يقفن منحنيات الظهور، خطوط الزمن تطبع بأثارها على قسماتهن، والتجاعيد تكسو وجوهن البائسة، يطلبن تطليقهن من أزواجهن طلقة بائنة للخلع مقابل التنازل عن كافة حقوقهن الشرعية والمادية بعد أن تقطع بهن السبل والروابط وبات العشرة بينهن وبين أزواجهن والتى تجاوزت فى حالات بعضهن ال30 عاما مستحيلة، ويرددن العبارة المعتادة"أخشى ألا أقيم حدود الله"، غير عابئات بكلمات الناس ومصمصة شفاهم "الست شكلها اتجننت على كبر وهتخلع جوزها بعد العمر ده"، رافعات شعار"إلى أيده فى المية مش زى اللي ايده فى النار وكفاية خلينا نعيش أيامنا الأخيرة فى سلام لا ضرب وإهانة ولا خيانة"، ومرسيات بقضاياهن مبدأ جديد إن "السن مبيمنعش والخلع مبيفرقش"، فالكل أمامه سواء الشاب العشرينى والرجل الستينى. "سلك كهربا وخرطوم" " اخلعونى منه وإلا هاقتله".. بهذه الكلمات استهلت"رضا"الزوجة الستينية حديثها أمام محكمة الأسرة، وبصوت مجروح تتابع:" خمسة وثلاثون عاما وأنا أتجرع كؤوس القهر والمرار على يد زوجى الباطشة، تحملت منه ما لا يطيقه بشر، غضضت بصرى عن نزواته وعلاقاته النسائية وزيجاته العرفية من ساقطات وهجره لى وإهماله لبيته ولأولاده، قد أكون أخطأت لأننى صبرت ورضيت أن تهدر كرامتى باستسلامى وخوفى على مستقبل أولادى الخمسة، وعشت على أمل أن يأتى اليوم الذى يكف رجلى فيه عن تعذيبى ويعود إلى رشده، فمن تسكن القسوة صدره ويغلق قلبه أبوابه أمام الرحمة ولا يعى أن زوجته خلقت لتصان وليست لتهان حرام أن يحظى بفرصة ثانية ولا يستحق أن تبقى فى عصمته ولو ليوم واحد". تواصل الزوجة الستينية حكايتها:"ولأن زوجى كان يعلم نقاط ضعفى كان يعذبنى بلا رحمة، وينهال على بالضرب لأتفه سبب، مرة بسلك كهربائى وأخرى بعصى غليظة وخرطوم، وتسبب فى إصابتى بعاهة مستديمة بيدى، ومن جبروته رفض أن يعالجنى، وعندما تدهورت حالتى، نقلنى إلى المشفى مضطرا، ورغم ذلك رفضت أن أحرر ضده محضرا رسميا حتى لا يعاير فلذات أكبادى بأننى سجنت أباهم يوما، وياليته كف عن إيذائى بل بات يتفنن فى إذلالى وسحقى وكأنى عدوة له ولست شريكة عمره التى ساندته طوال حياته وتحملت ضيق حاله ولم تكل أو تمل أو يخرج من فيها سب له ولظلمه". تختتم الزوجة الستينية حديثها قائلة: "لكنى لم أعد أتحمل بعد وصولى لهذه السن المتقدمة، وقررت أن أتخلى عن ضعفى، وأكف عن مسامحة زوجى وغفران خطاياه فى حق كرامتى وتصديق وعوده الزائفة وتعهداته بحسن معاملتى ومعاشرتى، خاصة بعدما تكررت وقائع ضربه لى وتعددت الإصابات والتشوهات ما بين فتح فى رأسى وجرح غائر فى جبهتى وكسر فى ضلوعى، وساءت حالتى النفسية وباتت تنتابنى نوبات هياج ولا أشعر بما أفعل، فتركت البيت بعد زواج ابنتى الصغرى وطرقت أبواب محكمة الأسرة بزنانيرى لرفع دعوى خلع بعد 35 عاما من العذاب والخوف، بعدما أيقنت أننى إذا استمريت مع هذا الشخص سينتهى بى المطاف فى زنزانة معتمة، وأحمد الله أن المحكمة حكمت لصالحى وخلصتنى من هذا الرجل الظالم الذى لم يرحم شيخوختى لأعيش ما تبقى من عمرى فى سلام". "أموت بكرامتى" بجسد يقاوم السقوط تخطت "صباح"الزوجة الثمانينية الباب الحديدى لمحكمة الأسرة بزنانيرى، مرتدية ملابس سوداء رثة تشبه ملابس الحداد، وممسكة بيد يكسوها جلد متجعد حقيبة لا تخلو من الثقوب، دست بها أوراق دعوى الخلع التي أقامتها ضد زوجها بعد أن طردها من البيت لرفضها التسول فى الشوارع لتنهى بذلك زواج دام لأكثر من 40 سنة، بدت السيدة العجوز وكأنها تحمل أثقال العالم على ظهرها الذي أحناه الزمن والمرض والحاجة، فقد ضاق بها الحال ولم تعد قادرة حتى على شراء ملابس تستر بها جسدها. تقول الزوجة الثمانينية فى بداية حديثها:"لم أكن يوما مثل أي فتاة تحلم بأن ترتدي الفستان الأبيض، كنت دوما أوصد الأبواب في وجه أي عريس يطرقه خوفا من لحظة فشل أعيشها كبقية قريناتي اللاتي تزوجن، ففضلت الوحدة على الألم، مرت سنوات عمرى هادئة بلا رجل، حتى انفرط عقدها وحطت برحالها في أواخر الثلاثينات، وقتها تبدلت الأحوال، وبات كل من حولي يتفننون في جرح أنوثتي، ولأتخلص من ألسنتهم السليطة ولأرضى أمي وأزيح عن قلبها همي، قررت أن أتخلى عن الوحدة، وأقبل بأول رجل يتقدم لخطبتي دون أن اتقصى أثره جيدا، كى أخلص من ألسنة الناس وأريح جسدى من الفقر الذى طحن عظامه، وللأسف دفعت ثمن هذا القرار غاليا، ومن حسبته مخلصي كان سبب شقائي، وعلى يده ذقت صنوف العذاب، وأهينت كرامتى كى أعيش". تواصل الزوجة الثمانينية حكايتها بصوت تخنفه الدموع:"بعد الزواج اكتشفت أنني لم أكن الزوجة فى حياة زوجى بل الرابعة، وأنه لم يكن يتزوج حبا فى النساء أو طمعا فى أجسادهن المفعمة بالأنوثة، ولكن كى يسرحهن فى الشوارع ليتسولن ثم يأتين في آخر سعيهن اللاهث ليلقين فى جعبته ماجنين، دون أن يبالى بما قد يحدث إليهن، المهم أن جيبه قد امتلأ على آخره، والمرأة التى تمرض أو تفرغ حافظة نقودها لا مكان لها في حياته، يلقى بها فى الشارع ويتركها للفقر والجوع ينهش فى لحمها. وعلى الفور يستبدلها بأخرى لتستكمل المهمة، وحينما تتحسن أوضاعها يعيدها إلى عصمته غصبا عنها بعدما يبتزها ويهددها بالقتل، رغم أنه كان موظف بأحد المصالح الحكومية وله مصدر دخل ثابت، لكنه كان رجل طماع ولديه استعداد أن يفعل أى شىء من أجل المال حتى وإن باع لحمه". تنهى الزوجة الثمانينية روايتها وهى ترتكن إلى جدار متساقط الدهان:"ولأننى كنت أخشى من بطشه، ومن الضربات واللكمات التي كان يوجهها لجسدى حينما أعلن رفضى التسول وجمع القمامة من الشوارع كنت أصمت، لكنى لم أعد أطيق استعباده لى بعد وصولى لهذة السن المتقدمة، وقررت أن اتخلى عن ضعفى، واطلق صمتى بالثلاثة، وأخبرته بأننى لن أمد يدى للناس بعد اليوم، وتوسلت له أن يرحم شيخوختى ويتركنى أموت بكرامة، فطردنى من البيت وقال لى:"الست الى متشتغلش ملهاش لازمة عندى"، مكثت فى بيت شقيقي بعدما رفضت ابنتي اللتان ذقت من أجلهما المرار، وأبعدت عنهما محاولات والدهما لتسريحهما مثلى استضافتى فى بيتهما بحجة محافظتهما على زواجهما، ولم يكلف زوجى من وقتها أن يسأل عنى، فطرقت أبواب محكمة الأسرة طالبة الخلع بعد 40 عاما من العذاب والخوف". " أخشى على نفسى الفتنة" بخطى ثقيلة، وقف"حسنى" الرجل الستينى بملابسه المتواضعة ونظارته الطبية الكبيرة ذات اللون الاسود القاتم، ورأسه المشتعل شيبا أمام أعضاء مكتب تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة الأسرة بزنانيرى، يمسك بأيد مرتعشة "كيس بلاستيك" شفاف مربوط بأحكام، يكاد يتشقق من كثرة مابه من حقن واقراص متنوعة الاحجام والالوان لعلاج مرض السكر والضغط، بدا الموظف بهيئة النقل العام تائها، محاصربآلالام والذكريات التى تعصف بذهنه كلما خط اعتاب المحكمة بقدميه المنهكتين من البحث عن باب رزق يزيد به دخله ويساعده على تحمل نفقات شقيقته المطلقة وصغارها ووالده المريض وصبيانه الثلاث أو تلقى اخطار بحضور جلسة نفقة صغيرأو أجر مسكن أو غيرها من الدعاوى القضائية التى لاتكل زوجته الاربعينية- حسب روايته- من رفعها ضده بعدما خلعته بعد 22 عاما من الزواج بحجة انه"مبيعرفش". يبدأ الزوج الستينى سرد تفاصيل مأساته:"لم يخطر ببالى يوما أن يهدم البيت الذى حاربت 22 عاما ليسقر ويستمر، وضحيت بصحتى وراحتى ليبقى مفتوحا، أجمع فيه أولادى الثلاث واظلهم بظلى واحميهم من شرالبرية وأهل السوء، لم أكل او أمل يوما، ولم تخرج من فمى شكوى او سب للزمان وقسوته، كنت أحبس ألمى وتعبى من عناء العمل بأكثرمن مكان بين ضلوعى حتى لايشعربه احدا، فصباحا أنا الموظف المحترم بهيئةا لنقل العام، وليلا أنا الأسطى حسنى سائق التاكسى ". يدخل الرجل الستينى فى نوبة بكاء تفقده القدرة على الكلام للحظات ثم يتابع:"حتى زوجتى التى خانت عشرتى وخلعتنى بعد كل هذة السنوات بحجة أننى لم أعد قادرا على اشباع رغباتها واطفاء نيران شوقها، ووقفت أمام هيئة المحكمة قائلة بصوت مدوى:" ده مبيعرفش وأنا بشر ولي احتياجات كأى أنثى ومازال العمرأمامى"، لا اتذكر أننى جرحتها يوما أورفضت لها طلبا، رغم ضيق حالى، وكنت احثها دوما على ادخار راتبها من عملها بالشئون القانونية بأحدى الشركات، ويعلم الله طوال عشرتى معها لم أمسس مالها غصبا قط كما يفعل غيرى". ينهى الزوج المخلوع روايته متحايلا على مرضه:"حتى الآن لا أجد سبب لما فعلته زوجتىه معى، لكنها طوال عمرها هكذا ، تغتر بجمالها وأنوثتها، ياليتنى مت وكنت نسيا منسيا قبل أن اتهم بالعجز زورا وبهتانا، وأفضح فى ساحات المحاكم ويعشعش الخراب فى منزلى، وافترق عن اصغر أبنائى البالغ من العمر 12 عاما، وللاسف كله بالقانون فهو لايزال فى حضانة أمه، لاأعرف هل القانون وضع لكى تستقرالامور وتستقيم أم لتهدم البيوت ويشردالاطفال؟!، هل فى القانون ما يعوضنى عن فراق ابنى والسنوات التى قضيتها كالثور المربوط فى ساقية للحفاظ على زواجى؟، لماذا لايوجد نصا يحاسب السيدة التى تسىء استغلال قانون الخلع؟، لماذا لايلغى من الاساس فقد اساء لسمعة كثير من الرجال وباتوا يوصمون بالعجز؟".