السيد الدكتور محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية: أبعث إليكم برسالتي هذه من خلال هذا المنبر الإعلامي، وأنا لكم ناصح أمين، محب شفيق عليكم من ذلك العبء الثقيل والأمانة العظيمة التي تحملتها، وأنتم تتحسسون أولي خطواتكم في حكم مصر، وتحمل مسئولية شعبها في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد. السيد الرئيس: لقد اعتليت كرسي الرئاسة بزوال من كان قبلك عليه، فانظر إلي مصيره ومنقلبه، وما آل إليه حاله في غيابات السجن، وانظر إلي مصيرك بعد انتهاء مدة رئاستك، واصنع لنفسك من الآن تاريخاً مشرفاً وسيرة حسنة، تجعلك في أعين الناس وقلوبهم بعد زوال الملك عنك في انتخابات قادمة، أو زوالك عنه قبل انتهاء مدتك، فالآجال مكتوبة ولكل أجل كتاب. السيد الرئيس: أحسن اختيار بطانتك من المستشارين والنواب من ذوي الخبرة والصلاح والإخلاص لله ثم لمصر وشعبها، وقرب إليك العلماء واستنصحهم في كل خطوة تخطوها، واعلم أنك لن تحكم مصر وحدك، وسوف تشاركك بطانتك في الحكم، فان صلحت صلح حكمك وإن فسدت بطانتك فسد حكم، واعلم أنهم محسوبون عليك، فحسناتهم لهم ولك، وسيئاتهم عليهم وعليك، فإياك أن تحمل نفسك أوزارا فوق أوزارك، فتبوء بإثمك وإثمهم. السيد الرئيس: أعلم أنني لست كالحسن البصري، وأنت لست كالخليفة الورع الزاهد عمر بن عبد العزيز، ولكن لا مانع أن نتشبه بالرجال، إن لم نكن مثلهم، فإن التشبه بالرجال فلاح، ولقد بعث عمر بن عبدالعزيز، بعد أن تولي الخلافة، إلي الحسن البصري يطلب منه أن يوافيه بصفات الحاكم العادل، فكتب له الحسن البصري رسالة بليغة، ناصحاً مخلصاً، يفصل له صفات الحاكم العادل تفصيلاً دقيقاً، وهي رسالة تصلح لأن تكون دستورا للحكم، ولسلوك الحاكم ومنهجه في كل زمان ومكان.. وسوف أقتبس لك منها بعض النصائح بتصرف، لعلها تعينك في مسئوليتك وأمانتك. فالله سبحانه جعل الحاكم العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والحاكم العادل يا رئيس مصر كالراعي الشفيق علي إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المراعي، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع.. وكالأب الحاني علي ولده، يسعي لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته. فلا تكن يا رئيس الجمهورية فيما ملكك الله عز وجل، كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال ، فأفقر أهله وفرق ماله. واذكر يا رئيس الجمهورية، الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه، فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر.. واعلم أن لك منزلاً «القبر» غير منزلك الذي أنت فيه يطول فيه ثواؤك ويفارقك أحباؤك يسلمونك في قعره فريداً وحيداً.. فتزود له ما يصحبك يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. واذكر يا رئيس الجمهورية «إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور»، فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وأعلم يا رئيس الجمهورية أنك الآن ممهل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل.. فلا تحكم في عباد الله بحكم الجاهلين، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين، ولا تسلط المستكبرين علي المستضعفين، فإنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، فتبوء بأوزارهم مع أوزارك وتحمل أثقالهم مع أثقالك. ولا يغرنك يا رئيس الجمهورية، الذين يتنعمون بما فيه بؤسك، ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في آخرتك.. ولا تنظر إلي قدرتك اليوم، ولكن انظر إلي قدرتك غداً، وأنت مأسور في حبائل الموت، وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين، وقد عنت الوجوه للحي القيوم.