السلطان الحائر ....والسلطان الجائر ... • هل من المتصور أن يكون الكاتب الكبير توفيق الحكيم قد توقّع – في مسرحيته" السلطان الحائر " الخلاف الحاصل الآن حول احترام الشرعية المتمثلة في حكم المحكمة الدستورية العليا المتعلق باعتبار مجلس الشعب المنتخب هو والعدم سواء؛ ففريق يؤيدون الحكم وضرورة احترامه وآخرون يحاولون الالتفاف عليه بأساليب ملتوية ظاهرها احترام القانون ومن باطنها ضرب القانون في مقتل وتشييع جنازة سيادة القانون ... ودق أول مسمار في نعش (الشرعية) و(إنتهاك الأحكام القضائية) ... و إعلان وفاة ( حصانة القضاء وقدسية أحكامه ).. • ففي مسرحية " السلطان الحائر" التي كتبها توفيق الحكيم قبل حوالي خمسين عاماً (تحديداً عام 1960)، كان محور ارتكازها يدور حول : هل من الأفضل للحاكم أن يلتزم بالشرعية والعدالة أم يستخدم سيفه لتحقيق اغراضه .. • ولقد أختار السلطان طريق العدل والقانون بدلا من سطوة السيف. وتحكي المسرحية قصة أحد سلاطين العصر المملوكي الذي ملأ الأرض عدلاً ورفاهية وازدهاراً وفي أوج مجده وانتصاراته ونهضته العظيمة خرج بين الناس رجل يطعن في شرعية تولي السلطان الحكم، وقال: إن السلطان الحالي كان عبداً رقيقاً لدى السلطان المتوفي، وأن السلطان الراحل لم يمهله القدر ليعتق عبده المملوك.. وبالتالي فهو عبد مملوك ليس له الحق في الحكم. وسرت الحكاية بين الناس وتداولوها في منتدياتهم وجلساتهم حتى بلغت السلطان فجمع مستشاريه ليبحث معهم أفضل السبل لعلاج المسألة، وظهر اتجاهان للحل: اتجاه الأغلبية ومثله وزير الداخلية الذي اقترح قطع رقبة صاحب الإشاعة فوراً، في حين أن القاضي كان له راياً آخر مضمونه : أن يتم بيع السلطان باعتباره عبداً مملوكاً من تركة السلطان في مزاد علني... على أن يُشترَط على المشتري أن يعتق السلطان فور شرائه، وبمجرد عتقه ... يتم تنصيبه سلطاناً مرة أخرى . وأنتصر الحاكم لرأي القاضي ونفذه بالفعل . واستفاد السلطان من ذلك بدرس عمره وهو: "أن الاحتكام إلى القانون وتحمل تبعاته، أصعب ألف مرة من استخدام السيف وعواقبه". ولعل ما يحدث الآن من نقاش حول حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن مجلس الشعب يشبه إلى حد ما المشكلة التي طرحتها مسرحية الحكيم ...فيبدو أن بعض مستشاري الحاكم عندنا يميلون إلى رأي وزير الداخلية في مسرحية توفيق الحكيم ...فيريدون دبح الحكم وتصفيته بحيث لا يتبقي من مضمونه شيئاً ... في حين أن الرأي القانوني الصحيح يرى عدم وجود أي طريق قانوني للهروب من حكم المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان.
ونقول لحكامنا ...إن حكم الدستورية قد قضي ببطلان قانون انتخاب مجلس الشعب, ومن ثم أصبح البرلمان بموجب هذا الحكم منعدماً من الناحية القانونية والدستورية ,ونزولاً على الشرعية وسيادة القانون من واجب أي رئيس تنفيذي تنفيذ حكم المحكمة الذي قرر بأن القانون الذي تأسس بموجبه غير دستوري, ومن ثم كان يجب علي البرلمان تنفيذ الحكم, لأن عدم التنفيذ يسقط أحد أعمدة الدولة الأساسية وهو القضاء, و نؤكد على أن حكم الدستورية ببطلان البرلمان يحمل الحجية النافذة, ولا يجوز بأي حال الاحتجاج عليه, وإلا فكأننا قد أصبحنا في دولة لا تعلي قيمة القانون, وهذه الممارسات تعني إعلان انهيار الدولة المصرية, وهدم كيانها, وإسقاطا لهيبتها, وإهدارا لسلطة كبيرة من سلطات الدولة وعلي رأسها المحكمة الدستورية العليا. أما المطالبة بالاستفتاء علي حكم الدستورية ببطلان البرلمان فهو عبث وعربدة قانونية, ولا يجوز أن تكون أحكام القضاء محل رفض أو عصيان بأي حال من الأحوال. ونقول أتقوا الله في مصر ...... لكل مَنْ يضغط للإلتفاف حول حكم الدستورية العليا من خلال حشد الرأي العام في الميادين والشوارع كنوع من الضغط السياسي المباشر علي مَنْ بيدهم القرار, حين صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المواد الخاصة بالانتخاب بالقائمة الحزبية والفردية مع ما يترتب علي ذلك من آثار, ومع أن الحكم قاطع وبات ونافذ ببطلان انتخابات مجلس الشعب ...وإنعدام مجلس الشعب بقوة القانون . **** وتبقى كلمة : 1- السلطان الحائر ....والسلطان الجائر ...الفارق بينهما نقطة واحدة هي إحترام سيادة القانون وإحترام قدسية أحكام القضاء . 2- هل يستفيد ... حكامنا .... بحكمة المفكر الكبير ...توفيق الحكيم ..التي صاغها ...في مسرحيته الرائعة ...السلطان الحائر ...أم ...لا... هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة ......وإن غدا لناظره قريب .