«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
امرأة فى الغابة !
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 03 - 2015

ترددت كثيرا فى أن أكتب إليك حكايتى المملوءة بالمآسي
، ثم حزمت أمرى بأن استشيرك فيها بعد أن تعبت من كثرة الهموم التى تلاحقنى منذ سنوات الصبا. وأرجو ألا ينزعج قراؤك منها، كما أنزعج من معظم ما تنشره فى بريدك واسع الانتشار لما فيه من أحزان وأوجاع الآخرين التى تفوق طاقة البشر، فأنا امرأة فى التاسعة والعشرين من عمري، ولكن فى داخلى أشعر أننى قدر هذا العمر ألف مرة نتيجة التجارب المؤلمة التى مرت بي، والظروف القاسية التى واجهتها، فلقد نشأت فى أسرة متوسطة تضم ثلاث بنات أنا واحدة منهن، وولد، وأبى وأمي، ولا أخفى عليك أن علاقتى بهم ليست كما أتمني، ولكنها أيضا ليست سيئة، ونحن نعيش فى إحدى قرى محافظة الدقهلية.تعودت منذ صغرى ألا أحكى أو أبوح بما فى داخلى إلى أحد، وكتمت أسرارى الحزينة، حيث تعرضت لأشياء ومواقف أثرت عليّ كثيرا، ومازالت عالقة بذهني، ولا تفارقه أبدا، فعندما كنت طفلة فى سن الثامنة ألحقنى أبى بكتّاب لدى أحد الشيوخ لكى أحفظ على يديه القرآن الكريم، وذات يوم ذهبت إليه كالعادة فرأيت هذا الشيخ فى غرفة ليس لها باب ولا شباك، وقد أخذ بنتا من زميلاتى ورفع ملابسها. وفعل بها أشياء يصعب وصفها، فحتى الحيوانات لا تفعلها، فما بالنا بشيخ وضع الأهالى ثقتهم فيه، فارتجف جسمى بشدة، وتسارعت نبضات قلبي، وهرولت إلى منزلنا، وأنا أردد بأنفاس متقطعة «الحمد لله» أنه لم يرني، وإلا فعل بى ذلك أنا الأخري، ولم أعد إلى الكتّاب مرة أخري، وحاولت أمى أن تعرف السبب فلم أخبرها بما حدث، ولما عرضت عليّ الذهاب إلى كتّاب آخر، وافقت، وانتقلت إليه، ومضت الأمور على مايرام لدى شيخ محترم لم أر منه أى فعل حقير كسابقه.

وفى يوم أسود كنت أجلس مع أختى وصديقة لها، وطلب منى أحد أعمامى أن أشترى علبة سجائر، فرفضت، فصاحت أختى الكبرى فيّ قائلة: «عيب.. ميصحش تقولى لعمك لأ» وكنا وقتها نجلس فوق سطح المنزل، وكانت المبانى على السطح بالطوب الأحمر فقط وبلا سقف، وبدون أبواب وشبابيك.. المهم إننى وافقت، وأحضرت له طلبه، ولم أكن أعلم ما ينتظرني، فلقد فعل بى عمى مثل ما فعله الشيخ مع زميلتى من احتكاكات خارجية قذرة، فمادت بى الأرض وانخرطت فى بكاء مرير، وزاد ألمى أن أمى رأتنى وأنا على هذه الحال، حيث تصادف أنها صعدت إلى السطح لنشر الغسيل. ولا أعلم كيف عرفت ما فعله عمى بي، وأخذتنى إلى الغرفة، وخلعت ملابسى الداخلية، وسبتنى وضربتني، وحذرتنى من أن أخلع ملابسى أمام أى أحد، فاستمعت إليها، ولم أجرؤ أن أسألها عن ذنبى فيما فعله هذا الرجل الذى سقط من نظرى وأنا فى تلك السن الصغيرة، ولا أريد أن أذكره بأنه عمي، بل إن فعلته التى يندى لها الجبين مازالت مؤثرة فى نفسى حتى اليوم، ولا تفارق خيالي، وأراها فى وجوه أولاده الذين مازالوا يسكنون مع أسرتى فى منزل العائلة.
ومنذ ذلك اليوم صرت مثل الولد، أتعامل بكل حزم وجدية، ولا أهتم بالشباب، وما أكثر من تقربوا منى لكنى صددتهم جميعا، وعشت حياة طبيعية، وركزت فى دراستى وحصلت على الثانوية العامة، والتحقت بالجامعة، ثم وجدتنى أتغير فجأة، ورحت أبحث عن الحب، وأنا لا أدرى أننى أؤذى نفسى بهذا المسلك الخطير، إذ تعرفت على شاب وأقنعنى أنه يحبني، ودعانى إلى زيارة شقته التى ستصبح بيتنا فيما بعد. وحدث ماهو متوقع من شاب وفتاة بمفردهما فى مكان مغلق، بل وما هو أبشع من ذلك، حيث فوجئت بسبعة من أصحابه فعلوا بى مثله، وخرجت من عنده، وأنا شبه فاقدة الوعي، ولعنت نفسى على تفريطى فيها، وقطعت صلتى بكل معارفى إلا صديقة واحدة هى التى وجدت سلواى معها، وزرت أحد الأطباء لكى أعرف إن كان هذا الاعتداء قد أثر على عذريتى أم لا، ففحصنى وأكد لى أننى مازلت عذراء، ومر شهر ولم تأتنى الدورة الشهرية، وأحسست بشيء غير طبيعى داخلي، فعدت إلى الطبيب من جديد، فقال لي: أنت حامل!.. وانخرطت فى البكاء، ووجدتنى أتصل بالشاب النذل الذى تصورت انه يحبني، لكنه ما أن سمع صوتى حتى أغلق هاتفه، ولم يبال برسائلى التى رجوته فيها أن يصحح خطأه ويتزوجني، وباءت كل محاولاتى معه بالفشل، وسألت صديقتى كثيرا عن حل لمأساتي، وأخيرا تخلصت من الحمل وأجهضت نفسي، وتألمت جسديا لكن الألم النفسى كان هو الأقوى والأشد قسوة، وأحسست أن حياتى انتهت عند هذا الحد.
وبعدها زرت أكثر من طبيب، وتأكدت من أننى مازلت عذراء، وسجدت لله شكرا، وأنا عازمة على ألا أعود إلا هذا الذنب أبدا، مهما تعرضت لمضايقات أو اشتدت علىّ الضغوط، وما ساعد على لملمة هذه الكارثة دون علم أهلى أننى كنت أسكن المدينة الجامعية، واقتربت اكثر من الله، فواظبت على الصلاة، كما أننى بطبعى أرتدى الملابس الوقورة، وطويت الماضى ظاهريا، وظلت آثاره العميقة فى نفسى، وكأننى فى غابة يسعى من فيها الى افتراسى بلا رحمة لأننى جميلة، فلا هدف لأى واحد إلا أن يذوق هذا الجمال، دون اعتبار أننى فتاة تسعى الى الحب والحياة السوية.
وبينما أنا على حالى الجديدة، وانصرافى إلى نفسي، تقدم لى شاب طالبا يدى فتركت مسألة قبوله أو رفضه لأهلي، ورأى أبواى أنه شاب مناسب وتمت خطبتنا، وكان مسافرا الى إحدى الدول العربية، وتحدثنا معا عبر الإنترنت كثيرا، ولأننى افتقدت الحب بمفهومه الحقيقى طوال حياتي، رسمت له صورة رائعة فى خيالي، أحببته على أساسها، ومرت الأيام، وعاد الى مصر وتزوجنا. ووقعت مشكلات بسيطة خلال فترة الخطبة كما يحدث عادة فى معظم الزيجات، وتجاوزناها «حتى يسير المركب» كما يقولون، ومنذ اليوم التالى للزفاف أظهر لى أهله وجههم الحقيقي، وانساق إليهم ونفذ إملاءاتهم عليه بالحرف الواحد ودون نقاش، وتعود على سماعهم فقط بلا أى اعتبار لما أقوله، وبغير حوار أو مناقشة، وظل معى شهرا وثلاثة أسابيع، وقبل أن يعود الى البلد العربى الذى يعمل به، زرنا الطبيب ووجدتنى حاملا فى طفلى الأول، وفرض علىّ شروطا جديدة أقساها ألا أزور أسرتى طوال سفره أى لمدة سنة كاملة، وحجته أنها عادة قديمة فى عائلته فلا تذهب الزوجة الى بيت أبيها إلا بعد مولودها الأول.. نعم فرض علىّ هذا الفرمان برغم أن أخته التى تزوجت قبلنا بفترة بسيطة، جاءت إلى أهلها فى أسبوعها الأول من الزواج!.
ومرضت أمي، وحدد الطبيب المعالج موعد جراحة لها، فاتصلت به أرجوه أن يوافق على أن أزورها، فلم يرد علىّ، ولم تجد محاولاتى معه، وانساق الى أهله الذين أوغروا صدره ضدى بلا سبب، وأوقعوا بيننا خلافات لا معنى لها، ولا تفسير، وصم أذنيه وقلبه عن توسلاتي، وكلمات الحب والاحترام والتقدير التى بعثت إليه بها، وردّدتها عليه فى رسائلى المتواصلة، وذهبت إلى أسرتي، وجلست بجوار أمى واطمأننت عليها، وأرسلت له عبر الهاتف المحمول اننى زرت أمى قبل الجراحة، فاتصل بى ونهرنى بشدة، وقال لى أننى مطلقة منه الآن!... فهو يريد ألا اخرج من المنزل ابدا، وأن أصحو من النوم فى السادسة صباحا، وأنزل إلى والدته وزوجة شقيقه، وأظل معهما طوال اليوم، وأخدم الجميع، ولا أصعد إلى شقتى إلا عند النوم!.. وسمعت من العائلة كلاما كثيرا عن أن «حماتى وسلفتي» وشقيقاته يغرن منى لأننى أجمل واحدة فى البيت، وتردن إيذائى بأى شكل، ولم أهتم لذلك، وصبرت وتحملت من أجل أن تسير بى الحياة، ثم فوجئت به يتصل بى فى منتصف الليل ذات يوم، ويطردنى عبر الهاتف، وبعدها أغلق الهاتف، فاتصلت بشقيقى لكى يأتى إليّ ويأخذنى معه إلى بيت أهلي، فجاءنى مسرعا، ومستفسرا عما حدث، ولم يمنعنى أهله من الخروج، وتجاهلوا الأمر تماما، وظللت عند اسرتى تسعة أشهر كاملة إلى أن عاد فى إجازته السنوية.
ولكى يحمى أهله ماء وجوههم أمام الآخرين راحوا يدّعون أننى سببت أمه وشقيقاته، وأريد أكلات معينة، ولا أستطيع أن أصنع أى طعام، وقالوا كلاما كثيرا للناس هدفهم منه التشهير بي، ولكى يبرروا سبب غضبى ووجودى عند أهلى طوال هذه المدة!... وبرغم ما فعلوه لم أقطع رسائلى إليه، ولم أتوقف عند سبابه لي، فهو زوجى ولكن يؤلمنى ما يفعله بي، وما يزيد من حزنى أنه لا يعرف أى شيء عن حقوق الزوجة، ولا يهتم بمولودته، ولقد بعثت له بميعاد ومكان الولادة، وبعث أبى إلى أهله يخبرهم بولادتي، فلم يأت أحد منهم أو يسأل عني، ولو بالتليفون.
ومرت ثلاثة أشهر على الولادة دون أن يلين قلب زوجي، أو أحد من أسرته، ثم جاء من السفر، وأرسل واحدا من أهله دون أن يحضر بنفسه ليأخذني، ويشرح لى حكاية الطلاق التى قالها لي، وأى طلاق كان يقصده، فرفض أبى عودتى إليه بهذا الشكل، وعاودت الاتصال به لكى أقول له إن ما يفعله يسيئ إلينا جميعا، وبعد محاولات مريرة جاءنا قبل عودته إلى البلد العربى بأسبوع، ورجوت أبى ألا يحدثه فى شيء، وعندما سلم أبى عليه، أدار وجهه إلى الناحية الأخري، وتجاهل الكل موقفه حتى أرجع إليه، لكنها كانت عودة مهينة إلى أبعد الحدود، فلقد تركنى فى الشارع مع الاغراب وهم الذين أوصلونى إلى منزله، وبت ليلة عصيبة، لم يتحدث كلانا خلالها مع الآخر، ولم ينظر إلى ابنته ولو نظرة واحدة، وأجبرنى على الاعتذار لأمه على ما لم أقله عليها ابدا وامتثلت لإرادته حتى تسير الأمور.
وخلال ذلك الاسبوع تعرضت للبهدلة والاهانة بما يكفى بلدا كاملا.. وكان كل همه أن يأخذ شبكتى بحجة أنها من ماله، مستنكرا أن أخذها معى إلى بيت أهلي، ولا أعيدها مرة أخري، وتجاهل أنه لم يصرف علينا، ولا على الولادة، وطلبات بنتنا مليما واحدا، بل أنه أرسل أناسا كثيرين لإحضار الشبكة من عند أبي، فأصررت على الا يعطيهم أبى ذهبي، فهذا ملك لي، فمنع أهلى من دخول بيته، وسافر من جديد، ولم يعطنى سوى اربعمائة جنيه فقط، وجاءت أمى وأختى لتحدثا أمه عما يفعله بي، فنهرتهما هى وشقيقة زوجي، فأخذتهما عندى فى الشقة، واتصلنا بعمه، فجاء ومعه شقيقة زوجى الكبري، ثم تجمعت أخواته وانقض الجميع علينا، كما ينقض الأسد على فريسته، وخرج عمهم، وتركنا فى هذه المعركة، وكادت ابنتى الرضيعة أن تموت من شدة التجاذب، وكانت أمى تحملها، وأخذت تصرخ بشدة، وتمكنت من أن أخذها قبل أن تضيع مني، ثم تلفت حولي، فوجدت أمى تنزف دما من رأسها، وتجمع الجيران، وخلصونا من هؤلاء الاشرار!.
ولذت أنا وأمى وأختى ومعنا ابنتى بالفرار، ولم آخذ، ولا حتى فستانا واحدا من الفساتين التى اشتراها أبى لابنتي، وبعدها حرر شقيقه محضرا ضدى فى قسم الشرطة بأننى سرقت ذهبي!.. ثم حرروا محضرا وهميا لخالى بأنه هو الذى سرق الذهب وضرب أمهم وأطلق الرصاص، وتعددت محاضرهم الوهمية ضد أهلي، سواء ممن حضر منهم تلك الواقعة، ومن لم يحضر!، وتحولت المحاضر إلى النيابة ثم الى المحكمة، وحصلنا على البراءة من أول جلسة، وظللت فى بيت أبى ثلاث سنوات.. لا أنا متزوجة، ولا مطلقة، وأصبحت «سيرتى على كل لسان»، الى جانب التعب النفسى والعضوي، ولما فشلت فى إصلاح حال زوجى والحفاظ على أسرتنا رفعت ضده قضايا للحصول على حقوقى أنا وابنتي.. فإذا به يساومنى للعودة إليه مرة أخري، ويقول لي: أحضرى الذهب، فهو يريد أن يتمكن من شبكتي.. هذا كل هدفه من ارجاعى إليه، ولم يأبه بمرض ابنته التى ولدت مصابة بحول تبادلى فى عينيها، ولم يفكر فى إجراء جراحة لها، بل انه لم يسجلها فى السجل المدنى أو يبعث من ينوب عنه لتسجيلها، وتوليت ذلك بنفسى فى اليوم الثالث للولادة حتى لا تسقط من القيد.. إنهم أناس قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة.
ولقد عاد الى مصر، ولم يطلقني، ولم يجر لابنته العملية، بل راح يبحث عن عروس جديدة، وتقطع قلبى فى الثانية الواحدة ألف مرة، وبعد كل هذا العذاب طلقنى غيابيا، وأخذت عليه أحكاما عديدة بالمتعة والنفقة ولم ينفذ أى منها، بدعوى أنه خارج البلاد، مع أنه يعود إلى مصر كل نحو 6 أشهر ولقد جئنا بشهادة تحركات له أكثر من مرة، لكن الموظف الذى يذهب إليه، يسجل أنه غير موجود، حتى وهو داخل المنزل، وبعد أن أعيتنا الحيل قمنا بالحجز على والدته، والغريب أنه عندما يذهب إليها رجال تنفيذ الأحكام يعطفون عليها ويتركونها، ويعودون من حيث أتوا!، ولا أدرى لماذا لا يعطفون علىّ أنا وابنتى ويأتون لنا بحقنا، فحتى أثاث الزوجية الخاص بى استخدمه شقيقه فى زواجه!.. كما أنه هو الآخر تزوج منذ نحو شهرين.. كل هذا والمسئول عن تنفيذ الأحكام يقول لأبي: انها حالة إنسانية، فأمه سيدة عجوز، ولا يستطيع أن يفعل معها شيئا، ولا أدرى عن أى إنسانية يتحدث هذا المسئول، فأنا لم أر أو أعش الإنسانية طوال عمري، فهل أصبحت موجودة الآن لتحرمنى من حقوقي؟.. وأى قانون يمنع مظلومة من الحصول على حقها لأن زوجها فى الخارج، وأمه عجوز، وهى التى تسيطر على كل شيء؟!.. فأنا أحيا فى هذا العذاب منذ أربع سنوات، ومع ذلك أتقى الله فى معاملتى له حتى الآن، وعندما يأتى فى اجازة ويطلب لقاء ابنته أرسلها له لكى يراها، أما أبى فيستشيط غضبا لأن مطلقى لا يصرف على ابنته، لكنى لا أستطيع أن أمنعها عن أبيها، وأخشى عقاب الله عز وجل.
ووسط هذه الأعاصير تعرفت على شاب من القاهرة عن طريق الانترنت منذ ثمانية أشهر، وتزوجنا سريعا، ورفض أن تأتى ابنتى معي، وعرضت الأمر على أهلى فقالوا لى إن أى شخص سيطلب ذلك، وهكذا تركتها مع أبى وأمي، وتيتمت الصغيرة فى حياة أبويها، وفقدت قلبى وروحى ببعدى عنها، وبعد الزواج وجدت زوجى غريب الأطوار، إذ منعنى من أن أحمل «موبايل» ورفض أن أعمل، أو أن أخرج من البيت ولو لشراء الطلبات، أو أن أفتح باب الشقة أصلا، فكل شيء لديه ممنوع، بحجة أنه خائف علىّ مما يحدث فى مصر الآن!.. إننى لا أعيش حياة طبيعية، وقد تحدثت معه كثيرا لكنه وضع طلاقنا فى كفة، وتنفيذ قائمة الممنوعات فى كفة أخري، والحقيقة أننى لا أطيق الحياة على هذا النحو القاسي، الذى لا مبرر له، ولا أحد يقبل به، وأصبحت بين خيارين.. فإما أن أبقى سجينة خوف زوجى المرضي، وفرماناته العجيبة، أو أن أنفصل عنه، وأظل سجينة العادات والتقاليد فى بيت أهلى كمطلقة للمرة الثانية، فبماذا تشير عليّ؟.. وهل من حل يريحنى من العذاب الأليم فى هذه الدنيا؟.


ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

إذا فقد الرجل ثقته فى زوجته، وتسرب إليه الشك تجاهها فإن حياتهما معا تصبح مستحيلة، ومبعث هذه الثقة هو أن يطمئن إلى حسن عشرتها وهدوئها ورزانتها فى قياس الأمور، واتخاذ خطواتها فى الحياة، وأنها لا تنجرف إلى التعرف على الآخرين والاصغاء إليهم والعمل بما يملونه عليها من نصائح وأفكار غير مدروسة أو لها أهداف مشبوهة، لكن زوجك الحالى الذى انتهى بك المطاف معه، لا يشعر بذلك ويظن أنه كما عرفك وتزوجك سريعا على الانترنت فإنك سوف تتعرفين على غيره، وربما تنساقين إلى آخر.. هكذا تحدثه نفسه، وإن لم يبح إليك بذلك، فرأى درءا لهذه الهواجس أن يضرب حصارا عليك فى المنزل فلا تغادريه لأى سبب من الأسباب ولا حتى شراء متطلبات المعيشة اليومية، بدعوى الخوف عليك من الشارع وتداعيات الأحداث الجارية من محاولات الجماعات الارهابية زعزعة الاستقرار بزرع عبوات ناسفة هنا أو هناك، وهو تفسير غريب لم يجد غيره لكى يوهمك بأنه السبب فى عزلك بالمنزل، لكن الحقيقة على خلاف ذلك، فالحياة تسير بشكل عادى والأمور كلها على ما يرام، وهذه الزوبعات المتناثرة على يد هذه الجماعات لا تأثير لها على الاطلاق، فالشوارع مكتظة بالناس، ولم يدر بخلد أحد أن يقبع فى المنزل خوفا من هذه الأحداث، ثم لماذا لا يخاف هو على نفسه ويلزم البيت أيضا؟
ويخطئ من يتصور أن الحياة الزوجية من الممكن أن تستقيم على النحو الذى يفكر به، فهذا الفرمان الذى اتخذه سوف يؤدى إلى انتهائها إن لم يكن اليوم فسوف يكون غدا ولا تجدى معه الحلول المسكنة كمسايرته لبعض الوقت إلى أن يهدأ مثلما فشلت زيجتك السابقة، مع رجل لا يملك قراره، ويخضع لإرادة أهله، ولست هنا بصدد الحديث عن وقائع محددة، ولا عن تفاصيل المهازل التى حدثت بينكما، فتحليل هذه الوقائع لمعرفة من المخطئ ومن المجنى عليه، يتطلب الجلوس مع الطرفين لنتعرف على موقف كل منهما، وما صدر من أفعال من جانبهما، وإنما أتناول المسألة من منظور عام، فما أكثر الزيجات التى تفشل بعد شهور من الزواج لسبب واحد وإن تعددت أوجهه، وهو أن أهل العروس يرون أحيانا أن العريس «لقطة» أو يشغل وظيفة ممتازة، أو مسافر إلى الخارج، أو من عائلة ذات حسب ونسب إلى غير ذلك من الأسباب التى تغرى الكثيرين، فيسارعون إلى تزويجه ابنتهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا بهذا الارتباط غافلين أو متغافلين أن عدم التعرف على هذا العريس فترة كافية يحجب عنهم كشف حقائق أهله وطباعهم، والأمر نفسه بالنسبة للطرف الآخر، إذ ينبغى على أهل الشاب أن يدققوا الاختيار، ويكونوا حريصين على استمرار الخطبة فترة مناسبة ليتبين كل من الطرفين ما يتيسر له من طباع الآخر... نعم.. لقد تجاهلت أنت وأهلك هذا الشرط المهم فى الارتباط. ومع أول خلاف تمسكت بأن تكون الشبكة لدى أسرتك وتمسك زوجك بأن تحضريها، وبغير أن أتطرق إلى نيته فيما كان سيفعله بالشبكة، فإنه لا يعقل أبدا أن تجعلى هدفك هو استمرار تخزينها فى بيت أبيك حتى بعد الصلح، فالذهب لا يبنى الحياة، ولا البيوت، بل إن صنيعك هذا هو الذى فتح أبواب جهنم عليكم، ومهما تكن قيمته فإنه لا يغنيك عن حياتك المستقرة شيئا, وأما عن تدخل الأهل من الطرفين بين الزوجين فإنه يباعد بينهما، ولا حل إلا بأن يضبطوا مسافة منكما فلا يقتربون حتى الالتصاق، ولا يبتعدون حتى يتصرف كلاكما بلا وعى وحسب هواه، فالنصيحة تكفى لكى يعيد الزوجان حساباتهما ويصفيا خلافاتهما، ويعودا معا إلى المسار الصحيح فى نهر الحياة.
وأما الجرائم القديمة التى ارتكبها المسمى بالشيخ فى الكتَّاب وعمك معدوم الضمير، وكذلك الشاب المستهتر الذى ارتكب خطيئته الكبرى معك هو وأصدقاؤه فإنك تتحملين جانبا منها بسكوتك عن هذه الأفعال، وكان يجب فضحهم جميعا، وأن تأخذى حذرك من الوقوع فى براثن الخطأ، لا أن توافقى شابا غرر بك على الذهاب معه إلى شقته أملا فى الزواج، فالرجل لا يثق أبدا فيمن توافقه على أفعاله، وتتصرف حسب هواه.. ولا يمكن أن يرتبط بها، وإنما يبحث عمن يستعصى عليه الوصول إليها، ولعلك استوعبت الدرس الآن، فأرجو أن تنسى كل الإساءات التى تعرضت لها، ولتتعلمى أن أعظم الأسباب لدفعها عنك هو أن تضعيها فى دائرة النسيان، ولتتطلعى إلى غد جديد، ودنيا مختلفة، ولا تعتبرى خلافاتك مع زوجك بسبب املاءاته أمرا سيئا، خصوصا وأنه زوجك الثانى بعد تجربتك الأولى الفاشلة، فنحن بحاجة للخلافات أحيانا لكى نعرف ما يخفيه الآخرون فى قلوبهم، وقد تكشفت لك نياته من أنه سيجعلك أسيرة المنزل، فبانت أغراضه وهددك بالامتثال لأمره أو الطلاق. تماما مثلما فعل زوجك الأول، ولا حل غير المصارحة والمكاشفة، فإن قراره هذا يحمل نبرة الشك فيك، وإذا تسرب الشك إلى قلب الرجل لا تستمر الحياة الزوجية، وحتما سيقع الطلاق، وربما بعد انجاب أولاد جدد، وليعلم أن المرأة إذا أرادت شيئا سوف تفعله، وأن ربها وضميرها ودينها وأخلاقها هى العوامل التى تضبط حياتها علاوة على حبها له، فلا يفسد حياته بنفسه، وان استجاب لك يا سيدتى ووضع الأمور فى نصابها الصحيح، فواصلى حياتك معه، وابحثى دائما عن المساحات المشتركة بينكما فقويها، وإذا تمسك برأيه فلا بديل عن الانفصال لأنه سيحدث إن عاجلا أو آجلا، ولا عيب أن تنفصلى للمرة الثانية، فأنت لم ترتكبى جرما ولا خطيئة، ودعك من العادات والتقاليد، ولا تبحثى عن السعادة فى الآخرين، وإلا ستجدين نفسك وحيدة وحزينة، بل ابحثى عنها داخل نفسك، ووقتها سوف تشعرين بها حتى لو ظللت وحيدة. وأخيرا فإننا جميعا نرتكب الأخطاء، ونتعلم منها وأذكر قول «ابراهام لينكولن» إذا أحس أحد أنه لم يخطئ أبدا، فهذا يعنى أنه لم يجرب أى جديد فى حياته، والمهم أن نتعلم من أخطائنا دروسا وعبرا تساعدنا على الابحار فى نهر الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.