في الخميس الماضي استعرضت تجربة «الإخوان المسلمين» مع سلطة ثورة 23 يوليو التي كان الإخوان من مؤيديها، وكان لبعض ضباط تنظيم الضباط الأحرار الذي قام بالثورة علاقة حميمة بجماعة الإخوان، وكيف أراد الإخوان بعد استتباب سلطة الثورة المشاركة في الحكم تخلياً عن تأكيدها السابق عن أنها جماعة «دعوية» فقط، ثم رفض سلطة 23 يوليو بزعامة عبدالناصر المشاركة الإخوانية في السلطة، وكيف انتهت علاقة الإخوان بسلطة يوليو نهاية فاجعة علي الجانبين، فقد وقعت محاولة الإخوان اغتيال عبدالناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية، مما حدا بسلطة عبدالناصر إلي اعتقال الآلاف من أعضاء الجماعة، مع إعدام نحو سبعة من أقطاب الجماعة ذكرنا أسماءهم في المقال. كما أشرنا إلي كتابات القطب الإخواني الراحل «سيد قطب» الذي أعدم في فترة لاحقة في الستينات، وكيف كان في هذه الكتابات التي جمعها الزميل «حلمي النمنم» في كتاب صدر من سنوات يحض قادة ثورة يوليو بعد اندلاعها علي القضاء، علي معارضي الثورة والفتك بهم، حتي «تسيل الدماء أنهاراً فتروي الأرض»! وكانت تلك هي التجربة الأولي للإخوان من الجيش وعاشت بعدها الجماعة «محظورة» ومعظم أعضائها في السجون، حتي جاءت التجربة لهم ثانية هذه الأيام مع اختلاف الوجوه والملابسات والظروف، وقد بدأت تجربتهم الثانية بعد رحيل جمال عبدالناصر وتولي السادات الرئاسة، وقد كانت مصر مهزومة في حرب يونيو 1967، كما أن الضغط الشعبي الجارف وكذا تململ الجيش الذي كان يشعر بضرورة الثأر من العدو الذي انتصر في حرب خاطفة ولم تتح للجيش المصري خوض هذه الحرب بفعل تراخي كبار القادة ومفاجأة العدو لهم بتحطيم طيران الجيش المصري، وهو ما جاء في محاكمات القادة التي شهدت احتجاجاً واسعاً علي أحكامها، مما حدا بعبدالناصر إلي إعادة محاكمتهم محاكمة جديدة، لامتصاص الغضب الشعبي، مع تأكيدات من القيادة بأن مصر ستثأر لنفسها بالحرب علي إسرائيل مرة أخري، ولما تولي السادات الحكم كان هناك غضب عام من الشعب والجامعات خصوصاً علي أن الوقت قد طال علي هزيمة مصر دون حرب، وكانت مناوأة الحكم لهذا السبب يقودها طلاب الجامعات من اليسار المصري، فأراد السادات أن يضرب الطلاب والأساتذة اليساريين داخل الجامعات، فلم يجد غير الاستعانة بالطلاب المنتمين إلي الإخوان خاصة، والتيار الإسلامي بوجه عام، خاصة أنه كان قد شن الحرب الوحيدة التي انتصرت فيها مصر عام 1973، ولكن اليسار المصري في الجامعات ظل يناصبه العداء، ووجد طلاب التيار الإسلامي وأساتذته في الجامعات فرصة لكي يؤكدوا قوة التيار داخل الجامعة، ويثبتوا للسادات أنهم معه، ورغم جهودهم في هذا السبيل فقد كان السادات شديد الحذر منهم، فلم تغفل عنهم أجهزة أمنه، خاصة مباحث أمن الدولة، في ظل أجواء من ثورة شعبية في 18 و19 يناير من عام 1977، احتجاجاً علي رفع الأسعار، ثم تراجع السادات عن زيادات أسعار الحاجيات الأساسية بعد أن وجه اتهاماً لليسار بأنه وراء هذه الهبة الشعبية التي سماها «انتفاضة الحرامية» وسياسة الانفتاح التي أدت إلي تدهور الاقتصاد المصري واعتماده علي الديون والمعونات الأمريكية، واعتبار القوي السياسية كلها أن الحرب التي انتصرت فيها مصر لم تسفر عن استثمار حقيقي لها في حماية الاستقلال الوطني، وكان أن قام بقفزته المفاجئة بزيارة إسرائيل التي أسفرت عن سلام تعاقدي بين مصر وإسرائيل، مما خلق مقاطعة عربية شاملة لمصر، وقاوم السادات الغضب الشعبي بأن قام باعتقال كافة فصائل المعارضين في سبتمبر 1981، مما جعل فصيلاً من التيار الإسلامي يقدم علي اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981، حتي تولي بعده حسني مبارك الحكم وإفراجه عن المعتقلين في شبه مصالحة وطنية، ولكن اغتيال السادات كان ضد التيار الإسلامي كله، فبقي الإخوان وغيرهم رهائن المعتقلات! وقد لا تسمح المساحة بعرض كل التفاصيل لكن قيام ثورة 25 يناير وإسقاط نظام مبارك بعد حكمه لثلاثة عقود قد فتح الباب أمام الإخوان لكي يشكلوا أحزاباً سياسية، مع بقاء الجماعة، بحيث كانت هذه فرصة انخراطهم في الحياة السياسية، تحت عين المجلس العسكري الذي أكد حماية الجيش للثورة، وفي حين أن الإخوان قد أصبح لهم حزب خاضوا به الانتخابات العامة لمجلسي الشعب والشوري، وتحققت لهم أغلبية كاسحة في هذه الانتخابات، بعد تجربة سابقة لهم في فوزهم بثمانين مقعداً في مجلس الشعب أثناء حكم مبارك، ولكن الإخوان لم يكن عندهم الصبر الذي يجعلهم يصلون إلي أهدافهم بهدوء، فبادروا أولاً إلي التحالف مع المجلس العسكري ضد ما أسموه «غوغائية القوي الثورية» ثم فض الإخوان هذا التحالف وانغمسوا في الهجوم المستمر علي المجلس العسكري، والضغط عليه حتي يسلم السلطة بسرعة إلي المدنيين، أملاً منهم في نصيب وافر في هذه السلطة، وهو ما تحقق مؤخراً بفوز مرشحهم د. محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية منذ أيام، بعد أن ظلوا يشيرون إلي أن عدم نجاح مرشحهم يعني أن هناك تزويراً للانتخابات سينتهي بالبلاد إلي كارثة، ولم تفلح تهديداتهم للمجلس العسكري الذي قبل التحدي، علي النحو الذي جري خلال الاستعداد للإعادة في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، التي أقنعتهم - ربما - بأن الانتخابات كانت بعيدة عن التزوير، ولكن التجربة الثانية للإخوان مع السلطة العسكرية أثبتت أنهم لم يتغيروا!