كريمة الحفناوي: جبهة الإنقاذ جاءت من أجل رحيل الإخوان    تعرف علي المبادرات التي أطلقتها الدولة المصرية لتدريب الشباب وتأهيلهم وتمكينهم    جمارك مطار القاهرة تعرض 23 سيارة في مزاد علني    التحالف الدولي يستهدف مخزنًا للسلاح لميليشيا الحوثي في الحديدة    فيديو| غرق سفينة شحن يونانية استهدفها الحوثيون قبل أسبوع    ناجلسمان يشيد بنجم منتخب ألمانيا الشاب موسيالا ويطالب بإبعاده عن الضغوط    جالانت: الوضع شمال إسرائيل سيتغير بتسوية أو بعمل عسكري واسع    الأهلي يواصل تدريباته استعدادًا لمباراة الداخلية في الدوري المصري    أعضاء اتحاد شباب كفر الشيخ فى زيارة إلى دار المسنين بسخا    كولر يتخذ قرارًا بشأن «العريس» قبل مباراة الأهلي والداخلية    خبر في الجول – موديست يقترب من الرحيل عن الأهلي بنهاية يونيو    مسئولوا عدد من الدول: معظم الحجاج المتوفين خلال موسم حج هذا العام من المخالفين    لطلاب الثانوية الأزهرية، موعد استئناف الامتحانات بعد إجازة عيد الأضحى    تصل إلى 200 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالساحل    محمود الليثي يحتفل بعيد ميلاد أحمد مكي على طريقة «الكبير أوي» (صور)    صحة سوهاج: إحالة مديري مستشفيي أخميم وساقلتة المركزيين للتحقيق    إحالة مديرى مستشفى "ساقلتة" و"أخميم" للتحقيق لتغيبهما عن العمل فى العيد    بخطوات سهلة.. طريقة عمل كفتة داود باشا    ديتوكس طبيعي يخلصك من دهون وسعرات لحوم العيد    موقف محمد صلاح.. الكشف عن تشكيل ليفربول للموسم المقبل مع آرني سلوت    فيفا يخطر اتحاد الكرة المصري بإيقاف قيد مودرن فيوتشر    رنا سماحة تعلق على نجاح أول ليلة عرض لمسرحية «العيال فهمت»    بعد انتهاء أعمال الحج.. علي جمعة يكشف عن آداب زيارة مقام النبي والمسجد النبوي    في أول مقابلة له كمدرب.. آرني سلوت: متحمس للتحدي الجديد الذي ينتظرني في ليفربول    المفوضية الأوروبية تقترح موازنة بقيمة 270 مليار يورو لعام 2025    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج بكالوريوس الطب والجراحة (الشعبة الفرنسية) جامعة الإسكندرية    موعد صرف معاشات شهر يوليو 2024 بالزيادة الأخيرة.. كيفية الاستعلام وطرق الصرف    إجازات شهر يوليو 2024.. تصل إلى 11 يومًا    حماس: سنعمل على تحرير كامل أرضنا وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس    انتشال جثة شاب تعرض للغرق فى نهر النيل بمنشأة القناطر    النائب العام يلتقي نظيره الصيني على هامش زيارته للعاصمة الروسية موسكو    رؤساء لجان فى مجلس النواب ل«الشروق»: الحكومة الجديدة تواجه تحديات «جسامًا» تتطلب تغييرات جوهرية بأدائها    الملحن محمد يحيى يشارك لأول مرة كموزع في أغنية تتحبي لعمرو دياب    تفاصيل استراتيجية جديدة لقطاع الصناعية المصرية حتى عام 2027    تداول 74 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    «بالألوان هنكافح الإدمان» بالحدائق العامة    اللحمة ب 250 جنيهًا عند الجزارة «أم سعيد»    حماس: 40 طفلًا قتلهم الجوع بغزة والمجاعة تتفاقم نتيجة حرب الإبادة الجماعية    اليوم العالمي ل الأنيميا المنجلية.. 4 أعراض تكشف الإصابة بالمرض    خسائر ب 660 مليون يوان جراء الفيضانات في مقاطعة جيانجشي الصينية    حسن الخاتمة.. وفاة صيدلي من الشرقية أثناء أداء مناسك الحج    هل ينتهي الغياب المتكرر دون إذن إلى فصل الموظف من العمل؟    ما حكم ترك طواف الوداع لمن فاجأها الحيض؟.. الإفتاء توضح    مايا مرسي تستقبل رئيس الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي    وزيرة الهجرة: نتابع موقف الحجاج المصريين والتنسيق مع الجهات المعنية بشأن المفقودين وعودة الجثامين    النيابة تندب لجنة من حى بولاق أبو العلا لمعاينة العقار المنهار    عيد الأضحى 2024.. "اليخت والبانانا والبارشوت" أبرز الألعاب المائية بشواطئ مطروح    بسمة بوسيل تطرح أغنيتها الثانية هذا العام بعنوان "قال في حقي"    3 أبراج فلكية تكره النوم وتفضل استغلال الوقت في أشياء أخرى.. هل أنت منهم؟    ما هي علامات قبول الحج؟.. عالم أزهري يجيب    تنسيق الثانوية العامة 2024.. تعرف على درجات القبول في جميع المحافظات    في رابع أيام عيد الأضحى.. جهود مكثفة لرفع مستوى النظافة بشوارع وميادين الشرقية    علي جمعة ينصح: أكثروا في أيام التشريق من الذكر بهذه الكلمات العشر    تعرف على خريطة 10 مشروعات نفذتها مصر لحماية الشواطئ من التغيرات المناخية    ما هي الأشهر الحرم وسبب تسميتها؟    أول تعليق من اللاعب محمد الشيبي على قرار المحكمة الرياضية الدولية | عاجل    استشهاد 7 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى على شمال غربى مخيم النصيرات وغزة    ناقد فني: أعمال عادل إمام توثق مراحل مهمة في تاريخ مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شريف عبدالرحمن سيف النصر يكتب:الواقع لا تنقصه الإثارة

كان الرسام الفرنسي جوستاف كوربيه يرسم صورا مباشرة جداً، لا تحوي أي بعد رمزي، ولكنه مع ذلك كان يعتبر نفسه الأصدق بين مصوري عصره، وكان يقول إن المهم هو الصدق في نقل الواقع، فاللوحة الصادقة تفعل في النفس أكثر مما تفعله عشرات الرموز والإيحاءات التي كانت تمتلأ بها لوحات معاصريه من فناني أوروبا. سمى اتجاه كوربيه بالاتجاه الواقعي، وأثار هذا الاتجاه جدلاً فى البداية حيث اعتبر جافاً وغير مثير، خاصة وأن محاكاة الواقع كانت تعني الجمود أو الخلو من العاطفة أو التأثير.
ولكن لاحقاً أعيد اكتشاف كوربيه وبدأ النقاد يفكون أسرار واقعيته، ويثنون على الفلسفة التي يمثلها، تلك الفلسفة التي ترى أن الواقع لا يخلو من الإثارة. المهم أن يتم نقل تفاصيله بصدق، فمن خلال التعبير الصادق عن الواقع يمكن أن تتجلي الكثير من المعاني العميقة. بطبيعة الحال ظل البعض على رفضهم لهذا الاتجاه، و أصروا على الاستمرار في إضافة المحسنات، غير الحقيقية، إلى رسوماتهم للواقع بغرض جعله أكثر إثارة مما هو عليه.
تداعت إلى ذهني هذه المعلومات عن المدرسة الواقعية وأنا أتابع الطريقة التي تعامل من خلالها الكثيرون مع أخبار التفجير الذي حدث فى مقر جهاز الأمن القومي السوري، وخبر وفاة رئيس المخابرات المصري السابق عمر سليمان، فعلى الرغم من أن هذه الوقائع—في صورتها المجردة والمباشرة—تمتلئ بالمعاني البليغة التي لا تنقصها الإثارة، والتي لم تكن بحاجة لأكثر من أن يتم تناولها كما هي، ومن دون التطوع بإضافة أى نوع من المؤثرات إليها، على الرغم من ذلك، تم التعامل مع هذه الأحداث من خلال أكثر المداخل افتعالا وهو المدخل المؤامراتي وذلك بهدف زيادة جرعة الإثارة والتشويق فيها.
وفي إطار نظرية المؤامرة تم الربط بين هذين الحدثين وراجت تكهنات مفادها أن رئيس جهاز المخابرات المصري السابق لم يمت على نحو طبيعي، وإنما لقى حتفه أثناء حضوره نفس الاجتماع الذي لقي فيه المسؤولون السوريون مصرعهم، ولإكمال الحبكة المؤامراتية أضيف إلى أسماء من قتلوا من الجانبين المصري والسوري، أسماء أخرى تركية بل وإسرائيلية أيضاً، مثل نائب رئيس المخابرات التركي، هاكان فيدان، (على الرغم من صدور تكذيب من جهاز المخابرات التركية لهذا الخبر)، بالإضافة إلى مسؤول كبير في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (يدعى بن عوزي شامير)، زعم مروجو هذا الخبر أن خبر وفاته أذيع حصرا على التلفزيون النمساوي! ولم يذع في أي مصدر آخر.
وهكذا لم يستطع البعض أن يقبل الواقع الثري مجردا من الإضافات المفتعلة، ولم يستطع أن يقتنع أن الواقع يمكن فهمه فقط من خلال ما يحويه من تفصيلات. وعليه كان لابد —وفقا لهذا الفريق— من أن يتم استدعاء شيء ما خارق للطبيعة، شيء من نوعية المؤامرات الكونية أو الخطط الماسونية لقوى الشر التي تعمل من وراء ستار، والتي لا يمكن إحباط عملها أو تعطيل مخططاتها!
وفي إطار التفسير بالمؤامرة، لا بأس أن تجتمع كل الأضداد، فالإخوان يتحالفون مع أمريكا، والمخابرات المصرية تتحالف مع المخابرات السورية، والمخابرات الإسرائيلية تنسق مع حزب الله، أما الاستفسار المشروع: كيف تجتمع كل هذه الأطراف المتناقضة على مصلحة واحدة وهدف مشترك؟ فليس له إجابة واضحة، كما أن السؤال البرئ من نوعية ما الذي يمكن للمخابرات المصرية أن تقدمه من أجل إفشال الثورة الشعبية السورية في الوقت الذي لم تنجح فيه في إحباط الثورة التي نشبت في عقر دارها في مصر؟ فليس له بدوره تفسير فى إطار نظرية المؤامرة التي تطرح على أنها تفسير نهائي مصمت، لا يجوز أن يعقب عليه بالمزيد من التساؤلات.
إن الاستسلام لمثل هذا النوع من التفكير التآمري، ورفض التعامل مع الواقع من خلال منطق الدليل والبرهان، يعكس حالة مرضية من قلة الثقة بالذات والهوس بقدرات الآخرين. ولقد كان الراحل القدير الدكتور عبد الوهاب المسيري يعزو شيوع هذا التفكير إلى الكسل العقلي لدى البعض، فبدلاً من إجهاد العقل بالبحث عن التفسيرات الحقيقية لأى موضوع، يتم دوما إرجاعه إلى مؤامرة كبرى ومتآمرين أخفياء يخططون كل شيء ويدبرون لكل شيء. ولكن الغريب حقا أن الجهد الذهنى الذي يتطلبه فهم الواقع على نحو مباشر يقل كثيرا عن الجهد الذي يبذله أنصار نظريات المؤامرة في محاولتهم التوفيق بين المؤامرات المتناقضة التي يحشون بها تفسيراتهم للواقع. فالأمر إذن يتعدى مجرد الكسل العقلي ليشير إلى أزمة فى الاستدلال لدى من يمارسون هذا النوع من التفكير.
إن الواقع الذي تحياه الأمة العربية والإسلامية هذه الأيام ليس بحاجة إلى أي من الإضافات التأثيرية، فهو واقع ملحمي بامتياز، سيتوقف عنده قارئ التاريخ بعد ألف سنة، معتبرا إياه بمثابة ترجمة مباشرة لإرادة الله التي تعلو على إرادات خلقه، ولهذا فإن فهم هذا الواقع يمكن أن يتحقق على نحو أفضل من خلال توظيف مدخل السنن الإلهية بأكثر مما يتحقق باستخدام منطق المؤامرات الخفية، وذلك دون أن يتضمن هذا تجريدا لتفاصيل هذا الواقع من جاذبيتها أو أوجه الإثارة فيها
نقلا عن صحيفة الشرق القطرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.