- ليس قميصى الذى أحضرته فى الصباح - آسف إحترق قميصك دون قصد رغما عنى ، ماالذى يرضيك ؟ - قميصى ولاشئ غيره وإلا سأحرق الدكان وأحرقك معه - أعوضك عنه ، أدفع ثمنه أو أبتاع غيره ..... لاداعى لإفتعال الأزمات ولنسوى الأمر وديا - لم يطل الحوار بين الكهربائى والمكوجى بقرية ( دهشور ) بالبدرشين ، فى ثوان معدودات كانت المعركة تدور أوزارها تشتعل لحرق الوطن ، بعدما استشاط الكهربائى غضبا وبدأت حمى الشر تلوح فى الأفق معلنة أن الصبر ولى الأدبار ، ولن يعد هناك مزيد من التسامح مع الكفار ، فهل كان على المكوجى أن يحسب لتلك اللحظة ألف حساب ؟ هل كان عليه قبل أن يبدأ فى الكى أن يتضرع إلى الله أن يمنحه القدرة ألا يخطئ أو تنزلق كفاه فيصيب القميص بضرر لا يمكن إغفاله ؟ قد يطيح فقدان القميص بالأمة المصرية إذا تمكنت منها الفتنة الطائفية والتى إن حدثت فلن تبقى على أخضر او يابس ولن تهدأ مصر أو تعرف إستقرارا ، الحرب لأهلية سوف تدق طبولها معلنة أنه فات أوان كل الكلمات التى تقال فى تلك المناسبات من أجل التهدئة وعدم تصعيد الأمور ، تلك الكلمات التى تنم عن الطيبة والتسامح التى ميز بها الله المصريون عن سائر الشعوب والدليل أربعة عشر قرنا من المحبة والوئام متجاورين فى كل شئ حتى لاتكاد تفرق بينهما إلا يومى الآحاد والجمع من كل اسبوع فعلى سبيل المثال نقول - ( آسف ، حقك على ، سأعوضك ، لنفتح صفحة جديدة ، المسامح كريم ، نحن فى الشهر الفضيل ، نحن جيران والدم لايمكن أن يبقى ماء ، أو يتدخل عابر سبيل فيقول : وحدوا الله أو صلوا على النبى حصل خير ياجماعة ) وغيرها من المفردات التى تسكب الماء على النار المتقدة فتخمد النيران فى مهدها ، الإحتقان الآن عنوان المرحلة العقول منغلقة والجهل تفشى ودعاة الفتنة كثر لايرجون للوطن خيرا يلهبون حماسة البسطاء ويوغرون الصدور بالغل والحقد ضد الشركاء فى النيل والأرض ، فى الهواء والشمس ، من أجل هذا أبى الكهربائى أن يتنازل عن حق عودة القميص إلى ماكان عليه فى صورته الأولى وكأنه يطلب المستحيل واستقر فى وجدانه أن يعطى درسا وعبرا للأقلية فى القرى والقرى المجاورة بل فى كل ربوع مصر ، وكأن القميص فلذة كبده الذى فقده ولايمكن بأى حال من الأحوال تعويضه ، وكان له ماأرد حينما استدعى فى لمح البصر أقرانه من البلطجية الذين شمروا عن سواعدهم لنصرة رفيق الدين فحرقوا دكان المكوجى بزجاجات المولوتوف بعد ان أحرقوا جسده وأوسعوه ضربا وركلا بعدما تبادلا الشتائم واللكمات وتجددت الإشتباكات بين أنصارهما على مدى يومين لتحرق منازلا لمواطنين ليسوا طرفا فى النزاع ، أما قوات الأمن فقد حاصرت الكنيسة الموجودة بالقرية لتمنع وصول الشباب وأهل القرية الذين كانوا يريدون الإعتداء عليها حيث تم الدفع ب 16 سيارة أمن مركزى وتم إغلاق المحال والمنازل المجاورة لكنيسة القرية ، المجتمع المصرى الآن يغلى ووصلت درجة الغليان إلى الحد الذى يصيب كل فرد فيه بالإحباط والرعب من الأيام القادمة ، ولم يشفع شهر رمضان فى خفض معدل الجرائم التى بدات تتنامى كل لحظة وكأن الثورة التى قاما بها الشعب المصرى بأكمله غادرت إلى غير رجعة وكأن الشعار ( مسلم مسيحى إيد واحدة ) كان حلما سرعان ماأفقنا منه ، لنعود كل منا يسير بمفرده بمصباح نضب زيته ، نسير بالعكس ضد مصلحة مصر ، العناد والكراهية والحقد والتربص بالغير وكأن لكل منا مخالبا وأنيابا لم يعد يخفيها بل يشهرها فى وجه كل من لايروق له ، من أجل قميص قد لايتعدى ثمنه عشرة جنيهات ، تعدت الخسائر فى القرية مبدئيا مئتى ألف جنيه ، والأهم خسارة النفس وتعميق الجراح الغائرة بين أبناء الوطن الواحد جراح يصعب أن تندمل