هناك أنواع من الكذب. الكذب الأبيض والكذب الأسود. الكذب الأبيض، عادة ما يكون الغرض منه تفاديا لكارثة أو فضيحة أو مصيبة. أما الكذب الأسود فهو الكذب الذى يراد منه الغش والخداع والوقيعة بين الناس للوصول بغير حق إلى مأرب أو غرض أو هدف. أقول هذا، بمناسبة الأكاذيب العديدة التى انطلقت فى الآونة الأخيرة، التى قصد بها تضليل البسطاء من هذا الشعب. والغريب فى الأمر، أن الكذابين، صدقوا كذبهم وأصبحوا يتحدثون عنه على اعتبار أنه حقيقة واقعة. وإليك عزيزى القارئ شيء من هذه الأكاذيب المضللة. أولى الأكاذيب المنتشرة هذه الأيام، ما يدعيه زعماء التيار الدينى فى مصر، من أن وراءهم 30 مليون مصرى اختاروهم فى الانتخابات التشريعية الماضية. لا تمر مناسبة ولا فرصة لأى قيادى من قيادات التيار الديني، إلا ويتحاكى بهذه المقولة. هذا الكلام، إن كان ظاهره حقيقياً، إنما باطنه كذب فى كذب، ولا أدل على ذلك من أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى دارت بين مرشحى الرئاسة، حصل مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسى فى الجولة الأولى منها، على ما يقرب من خمسة ملايين صوت فقط. فأين هم الثلاثون مليوناً الذين يتشدقون بهم! وحتى فى مرحلة الاعادة، حصل الدكتور مرسى على اثنى عشر مليوناً تقريبا. فإذا كان للتيار الدينى ثلاثون مليوناً مؤيداً كما يدعون، فلماذا لم يصوت هؤلاء فى الانتخابات الرئاسية للمرشح الديني؟؟ الحقيقة التى يغفلها دعاة التيار الديني، ولا يرتضون الاعتراف بها، هى أن الثلاثين مليون الذين انتخبوهم فى الانتخابات التشريعية، كان أغلبهم مضللين ومنساقين وراء معسول الكلام عن الجنة والنار والحلال والحرام والكافر والمؤمن وأن الاسلام هو الحل. هذا فضلا عن الفتات من العطايا التى كانت تؤدى لهم، كالأرز والزيت والسمن والسكر. التيار الدينى وصل إلى الشعب البسيط الفقير بمعسول الكلام وإبهار الدين والعطايا والمساعدات لهذا الشعب الفقير. فإن كان وراءهم ثلاثون مليوناً فعلا، كما يدعون، فأين هم إذن فى انتخابات الرئاسة؟ ومن الأكاذيب المضللة أيضا، ما اعلنه أحد قيادات الاخوان المسلمين، أثناء الانتخابات الرئاسية، وتناولته جميع وسائل الاعلان المصرية. قال هذا القيادى الكبير: إن هناك 200 مليار دولار فى طريقها إلى مصر. موهما الناس أن الخير كل الخير، سيأتى على قدومهم، حينما يصلون إلى الحكم. مائتا مليار دولار سوف تأتى إلى مصر للاستثمار فيها. هكذا ادعى من نسج خياله هذا القيادى الكبير، ترغيبا للناس فى الاخوان المسلمين، وهو يعلم يقينا أن هذا المبلغ (200 مليار دولار) يستحيل لأى دولة أو مستثمر أن يضعها فى دولة بها اضطرابات غير محسوبة العواقب. وها هم الإخوان المسلمون قد وصلوا للرئاسة، لماذا إذن لم نسمع حتى الآن أن أتى إلى مصر ولو حتى مليون دولار من آلاف الملايين التى وعد بها هذا القيادى الهمام؟ ثم من هم الذين سيعطوننا 200 مليار دولار؟ هل هناك دولة فى العالم بما فيها امريكا تستطيع أن تقرض دولة نامية 200 مليار دولار؟ الحقيقة، أنه ليس هناك لا 200 مليار دولار ولا حتى 100 مليون دولار. كل هذا كذب فى كذب ولا يصدقه إلا البسطاء من الناس، هذا الكلام لا يصح ولا يليق أن يصدر من أى تيار سياسي، خاصة ممن يدعون الإسلام. ومن الأكاذيب أيضا، ما ادعاه السيد رئيس الجمهورية من أنه سيحل أغلب مشاكل مصر فى مائة يوم، هذا الكلام. إما أنه صدر عن غير دراية واعية. وإما أن القصد منه تضليل الناس. فى تقديري، أن إصلاح مشاكل مصر لا يمكن أن تحل فى مائة يوم ولا مائة شهر. بل تحتاج إلى سنوات وسنوات وسنوات، ولا يصلح لها لا مائة يوم ولا حتى مائة شهر. ويجب لحلها أولا وقبل أى شيء، إصلاح الإنسان المصرى حتى يمكن اصلاح مشاكل مصر، فالإنسان المصرى هو السبيل الوحيد لحل جميع مشاكل مصر. الأكذوبة الكبري، التى ظل الاخوان المسلمون يرددونها لثلاثين عاما ماضية، ولكنهم بعد أن وصلوا إلى الحكم توقفوا عن ترديدها، هى مقولة (الإسلام هو الحل). كلمة مبهرة جذابة لا يستطيع أى مسلم أن ينقدها أو يرفضها. هذه المقولة، ظل الإخوان المسلمون يرددونها طوال الثلاثين عاما الماضية، دون أن يوضحوا للناس كيف سيكون الإسلام هو الحل. ماذا سيقدمه الإسلام لحل مشاكل الشعب ومشاكل مصر. لم يتطرق أى من القيادات الإخوانية طوال تلك السنين إلى شرح هذا الشعار وإنما اكتفوا بإبهار الناس به. وبهذه المناسبة، إذا ما أخفق الإخوان المسلمون فى حل مشاكل مصر، فهل هذا يعنى أن الإسلام قد فشل فى حل المشاكل؟ الحقيقة أننا نعيش فى بحور من الأكاذيب، التى لا طائل من ورائها إلا خداع البسطاء من الناس. أما النخبة والمثقفون، فيعلمون جيدا، أن هذه الأقاويل وتلك الشعارات، لا أساس لها من الصحة، فهى لا تنطلى عليهم ولا على كل من لديه رغبة حقيقية فى اصلاح مصر... وأهووو كله كذب فى كذب!