على أحد المقاعد الخلفية المنتشرة على جانبي قاعة الجلسات بمحكمة أسرة البساتين، جلست "سوما"، الزوجة الشابة، على مقربة من والدتها العجوز، تضم طفلها الذي لا تزال حمرة الميلاد طابعة بآثارها على ملامحه البريئة إلى صدرها، وتسعى لإخضاع صرخاته التي كسرت الصمت المحكم على جنبات القاعة. تبدأ الزوجة حديثها بكلمات ممزوجة بالألم تقول: "تزوجت من ياسر هربًا من الفقر الذي يعتصر جسدي أنا وأمي وإخوتي، كنت واهمة أنني عندما أتزوج برجل ماله وفير ولديه بيت آدمي ليس كبيتنا الآيل للسقوط، سأرتاح وأزيح همي عن صدر أمي التي ذاقت المرار كي تربيني وأشقائي بعد وفاة والدي تربية صالحة، وسأطمن قلبها القلق على مستقبلي، إذا ما رحلت عن عالمنا هى الأخرى، ومن أجل ذلك تغاضيت عن جهل العريس، وصممت آذاني عن كلمات الناس المحذرة لي من سوء سلوكه وطباعه، وأقنعت نفسي بأن ماله الذي يجنيه من شركة المعمار التي يمتلكها سيعيننى على تحمله وتقويمه، وأسلمت عقلي إلى وعوده الواهية بترك حياة اللهو والعبث، لكن يبدو أن حساباتى كانت جميعها خاطئة". تتثاقل الكلمات على لسان الزوجة وهي تسرد تفاصيل حياتها القصيرة التي لم تدم إلا لسنوات لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة: "فما إن أغلق علينا باب بيت واحد حتى أدركت مدى الجُرم الذي ارتكبته في حق نفسي، وأن المال لا يصلح النفوس الطالحة، وبدأت أصطدم بقلب زوجي القاسى ولسانه السليط، ويده الطائشة التي كانت تطالني لكماتها بسبب وبدون سبب، وصرت أرى بوضوح ملامح وجهه الراضخ لأوامر والدته وشقيقاته اللاتى كن يتعاملن معى وكأننى عدوة لهن رغم حسن معاملتي لهن ومحاولتي التقرب منهن، ويستبحن متعلقاتى وكأنها ملكية عامة وينتهكن خصوصياتى ويتطاولن عليَّ بالقول، ويملأن عقل زوجي وقلبه بكراهيتي ولا يهدأن إلا بعد أن يرين آثار يديه مطبوعة على جسدي". تمسح الزوجة بأناملها على وجه رضيعها الغائص فى سبات عميق وهي تواصل روايتها: "عشت أسوأ أيام حياتي في ذلك البيت، وذقت طعم الجوع والخوف وعرفت معنى الذل والإهانة، وبت أهرب إلى منزل أهلي بحثًا عن لقيمات تبقينى على قيد الحياة، لكن بعد فترة كنت أعود إلى زوجي وأنا صاغرة خشية أن أحمل أمي ما لا طاقة لها به، وخوفًا من شبح الطلاق، وأخيرًا من أجل ابني "سليم"، الذي ظننت أنه عندما يأتى إلى هذا العالم سيغير حياتي ويعيد والده إلى رشده ويدفعه للكف عما يفعله بي، وإنهاء مسلسل تجويعه لي، لكن هذا لم يحدث وللمرة الثانية أخطات في ظني، فظلت معاملته السيئة لي كما هي وكذلك أمه وشقيقاته، وزادت سوءًا بعد سوء". تلتصق الزوجة بجدار يقاوم السقوط كجسدها النحيل تضم رضيعها إلى حضنها وهى تقول: "تركني وابني بدون منفق، ورفض الإنفاق عليه رغم أنه ميسور الحال، حيث إنه يعمل صاحب شركة معمار، ودخله الشهري يتجازو مئات الألوف ، فلجأت إلى محكمة الأسرة طالبة إلزامه بالإنفاق على طفله.