليها من اقترفها طوال عمره. من الذي غدر بجنودنا وضباطنا ساعة الإفطار وهم يتوجهون إلى الله بالدعاء والصلاة بعد يوم طويل من الصيام في أجواء صحراوية حارة وهم يؤمنون الحدود؟!. القتلة إرهابيون لا دين، ولا أخلاق، ولا ضمير، ولا إنسانية لهم . من قتلهم.. إسرائيل ،أم جماعات جهادية كما قال التليفزيون المصري ؟!. لماذا لا تكون إسرائيل متهمة من دون نظرية المؤامرة ؟. ليس شرطا أن تنفذ عناصر إسرائيلية من الموساد أو غيره العملية بنفسها، بل هي تخطط وتمول وتجهز وتستأجر عناصر فلسطينية أو عربية لتنفيذ المهمة القذرة، فهي لها عملاء فلسطينيون يقتلون الفلسطينيين أنفسهم . إسرائيل - إذا كانت فعلتها ، ولا ننسى أنها حذرت مواطنيها قبل أيام من التواجد بسيناء - تريد أن تثبت لمصر وللعالم بأن سيناء باتت ملاذا آمنا للإرهاب، وأن مصر غير قادرة على ضبط الأمن فيها، وأن الجيش المصري نفسه مستهدف، وكذلك خط أنابيب الغاز الذي يتم تفجيره حتى بعد توقيف ضخ الغاز لها، وبالتالي فإن أمنها مهدد، وهي في خطر، وهذا مبرر تروج له دوليا للتدخل في سيناء، أو احتلال شريط منها للتمركز فيها لمواجهة العناصر الإرهابية التي تهددها، وتستفيد إسرائيل من الظرف الحالي بوجود رئيس مصري له خلفية إسلامية، وهي بالطبع ليست راضيه عنه، بل متوجسه منه، ويهمها إثبات عجزه، كما أنها قلقة من التقارب بين النظام الجديد في مصر وبين حركة حماس لذلك يهمها ضرب هذه العلاقة بمثل هذه العمليات لتقول إن غزة تحت قيادة حماس شر لا يؤتمن فمنها يخرج من يهدد سيناء ويقتل المصريين، وأن هناك مخاطر أمنية من حماس على مصر وعلى إسرائيل، فتثير بذلك الداخل المصري على الحركة أكثر مما يثيره البعض . ولذلك وجدت أصواتا ارتفعت فور الإعلان عن الجريمة الإرهابية تتهم حماس، وتنتقد التقارب معها، وتحذر من مخططاتها على سيناء، وهي فزاعات هدفها صنع حالة مستمرة من العداء مع الشعب الفلسطيني. لا أظن أن حماس يمكن أن تتورط في مثل هذه العملية بأي صورة، فهي أعقل وأكثر مسئولية ولا مصلحة لها في ذلك، وهي لم يثبت ارتكابها لمثل هذه الجرائم خلال عهد مبارك الذي ساهم في تشديد الحصار مع إسرائيل عليها فكيف تفعلها اليوم وقد باتت السياسة المصرية متفهمة لها وبات خالد مشعل وإسماعيل هنية أكبر قائدين فيها يلتقيان رئيس مصر، وباتت القاهرة تقف على مسافة واحدة بينها وبين "فتح". مع ذلك وإذا كانت إسرائيل بريئة، وإذا كانت هناك جماعات جهادية جاءت من غزة لارتكاب الجريمة مع تحفظي على سرعة توجيه الاتهام، ففي الغالب هذه الجماعات تنتمي للقاعدة، أو تسير على نهجها ، ومثل هذه العناصر لا تتورع أن تفعل ذلك، فهي جماعات بلا عقل ولا أفق سياسي إنما تمتهن القتل والترويع وسفك الدماء دون النظر لكون الدماء مسلمة أو دماء لبني الإنسان، أو دماء لمسالمين لا يخوضون حربا معها، ولامع غيرها، لكن مثل هذا العمل سيمثل إحراجا ل "حماس" لأنها هي التي تحكم سيطرتها على غزة، كما سيصل الحرج للرئيس مرسي نفسه . من الواضح أن سيناء لا سيطرة عليها فعلا، وأخشى أن تصبح بجغرافيتها مناطق حماية لكل العابثين بأمن البلاد من الخارج ومن الداخل، من الأعداء، ومن غيرهم ، وهذا يستلزم تواجدا كثيفا للجيش والشرطة ، ونظرة جديدة للتقسيمات الأمنية فيها، وفتح نقاش عاجل مع إسرائيل وأمريكا حول تعديل معاهدة السلام لزيادة قوات الأمن فيها وهو مصلحة لإسرائيل قبل مصر، وإذا رفضت فهذا يعني أنها تريد أن تظل سيناء مفخخة حتى تتخذها دوما ذريعة للقول أن أمنها مهدد بزعم أن مصر غير قادرة على حفظ الأمن فيها. أخيرا .. لا يجب أن تشغل المؤسسة العسكرية نفسها بالسياسة، وبالشأن الداخلي وبالصراعات بين القوى الحزبية أكثر من ذلك، عليها أن تنسحب لتعود إلى مهمتها الأساسية وهي حفظ أمن الوطن فقد استهلكت نفسها منذ تحملت المسئولية بعد ثورة 25 يناير في صراعات وأزمات الداخل وساهم طول الفترة الانتقالية في إشغالها، وهذا أمر لا يجب أن يستمر أكثر من ذلك، عليها أن تدعم الرئيس المنتخب وتدعم جهاز الشرطة لاستعادة الأمن الداخلي، لتعود فورا لمهمتها الأساسية بكل قدراتها وهي حراسة الوطن من الأخطار الخارجية.