راحت السكرة وجاءت الفكرة.. هكذا نقول عندما يجد الجد، ونلقي جانبا مخلفات وتبعات الفترة الاستثنائية الصعبة التي صاحبتها الولادة المتعثرة لأول رئيس مصري منتخب، وإن كان ليس بالأغلبية ولكن بإرادة شعبية ببلوغ النصاب القانوني المرجح.. إلا أنها فترة فارقة في تاريخ المنطقة العربية تبشر برياح الديمقراطية الحقيقية، والانتقال من شرعية الميدان إلى شرعية الرئاسة، التي تؤتي ثمارها الاقتصادية، وهي لها استحقاقات ومتطلبات، لأن الوقت لا يسعف أحدا ؛ بما يحتم على الجميع الركض في كل اتجاه، وأن نسابق الزمن من خلال أجندة واضحة تحدد خريطة الطريق ومعالم الإصلاحات المرجوة في تلك الحقبة القاسية من السنين العجاف القادمة، التي سيمر بها الاقتصاد المصري ويعاني منها شعب مصر لعدة سنوات نرجو من الله ألا تطول. ومن هنا يمكن القول: برغم ضخامة المسؤولية والعبء الثقيل - بضرورة أن يعلن الرئيس الجديد خطته الإصلاحية العاجلة في الثلاثة أشهر القادمة، التي تمثل فترة الاختبار، حتى يمكن بعدها تقييم إمكانية النجاح والاستمرار، أو الفشل والقنوط والعودة إلى الخلف، لأنه لا مناص من ذلك. ولذا نأمل أن تتضمن أجندة الشق الاقتصادي من خريطة المستقبل التي يقدمها الرئيس المنتخب، الخطوات والبرامج والخطط المطروحة للمشروع النهضوي الاقتصادي، من خلال عدة محاور تتناول خطط جذب الاستثمارات وإيجاد فرص العمل في الوظائف الحقيقية والمنتجة للتغلب على مشكلة المشاكل وهي المتعطلون عن العمل، ثم مشاكل التعليم والصحة والإسكان والصناعة والزراعة والصادرات، والعجز في الميزانية، وتراجع الاحتياطي النقدي، وزيادة الأسعار وجشع التجار، وسعر الجنيه، بالإضافة إلى سقف المطالب الفئوية حيث يريد الشعب أن يشعر بالآثار الاقتصادية للثورة على دخله وحياته اليومية.. وكلها ملفات غاية في الصعوبة والحيوية والأهمية في ذات الوقت. وعندما نتحدث عن الخطط فإننا نعني أرقاما محددة ومبرمجة لكل محور من هذه المحاور وفق توقيتات زمنية واضحة، يمكن الرجوع إليها والتأكد منها، وليست كلاما هلاميا أو خطابا إعلاميا للاستهلاك المحلي، لأن ذلك سوف يحدد الكثير من المعالم للمرحلة الانتقالية، التي سوف تظهر مدى القدرة على إدارة العمل بأسلوب علمي وعملي يمكن أن نهتدي به، لإعادة دوران عجلة الإنتاج في أسرع وقت، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى نبتعد عن شبح السقوط أو الانهيار.. وهذا يحتاج إلى قدرة تنظيمية قوية تستطيع أن توازن بين أطراف المعادلة متعددة الأطراف بين الموارد والمتاح والمطلوب، والصادرات والواردات، ومعدل الإنتاجية والإنتاج الكلي وعلاقة ذلك بالعنصر البشري ومصادر التمويل المختلفة، والاستثمارات المحلية والأجنبية، والغطاء المتوفر من الاستقرار السياسي والأمني والتشريعي، الذي يحمي ذلك ويتصدى لظاهرة الفساد، وإعادة الأموال المنهوبة أو المهربة، الأمر الذي يدعم الثقة في الاقتصاد من قبل المؤسسات المالية النقدية العالمية والإقليمية. وعلى جانب آخر هناك دور كبير للقوى الشعبية والتيارات السياسية بكل توجهاتها في أن تبذل الجهد لإنجاح هذه الخطط بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة، وإعلاء لمصالح الوطن حتى تستقر الأمور، ويأخذ الرئيس المنتخب فرصته في العمل من أجل إنقاذ الاقتصاد والنهوض به. لأن هناك من القوى من سيظل يبحث عن الفشل ويركز على نواحي الضعف والقصور بعيدا عن الموضوعية، حتى يتذمر الشعب من الثورة وتوابعها، لذلك إذا كانت المليونيات التي شهدتها ميادين مصر منذ بداية 2011 قد أثمرت عن تحول السلطة إلى إدارة مدنية، فعلى هذه المليونيات أن تثبت وطنيتها وقدرتها على العطاء والعمل وزيادة الإنتاج والإنتاجية وتقديم ساعات العمل الإضافية المجانية، حتى نثبت للعالم نجاح الثورة وقدرة مصر على تخطي المنحنى الصعب، ودعم خيارها الديمقراطي، ومن ثم نجاح الديمقراطية في تحقيق الرفاهية والحرية والعيش الكريم للجميع، من خلال تحقيق التنمية الاقتصادية الحقيقية نقلا عن صحيفة الشرق القطرية