أنقرة تستقبل وفدًا ليبيًا للمشاركة في تحقيقات حادث الطائرة العسكرية    من داخل وكره المشبوه، صور جديدة مرعبة للمجرم الجنسي جيفري إبستين تظهر للعلن    أحمد هاشم يكتب: مصر والسودان.. مصير مشترك    كنت شاهدا، سام مرسي يرد على تقرير مثير ل "ذا أتليتيك" حول تحكم صلاح في منتخب مصر    اليوم، استكمال محاكمة سارة خليفة و27 آخرين بقضية "المخدرات الكبرى"    بعد أزمة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تلاحق الصفحات المسيئة للفنانين قانونيًا    كفتة العدس بالشوفان في الفرن، بروتين نباتي صحي بدون دهون    يعرض 7 يناير.. نيللى كريم وشريف سلامة يتصدران بوستر «جوازة ولا جنازة»    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    وزير التعليم: 778 ألف طالب شاركوا على المنصة اليابانية لتعلم البرمجة.. وفوجئنا بالوعي الكبير    عودة مسرحية "نور فى عالم البحور" إلى خشبة المسرح القومي للأطفال    بطولة ياسمين رئيس وأحمد فهمي.. نهى صالح تنضم لمسلسل «اسأل روحك»    الرئاسة اللبنانية: عون يتلقى اتصالين هاتفيين من الرئيس التركي والعاهل الأردني    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    المرتبات في الفيزا، وزارة المالية تعلن بدء صرف مرتبات شهر ديسمبر 2025 اليوم    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال على غزة إلى 70،942 شهيدًا و171،195 مصابًا    لماذا يُواصل صندوق النقد الدولي إقراض نظام السيسي رغم الخراب الاقتصادي في مصر؟    حسين الشحات يتحدث بعد ارتداء شارة قيادة الأهلي لأول مرة    أمم إفريقيا - بونجاح: درسنا السودان جيدا.. وعلينا المبادرة بالهجوم    لاعب زيمبابوي السابق: أحرجنا منتخب مصر ومرموش كان كابوسًا    مفاجأة في مفاوضات تجديد عقد حسين الشحات مع الأهلي    بمساحة 177 فدانًا.. الزمالك يحصل على أرض بديلة قرب القرية الذكية    د. القس رفعت فتحي يكتب: المسيحية الصهيونية.. موقف الكنيسة المشيخية    وزير التعليم: البكالوريا شبيهة بالنظم العالمية.. وستقلل من الدروس الخصوصية    أخبار × 24 ساعة.. بعثة صندوق النقد: الاقتصاد المصرى حقق مؤشرات نمو قوية    ب"احتفالية ومعرض".. تعليم الأقصر تحيي فعاليات اليوم العالمي لذوي الهمم| صور    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    محافظ الغربية يستجيب لشكوى سيدة مسنة ويوفر لها كرسى متحرك ومساعدات إنسانية    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    البياضية والزينية تتألقان باحتفالين جماهيريين في عيد الأقصر القومي (صور)    الجيش الأردني يخوض اشتباكات مع عصابات تهريب على الحدود السورية    ابتزاز داخل مجلس الأمن، واشنطن تتوعد مادورو بعقوبات قصوى لحرمانه من النفط الفنزويلي    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    بشرى ل 7 محافظات، الصحة تحدد موعد التشغيل التجريبي للمرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    وزارة العمل: قانون العمل الجديد يضمن حقوق العمال حتى بعد الإغلاق أو التصفية    أبرز تصريحات وزير التعليم عن اهتمام القيادة السياسية بالملف التعليمي    تفاصيل فوز مصر بمعقد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية.. فيديو    كورال "شباب مصري" يحيي حفل غنائي بقصر الأمير بشتاك، الجمعة    دفنوه في أحضان أمه، أهالي معصرة صاوي بالفيوم يشيعون جثمان الضحية الثامنة لحادث الطريق الإقليمي    انهيار سقف مطبخ وحمام على طابقين بالزاوية الحمراء وإخلاء العقار من السكان (صور)    خالد مرتجي: نبحث تطوير كرة القدم داخل الملعب وخارجه    أمم أفريقيا 2025| تونس تبدأ مشوارها بالفوز على أوغندا بثلاثية مثيرة    وزير التعليم: 750 ألف طالب يمثلون نحو 92% من الثانوية اختاروا نظام البكالوريا بكامل إرادتهم    بفستان أحمر قصير.. إيمان العاصي تثير الجدل في أحدث ظهور    "الوطنية للانتخابات": بدء تصويت المصريين بالخارج بجولة الإعادة في 19 دائرة انتخابية    الأرصاد الجوية ترصد تفاصيل الظواهر الجوية المتوقعة غدا الأربعاء .. اعرف التفاصيل    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    "القومي للبحوث" يحصد المركز الأول فى مؤشر سيماجو للمراكز والمعاهد البحثية 2025    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    الفنان أحمد رفعت: بقالي 3 سنين مش بتشتغل وفي فنانين بلاقيهم مشاركين بأكتر من 5 أعمال في السنة    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    وكيل وزارة الشباب والرياضة بالفيوم يستقبل لجنة «المنشآت الشبابية والرياضية» لمتابعة أعمال مراكز الشباب بالمحافظة    الدقهلية تحتفل بانضمام المنصورة لعضوية شبكة اليونسكو لمدن التعلم (صور)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسعد حجازى يكتب : أمريكا وأزمة الديمقراطية فى العالم العربى
نشر في الوفد يوم 28 - 07 - 2012


- أمريكا اشترت الإخوان وباعت الليبراليون!
- لماذا إنتشرت الديمقراطية فى العالم كله إلا العالم العربى؟!!
لاشك أن غاية كل الأديان السماوية، والحكومات الصالحة، بل والغاية من الحياة ذاتها هى إنجاب الفرد السوى السعيد، الذى يتمتع بالجسم السليم والعقل السليم ، كلاهما لا يتحققان إلا إذا استطاع الإنسان تحقيق فرديته وتميزه بعيدا عن باقى أفراد القطيع، وفردية الإنسان السوى السعيد لا يمكن أن تتحقق بدون الحرية ،.. والحرية لا تتحقق إلا بالتحرر من الخوف، والتحرر من الخوف يقوم على حريتين أساسيتين هما :
التحرر من الفقر والعوز ، والتحرر من الجهل والتخلف ، .. الأولى تتحقق بالعدالة الإجتماعية، والثانية تتحقق بالديمقراطية.
فى هذا المقال سوف أركزعلى قضية الديمقراطية فى مصر والعالم العربى، وهذا ليس تجاهلا أو تقليلا من أهمية قضية العدالة الإجتماعية، ذلك لأننى على قناعة تامة بأن طريق الديمقراطية فى مصر مرهون بقضية العدالة الإجتماعية، وأن مستقبل الديمقراطية فى مصر هو المستقبل السياسى لمصر، هذا فضلا عن أن إقامة حياة ديمقراطية سليمة هو المبدأ الوحيد الذى لم يتحقق من المبادىء والأهداف الستة لثورة 23 يوليو 1952 وحتى الآن! وهذا فى حد ذاته يدل على أن ثمة أسباب وعراقيل جوهرية تقف فى طريق تحقيق الديمقراطية الحقيقة فى مصر بصفة خاصة وفى العالم العربى بصفة عامة، وهذا بدوره من شأنه أن يفرض علينا جميعا سؤالا فى غاية الأهمية وإن كان بديهيا ألا وهو لماذا انتشرت الديمقراطية فى جميع أرجاء العالم خاصة فى الربع الأخير من القرن العشرين إلا فى منطقة العالم العربى؟!!
بعد شهور قليلة من أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 ، وبالتحديد فى شهر يناير 2002 فى خطابه أمام الكونجرس الأمريكى عن حالة الإتحاد طالب الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش حكام مصر والمملكة العربية السعودية بالإسراع فى تحقيق الإصلاح السياسى والديمقراطية فى بلادهما وفى العالم العربى، ثم كرر دعوته فى العام التالى، ولكن لا حياة لمن تنادى،على الرغم من أن مصر والسعودية هما أكبر حليفان لواشنطن فى العالم العربى، وكان الرد المصرى السعودى على دعوة بوش هو أن الإصلاح السياسى والديمقراطى لا يفرض من الخارج أو فى صورة إملاءات أمريكية غربية وإنما يجب أن ينبع من داخل المجتمع ووفقا لظروفه الخاصة، وهذا فى الواقع " كلام جميل وكلام معقول ما قدرش أقول حاجة عنه"، غير أنه حق يراد به باطل!.
حقيقة الأمر هى أنه لا بوش كان صادقا فى دعواه إلا بالقدر الذى يحقق مصالح بلاده ومصالح إسرائيل، ولا الأنظمة العربية الديكتاتورية جادة عندما تتحدث عن الإصلاح إذ أن تحقيق الديمقراطية الحقيقية يعنى ببساطة زوال كراسى الحكم والعرش والسلطان، والتى هى أهم ألف مرة من بوش ومن " اللى خلفوه "! ،.. وأنتهت فترة ولاية الرئيس بوش الثانية ودون أن يتحقق أى تقدم على مسار الإصلاح السياسى وتحقيق الديمقراطية فى العالم العربى!.
وعندما تولى الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما الحكم خلفا للرئيس بوش لم تكن قضية الديمقراطية فى مصر والعالم العربى فى مقدمة أولوياته، ففى أول مقابلة تليفزيونية خاصة أجراها أوباما مع قناة العربية الفضائية السعودية فى السابع والعشرين من يناير عام 2009 - أى بعد أسبوع واحد من دخوله البيت الأبيض - تحدث الرئيس أوباما بإسهاب عن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع العالم الإسلامى، لكنه لم يتطرق إطلاقا إلى الحديث عن قضية تحقيق ودعم الديمقراطية فى العالم العربى ولو مرة واحدة!، وهذا لا يعنى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تخلت فجأة عن مسالة نشر قيم الحرية والديمقراطية فى العالم ، فهذه مسألة ثابتة فى السياسة الخارجية الأمريكية منذ عهد أول رئيس أمريكى للولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطن، بقدر ما يعنى إدراك الرئيس أوباما والخبراء المتخصصين فى وزارة الخارجية بمدى صعوبة العقبات الكبيرة التى تعترض عملية التحول الديمقراطى فى مصر والعالم العربى عن أى منطقة أخرى فى العالم!
ولعل أكثر الذين تحدثوا عن تلك العقبات فى السنوات الأخيرة فى مقالات عديدة من قبل وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 هو البروفيسور الأمريكى دكتور مايكل ماندلباوم أستاذ السياسة الخارجية الأمريكية فى جامعة جون هوبكنز الأمريكية، والذى تناول هذه القضية بالبحث والتحليل فى كتابه الصادر عام 2007 بعنوان : " إسم الديمقراطية الطيب : صعود ومخاطر أهم أشكال الحكم شهرة فى العالم".
يقول دكتور " مايكل ماندلباوم " فى مقال له كتبه بعد أيام قليلة من خلع الرئيس حسنى مبارك بعنوان : هل من الممكن أن تتحول مصر إلى دولة ديمقراطية؟ :
" إن استقالة حسني مبارك من منصبه كرئيس لمصر لتُعَد بمثابة بداية مرحلة بالغة الأهمية في انتقال هذا البلد إلى نظام سياسي جديد. ولكن هل يقود هذا التحول السياسي مصر إلى الديمقراطية في نهاية المطاف؟ ، لا أحد يستطيع أن يجزم على وجه اليقين، ولكن إذا رجعنا إلى تاريخ الحكم الديمقراطي، وتجارب بلدان أخرى فسوف يكون بوسعنا أن نتعرف على العقبات التي تواجهها مصر، فضلاً عن المزايا التي تتمتع بها فيما يتصل ببناء الديمقراطية السياسية.
إن فهم الاحتمالات الديمقراطية في أي بلد لابد وأن يبدأ بتعريف الديمقراطية ذاتها، والتي تُعَد شكلاً هجينياً من أشكال الحكم،.. نوع من التمازج بين تقليدين سياسيين مختلفين،.. التقليد الأول يتلخص في السيادة الشعبية، وحكم الشعب، وهو التقليد الذي يمارَس من خلال الانتخابات. وأما التقليد الثاني، وهو الأقدم والذي لا يقل أهمية عن الأول فهو تقليد الحرية، والحرية تأتي في ثلاثة أشكال: الحرية السياسية، التي تتخذ شكل الحقوق الفردية المتمثلة في حرية التعبير وتأسيس الجمعيات المدنية ؛ والحريات الدينية، التي تعني ضمنياً كفالة حرية العقيدة وحرية العبادة لكافة أتباع الديانات والعقائد الإيمانية المختلفة؛ وأخيرا الحرية الاقتصادية، والتي تتجسد في حق الملكية الخاصة."
ويضيف دكتور ماندلباوم قائلا:
" إن الانتخابات من دون الحرية لا تعد ديمقراطية حقيقية، وهنا تواجه مصر تحدياً خطيرا، وذلك لأن الفريق الذى يعد الأكثر تنظيماً في مصر هم الأخوان المسلمون، وهذا الفريق يرفض حرية الأديان والإقرار بالحقوق الفردية، وخاصة حقوق المرأة،.. والواقع أن أحد أفرع الأخوان المسلمين، وهو حركة حماس الفلسطينية، قد عمل في قطاع غزة على تأسيس دكتاتورية وحشية تفتقد إلى التسامح!. وفي ظل ظروف من الفوضى، كتلك التي قد تواجهها مصر، فإن الفريق الأفضل تنظيماً والأكثر صلابة هو عادة الذي يتمكن من السيطرة على السلطة، وهذا هو ما حدث فى روسيا بعد ثورة 1917، التي رفعت بلاشفة لينين إلى سدة الحكم، والذين استمروا فى حكم البلاد لنحو 75 عاماً من الحكم الشمولي. وقد يتمكن الأخوان المسلمون على نفس النحو من الاستيلاء على السلطة في مصر وفرض نظام أشد قمعية من نظام مبارك "!!.
وحتى لو نجحت مصر في تجنب سيطرة المتطرفين الدينيين، فإن الطبيعة التشريحية المزدوجة للديمقراطية تجعل من التقدم السريع والسلس في اتجاه إنشاء نظام ديمقراطي أمراً معضلا. ففي حين نستطيع أن نعتبر تنظيم الانتخابات أمراً سهلاً نسبيا، فإن تأسيس الحرية ودعمها هو أمر أكثر صعوبة، لأنه يتطلب وجود مؤسسات مثل النظام القضائي الذي يتمتع بمحاكم محايدة وهذا ما تفتقر إليه مصر الآن، والذي يحتاج بناؤه إلى سنوات عديدة."
وحول هذه النقطة يستطرد البروفيسور الأمريكى شارحا :
" في بلدان أخرى تحولت إلى الديمقراطية، كانت المؤسسات وممارسات الحريات فيها تنشأ في كثير من الأحيان من رحم اقتصاد السوق الحرة، ذلك لأن التجارة تعزز من عادات الثقة والتعاون التي تعتمد عليها الديمقراطية المستقرة، وليس من قبيل الصدفة أن اقتصاد السوق الحرة يسبق السياسات سبق السياسة الديمقراطية في العديد من بلدان أميركا اللاتينية وآسيا في النصف الثاني من القرن العشرين.
وهنا أيضاً سنجد أن مصر في وضع غير موات، ذلك أن اقتصادها عبارة عن شكل من أشكال رأسمالية المحسوبية، حيث يعتمد النجاح الاقتصادي على مدى قوة العلاقات السياسية التي يتمتع بها المرء، وليس على منافسة السوق الحرة القائمة على الجدارة والإستحقاق والتي تنشأ الحرية في كنفها.
ومن ناحية أخرى تعاني مصر من عائق سياسي آخر: فهي دولة عربية، ولا توجد من حولها أنظمة عربية ديمقراطية. وهذا أمر بالغ الأهمية، ذلك لأن البلدان، مثلها في ذلك كمثل الأفراد، تميل إلى محاكاة الدول الأخرى التي تشبهها وتثير إعجابها. فبعد الإطاحة بالشيوعية وسقوط الإتحاد السوفييتى في عام 1989، انجذبت شعوب وسط أوروبا إلى الديمقراطية لأنها كانت الشكل السائد للحكم في بلدان أوروبا الغربية، وهو النموذج الذي انجذبت إليه بقوة. أما مصر فليس لديها مثل هذا النموذج الديمقراطي."
ويمضى البروفيسور الأمريكى قائلا:
" ولكن مصر في وضع أفضل من غيرها من البلاد العربية فيما يتعلق بتبني نهج الديمقراطية، وذلك لأن العقبات التي تعترض طريق الديمقراطية في العالم العربي تعد أقل ترويعاً في مصر بالمقارنة بأي مكان آخر في العالم العربي. فالعديد من البلدان العربية مثل العراق وسوريا ولبنان تعاني من انقسام حاد على طول خطوط قَبَلية وعرقية ودينية.
وفي المجتمعات المنقسمة لا يبدي الفريق الأقوى غالباً أي استعداد لتقاسم السلطة مع الفرق الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى الدكتاتورية لا محالة، أما مصر فهي على النقيض من ذلك ، فهى متجانسة نسبيا، والمسيحيون فيها الذين يشكلون نحو 10% من السكان، يمثلون الأقلية الوحيدة الكبيرة في مصر."
ثم يستطرد دكتور ماندلباوم فى مقاله إلى الحديث عن منطقة الخليج العربى والتى يوجد بها نحو 70 فى المائة من الإحتياطى العالمى للبترول – عصب الإقتصاد العالمى وعموده الفقرى، وكيف أن البترول يمثل أكبر عقبة فى تحقيق الديمقراطية فى تلك المنطقة فيقول:
" كما يعمل النفط الذي تتمتع بلدان الخليج العربية بوفرة منه أيضاً ضد الديمقراطية، وذلك لأنه يساعد في خلق الحافز لدى الحكام للاحتفاظ بالسلطة إلى ما لا نهاية، وتمكنهم عائدات النفط الكبيرة من رشوة السكان واسترضائهم لدفعهم إلى تبني السلبية السياسية، في حين تعمل على تثبيط أي اتجاه لخلق ذلك النوع من نظام السوق الحرة الذي يساعد في توليد الديمقراطية. ومن حسن الحظ فيما يتصل بآفاق الديمقراطية في مصر فإن أرضها تحتوي على قدر متواضع للغاية من احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط.
فضلاً عن ذلك فإن حركة الاحتجاج الحاشدة التي اجتاحت مصر فجأة كانت حتى الآن سلمية، وهذا أيضاً يصب في صالح قدرتها على بناء الديمقراطية. فعندما تسقط الحكومات بسبب أعمال عنف فإن النظام الجديد يحكم عادة بقبضة من حديد، وليس في ظل إجراءات ديمقراطية، ولو لم يكن ذلك إلا بدافع من رغبته في حصار الفريق الذي ألحق به الهزيمة.
وتتمتع قضية الديمقراطية في مصر بأصل آخر بالغ الأهمية، ولعله الأكثر أهمية على الإطلاق. إن الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين مواطنين مقتنعين بقيم الحرية والسيادة الشعبية وملتزمين بترسيخ هذه القيم والحفاظ عليها، ومن الواضح أن المشاعر السياسية التي أبداها العديد من مئات الآلاف من المصريين الذين احتشدوا في ميدان التحرير في القاهرة طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أنهم يريدون الديمقراطية، وأنهم مستعدون للعمل بل والتضحية بأرواحهم من أجلها. ولكن هل هم كُثُر بالدرجة الكافية، وهل يتمتعون بالقدر الكافي من الحيلة والصبر والحكمة والشجاعة والحظ؟ هذا سؤال لا يستطيع أحد غير شعب مصر أن يجيب عليه ".
تلك كانت أهم النقاط التى جاءت فى مقال دكتور مايكل ماندلباوم الذى كتبه بعد أيام قليلة من خلع الرئيس مبارك وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير محمد حسين طنطاوى إدارة شئون البلاد لفترة إنتقالية، لكن دكتور ماندلباوم فى الحقيقة كان قد تناول القضية بتفصيل وعمق أكبر فى كتابه عام 2007 : " اسم الديمقراطية الطيب: صعود ومخاطر أهم أشكال الحكم فى العالم"، فذكر أسبابا وعراقيل أخرى فى العالم العربى تعيق عملية التحول الديمقراطى، منها على سبيل المثال لا الحصر تأثير الحروب الصليبية على المنطقة ، والإرث الإستعمارى الغربى للمنطقة ومشروعات تقسيم العالم العربى (سايكس – بيكو ) ثم ذرع دولة إسرائيل فى وسط المنطقة لتقسم العالم العربى إلى نصفين، هذا بالإضافة إلى تعدد الأقليات العرقية الإثنية من أصحاب الديانات والطوائف والمذاهب السياسية ، وطبقة رجال الدين ككل والتى يرى بعضها أو معظمها أن الحكم أو الحاكمية لله وفقا للقانون الإلهى وهو الأمر الذى يتصادم مع القانون البشرى الوضعى المستمد من فكرة الديمقراطية وحكم الشعب من خلال ممثلين منتخبين إنتخابا حرا ونزيها ، كل هذا الإرث يقف حائلا أمام تحقيق الديمقراطية فى العالم العربى، خاصة إذا كانت الدعوة إليها تأتى من الولايات المتحدة الأمريكية التى تضمن أمن إسرائيل وتزودها بأعتى وأحدث الأسلحة وتساندها بالحق والباطل على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى!،.. وقد استغل الكثير من الحكام العرب المستبدين قضية فلسطين والصراع العربى الإسرائيلى كذريعة للتشبث بالسلطة والبقاء فى الحكم وتوريثه ورفض أى عملية تحول جاد نحو إطلاق الحريات وتحقيق الديمقراطية رغم أنهم على وعى كامل بأن شعوبهم تنشد الديمقراطية وتتطلع إلى المزيد من الحريات!.
إذا كان هذا هو بعض ما ذكره البروفيسور الأمريكى مايكل ماندلباوم فى كتابه الذى أشرنا إليه، فإن الحقيقة التى لم يذكرها البروفيسور الأمريكى على الإطلاق لا فى كتابه أو مقالاته العديدة رغم أنه يعلمها جيدا، هى أن الولايات المتحدة الأمريكية هى فى الحقيقة أكبر عقبة فى طريق تحقيقة الديمقراطية التى تناضل من أجلها وتنشدها الشعوب العربية، فهى الضامن لأمن إسرائيل على حساب الأمن العربى كله، وهى المسئول الأول عن حماية كافة الأنظمة العربية المستبدة وخاصة فى منطقة الخليج العربى ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكل ذلك بسبب البترول الذى تستهلك منه أمريكا وحدها نصف الإنتاج العالمى، وعندما شعرت أمريكا فى السنوات العشرالأخيرة أن معظم الحكام العرب المستبدين قد مكثوا فى السلطة عقودا عديدة، وأن معظمهم حاول التمرد أو مجرد التفكير فى الخروج من بيت الطاعة الأمريكى ، والتعاون مع دول كبرى مثل روسيا والصين ، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية خطة فى عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش فى أواخر ولايته الثانية ، ليشرف على تنفيذها خليفته الرئيس أوباما ، لإستبدال أولئك الحكام بآخرين أكثر مرونة وأكثر سمعا وطاعة، مع بقاء الأنظمة كما هى ، فلم تجد واشنطن أفضل من جماعة السمع والطاعة المسماه بالإخوان المسلمين والتنظيم العالمى لها، لتدخل معهم فى تحالف إستراتيجى سعى إليه الإخوان أكثر من الأمريكيين لمجرد الإعتراف الدولى بهم ولإرضاء نهمهم وشراهتهم للسلطة فى مصر والبلدان العربية، .. تحالف مصالح ليس أكثر، وهذا التحالف الإستراتيجى الأمريكى الإخوانى هو أكبر دليل على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تهتم بقضية تحقيق الديمقراطية أو إطلاق الحريات فى مصر أو العالم العربى لأن أمريكا تعلم أن الإخوان لا يؤمنون بالديمقراطية ولا يعترفون بحقوق الأفراد أو الأقليات أو المرأة، وأنهم يتمسحون بالدين لتحقيق أهدافهم ومآربهم السياسية،.. كل ما يهم الولايات المتحدة الأمريكية هو حماية المصالح الحيوية الإستراتيجية الأمريكية مثل البترول والمرور الآمن فى قناة السويس ، وضمان أمن إسرائيل وعدم إنتهاك معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وتصفية القضية الفلسطينية، ولا مانع عند الأمريكيين من مجاراة الإخوان فى التظاهر بقبول حلمهم الساذج فى إعادة إحياء دولة الخلافة!!
و عند هذه النقطة فإننى أجد لزاما على أن أقول لهذا المدعو الشيخ صفوت حجازى، والذى لا أعرف له دورا أو وظيفة، وأقول لمرشده ورئيسه وإخوانه الذين يصدعون أدمغتنا بالحديث عن الخلافة، أننى خلال إقامتى فى شمال أمريكا لأكثر من ربع قرن قد تأكدت من حقيقتين لا يوجد عندى أدنى شك فيهما: الأولى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح إطلاقا تحت أية ظروف أو مسميات بإقامة دولة الولايات العربية المتحدة أو الدولة العربية المتحدة، والثانية أن الولايات المتحدة الأمريكية تعانى منذ الإطاحة بشاه إيران وعودة الخمينى إلى طهران بما يسمى " بعقدة إيران " - Iran Syndrome ، وأنها قد عقدت العزم على ألا تتحول مصر إلى إيران أخرى فى المنطقة حتى لو كلفها ذلك التدخل العسكرى الأمريكى المباشر فى مصر ، وهذه ليست تحذيرا أو نصيحة وإنما الإقرار بحقيقة يجهلها الإخوان وللأسف معظم المصريين، ولا يعلمها إلا قلة قليلة من كبار الخبراء العسكريين المصريين المتخصصين فى العلوم العسكرية الإستراتيجية !.
لقد أشترت الولايات المتحدة الأمريكية الإخوان وباعت كل القوى الليبرالية العلمانية فى مصر والعالم العربى بأبخس الأثمان!! ، ورغم كل هذه العقبات والعراقيل يبقى حلم وأمل المصريين والشعوب العربية فى إطلاق الحريات وتحقيق الديمقراطية حيا ونابضا ، ولكن كيف له أن يتحقق على أرض الواقع؟ دكتور مايكل ماندلباوم يرى الحل فى أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية التى تستهلك نصف الإنتاج العالمى من البترول بالحد من الإستهلاك وتقليل وارداتها البترولية من الشرق الأوسط للضغط على حكام الدول المنتجة للنفط فى المنطقة، وعلى تشجيع إنتاج مصادر بديلة للطاقة، ولكن هل تنتظر مصر أو الشعوب العربية الحل من قوى خارجية؟!! كيف تحصل هذه الشعوب على الديمقراطية؟!
هل نستوردها معلبة مغلفة فى ورق سوليفان؟
للأسف الديمقراطية ليست سلعة تباع فى " السوبر ماركت " ، وغير قابلة للإستيراد أو التصدير، كما أنها ليست مشروعا يبنيه لك المستثمر الأجنبى على طريقة " تسليم مفتاح ".
إن الديمقراطية فى الأساس هى فكرة ... بذرة يجب أن تزرعها فى تربة صالحة فى أرض البلد الذى تريد تحقيق الديمقراطية فيه، ... ترويها بالماء كى تنمو إلى فسيلة صغيرة ، وتوفر لها الشمس والماء والهواء والسماد اللازم ، ورويدا رويدا تنمو وتكبر وتصبح شجرة كبيرة جذورها ضاربة فى الأرض وأصلها ثابت ، وفروعها عالية شامخة وأوراقها ناضرة يستظل بظلها كل من يعيش تحتها ...
وحتى الديمقراطية فى الغرب لها أشكال وصور متعددة ، غير أن كلها تشترك فى أن أفراد الطبقات الحاكمة فى المجتمعات الغربية يؤمنون بأنهم خدام لشعوبهم لا أسيادا عليها.
هل تعرف عزيزى القارئ ماذا يطلقون على كل من يعمل فى الحكومة فى المجتمعات الغربية المتقدمة؟ ، يطلقون عليه: Civil Servant – أى " خادم مدنى " اذا ما ترجمنا هذا التعبير ترجمة حرفية ، ينطبق هذا على الموظف الصغير وعلى المدير وعلى الوزير وعلى رئيس الوزارة وعلى رئيس الدولة .. جميعهم Civil Servants خدم عند سيدهم ، وهو الشعب الذى يدفع مرتباتهم ومخصصاتهم وإمتيازاتهم ومصاريف علاجهم ..
الشعب هو السيد والمارد ، والحاكم أو الموظف العمومى هو الخادم المطيع، والمعيار في إختياره يتوقف على الكفاءة والخبرة والشفافية وطهارة اليد ، والقدرة على الإنجاز فى العمل والتفانى فى خدمة سيده ألا وهو الشعب الذى أفراده هم " مواطنون لا رعايا "، لكن يظل الواقع المر الأليم الناتج عن أخطاء تراكمية عبر سنوات طويلة من القهر والإستبداد يفرض علينا حقيقة أننا فى مصر لا توجد عندنا أحزاب سياسية حقيقية تخرج من قاعدة هرم المجتمع إلى قمته وليست بقرارات فوقية، ولذا فنحن نعانى فى مصر من " أنيميا حادة " فى السياسين الحقيقيين المخلصين ، بعد أن ابتلينا بسياسيين منافقين يرون أنفسهم " رجال لكل العصور " ... رجال يعرفون تماما " من أين يؤكل الكتف "!!،.. وبالرغم من كل هذا، وكل ما سبق فأنا أشد إيمانا بحتمية التغيير، وبأن الديمقراطية هى المستقبل السياسى لمصر وليس تحالف الإخوان مع الأمريكيين.
كاتب ومحلل سياسى مصرى - كندى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.