قد يعتقد البعض فى لحظة ما أن نهر الإبداع كاد ينضب برحيل فطاحل الأدب، الذين أثروا الساحة الفنية بأعمالهم ورواياتهم التى تحاكى الواقع وتستشرف المستقبل، لكن الزمن أثبت عكس ذلك، إذ الهمت «روايات» شكسبير التى تغوص فى أعماق البشرية وتتعرف عليهم، فى محاولة منه للبحث عن مفهوم محدد للإنسانية، العديد من المخرجين، خاصة أن أدب شكسبير يشبه السيناريو فى تحليله للنفس البشرية. دائما ما يقال إن الفنان الحقيقى هو الذى ينجح فى ترك أعمال تتحدث عنه وتخلد فى الذاكرة بعد رحيله، يبدو أن «شكسبير» عمل بموجب هذه الحكمة، فرغم مرور نصف قرن على رحيله لكن أعماله تظل مرجعية للعديد من المخرجين الذين يريدون تقديم عمل يحكى عن خبايا النفس البشرية من نوايا حسنة وأخرى سيئة، وكذلك للقراء الذين يرون فى أدبه مرآة تعكس حقيقتهم، منها «هاملت» و«ماكبث» و«الملك لير»، وإن كانت «لير» تُعد من أعظم رواياته الأدبية التى باتت بمثابة حلم للعديد من الفنانين لتقديمها، إذ وضعها النقاد على قمة ما كتب شكسبير باعتبارها تنتمى إلى العصر الحديث أو تحمل بذور الحداثة. ورغم تأكيد النقاد على صعوبة تحويل «الملك لير» لعمل مسرحى أو سينمائى، لكن هناك فنانين جازفوا، وأقدموا على هذه الخطوة، منهم الفنان القدير يحى الفخرانى الذى قرر إعادة تقديم «الملك لير» على خشبة المسرح مرة أخرى بعد 17 عامًا من عرضها للمرة الأولى، حيث أخرجها مسرحيا أحمد عبدالحليم وتليفزيونيًا جمال عبدالحميد، وشارك فى بطولتها سوسن بدر، أحمد سلامة، ريهام عبدالغفور، أشرف عبدالغفور، سلوى محمد على، مروة عبدالمنعم، رشدى الشامى، عهدى صادق وآخرون وحققت المسرحية نجاحًا جماهيريًا كبيرًا وقتذاك. وقد نجح الفنان القدير بإيماءات جسده وبلاغته التعبيرية التى تجلت فى كلماته الأدبية وملامح وجهه التى تجعلك تتعاطف معه رغم أنانيته، فى تقديم «الملك لير» الذى أظهره «شكسبير» فى روايته التى تحمل نفس الاسم، أنه إنسان لديه الشهوة لأن يكون محط إعجاب الآخرين حتى عند ابنتيه، فهو يرفض الحقيقة، لأن الإنسان بطبيعته يتهرب من الحقيقة المؤلمة؛ لذلك حرم ابنته الصغرى من ميراثها عندما أخبرته بأنها ستحبه؛ لأنه والدها فقط، بينما كافأ ابنتيه اللتين خدعتاه بالكلمات المعسولة وضللتاه بحبهما الزائف والتملق الخادع، لذلك وقع ضحية الطمع الذى كان يتوغل فى صدرى صهريه، ليتحول بين ليلة وضحاها من ملك صاحب الجاه والمال، إلى رجل فقير يقضّ البرد مضاجعه ويفتك الهم بأوصاله، لا يجد سوى ابنته الصغرى التى حرمها من الميراث لأنها صادقة بجانبه. وذلك بعد أن استولت ابنتاه على ممتلكاته. وأبى شكسبير أن ينهى القصة عند هذه النقطة، فقد حرص أن يوضح للإنسان نتيجة ما يجنيه فى الحياة، لتقع الابنتان الكبرى والوسطى ذواتا النفوس الطماعة ضحية الجشع. قدم «الفخراني» العمل للمرة الثانية بعد مرور 17 عاما على عرضه للمرة الأولى، على خشبة «المسرح القومي»، ليرد للمسرح عافيته ورونقه الذى افتقده برحيل رجالاته، وقد نجح العمل المسرحى فى عودة الجماهير ل«أبوالفنون» مرة أخرى بعد سنوات من الغياب. وبعد النجاح الكبير الذى حققه للمرة الثانية، يعقد «الفخراني» حالياً بروفات جديدة تمهيدا لعرضها مجدداً على مسرح «الماركية» بالتجمع الخامس فى 10 أبريل الحالى، بعد أن تم معالجتها بشكل جديد لتتناسب النجوم الكبار المشاركين فى العرض ويأتى على رأس المقدمة الفنان فاروق الفيشاوى الذى يعود للمسرح بعد غياب 8 أعوام منذ أن قدم مسرحية «الناس اللى فى التالت» عام 2011 للكاتب أسامة أنور عكاشة، وياسمين رئيس، وناصر سيف، ورانيا فريد شوقى، وريهام عبدالغفور، وأحمد عزمى، وأيمن الشيوى، ومن المقرر أن يخرجها تامر كرم. وقد أعرب الفنان أحمد عزمى عن سعادته بالمشاركة فى العرض المسرحى، الذى يراه حدثاً فنياً ضخماً، وبإمكانه أن يُحدث نقلة نوعية فى مسيرة «أبوالفنون»، مؤكداً أن «الملك لير» تعد أول مسرحية يشارك فيها مع الفخرانى، حيث يجسد من خلالها شخصية «ادجار»، بعد أن قدم معه عملين دراميين هما «عباس الأبيض» و«يتربى فى عزو». وقال الفنان ناصر سيف، الذى يجسد شخصية ألبانى الذى يتعاطف مع الملك لير ضد بناته لخيانتهن لأبيهن، ويكتشف الدوق ألبانى خيانة زوجته له مع إدموند الذى يجسد شخصيته الفنان محمد فراج، إنه سعيد بالعمل مع النجم يحيى الفخرانى، فهو يرى العمل معه فخر لأى فنان، لما يتمتع به من روح التعاون والفهم الواعى لكل شخصيات المسرحية وروح الفكاهة التى يضفيها على طاقم المسرحية وداخل الكواليس وعلى خشبة المسرح أيضًا. ومن جانبه كشفت الفنانة رانيا فريد شوقى عن دورها فى المسرحية، حيثُ تجسد شخصية «جورنيل» الابنة الكبرى ل«الملك لير»، يترك لها والدها حقها الشرعى فى الميراث، وهو على قيد الحياة وتقابل هذا الحب والتضحية بإعاقة والدها، بالاتفاق مع شقيقتها الوسطى «ريجان» التى تجسدها الفنانة ريهام عبدالغفور. وعن سر حماسها للشخصية قالت: «الدور معقد وجديد لم أقدمه من قبل سواء فى الدراما أو المسرح، وتقديم هذه النوعية من الأدوار تدلل على موهبة الفنان من عدمها، وفى هذا الدور أتمنى أن الجمهور يكرهنى فيه لأن جورنيل شخصية طماعة وخائنة لوالدها وزوجها. وأضافت أن الفنان القدير يحيى الفخرانى يمثل لها حالة فنية خاصة، وأن اسمه وحده هو الذى جعلها توافق على المشاركة فى العمل إلى جانب عشقها الكبير للمسرح، وحرصها على تقديم أعمال هادفة تمتع الجمهور. معربة عن أملها فى أن تحظى مسرحية «الملك لير» على قبول واستحسان الجمهور. ولأن رواية «الملك لير» كانت وما زالت محط إعجاب العديد من الفنانين، لم يعد الفنان يحيى الفخرانى وحده هو الذى قدمها فى عمل فنى، فقد ألهمت الرواية نفسها الممثل العالمى «آل باتشينو» العاشق لأدب شكسبير، الذى قرر تقديم شخصية «الملك لير» فى فيلم سينمائى من إخراج المخرج البريطانى مايكل رادفورد. وفى حوار مع مجلة «بارى ماتش» الفرنسية، قال آل باتشينو: مع الملك لير أجد نفسى أمام مهمة أعقد ولكنها أمتع، كونها واحدة من أشهر الشخصيات المسرحية الإنجليزية، وأنها شخصية يكاد يكون تجسيدها حلمًا لجميع الممثلين. مشدداً على أن السينما لا بد أن تواصل استلهام مسرحيات شكسبير، لا سيما الجوانب الإنسانية فى أعماله. ويعتبر الفنان البريطانى «لورانس أوليفييه»، التى لاحت له أضواء الشهرة على خشبة مسرح ويست إند، أول من جسد شخصية «الملك لير»، لتأثره بالشخصية وبأعمال شكسبير بشكل عام، إذ وصفوه بأنه الترجمان الرئيسى لأعمال شكسبير فى القرن العشرين. حيثُ جسّد معظم أبطال رواياته، مثل ريتشارد الثالث، ومكبث، وروميو، وهاملت، وعطيل، وتاجر البندقية، والعم فانيا وغيرها. ومن الفنانين الذين استهوتهم شخصية «الملك لير» وجسدها ببراعة شديدة، الممثل الإنجليزى إيان هولم فى عمل سينمائى حمل توقيع المخرج البريطانى ريتشارد إير عام 1998. ويعتبر آخر من جسد شخصية «الملك لير» فى السينما المخرج والممثل العالمى أنتونى هوبكنز الفائز بأوسكار أفضل ممثل عام 1992. والفيلم الذى حمل اسم king lear للمخرج ريتشارد إير، شارك هوبكنز البطولة جون ماكميلان، وفلورنس بوغ، وإيما تومسون.